الإخوة فى جميع أرجاء الوطن العربي:
هذه أول مرة أسمح فيها لنفسى أن أوجه الخطاب إليكم جميعاً على هذا النحو الرسمي، ولكنى أشعر أن من حقكم على ومن واجبى حيالكم أن أطلعكم على فكرى، وأن أفتح أمامكم قلبي فى هذه اللحظات الحاسمة من نضال الأمة العربية ومن كفاحها فى سبيل مثلها الأعلى فى الوحدة والحرية.
إننى لا أوجه هذا الحديث إلى شعب الجمهورية العربية المتحدة؛ لأنى أعتبر أن الساعات التى نعيشها الآن ليست ملكنا وحدنا؛ إنما ملك تاريخ سبق، وملك حاضر يبنيه الدم والعرق، وملك مستقبل نحاول تحريكه فى ضمير الغيب، إنها ملك نضال قديم مستمر باق إلى الأبد من أجل هذه الأمة العربية ومن أجل عزتها. لهذا أريدكم جميعاً أن تكونوا معنا، وأن تعيرونا كل الفكر الواعى منكم والاهتمام.
أيها الإخوة:
لقد وقع فى سوريا ما تعرفون جميعاً، تعرفون ما حدث بالأمس وتعرفون ما يحدث اليوم، وإذا كنت أقول لكم إننى أتابع تطورات الحوادث بقلب جريح؛ فإننى أقول لكم فى نفس الوقت إن ما يشغل بالى ليس ما حدث حتى الآن، وإنما يشغل بالى أكثر منه ما يمكن أن يتداعى وراء ذلك من أخطار على الأمة العربية وعلى كيانها وعلى مستقبلها.
وأقول لكم الآن إننى أكاد أرى الأمة العربية مقدمة على محنة رهيبة، وأشعر أن واجبى يحتم على أن أفعل كل ما فى وسعى كى أجنب الأمة العربية هذه المحنة؛ لكى يبقى لها دائماً تنبهها إلى الأخطار المحيطة بها، وقدرتها على النضال من أجل أهدافها، لا يشغلها عن ذلك شىء، ولا يشد اهتمامها منه أى اعتبار مرحلى مؤقت.
وإنى لأقول لكم جميعاً – بضمير راض وقلب مستريح – إننى لا أقبل مهما كانت الظروف أن أرى الشعب هنا والشعب فى سوريا أطراف معركة وأصحاب خلاف وشقاق، لا أستطيع أن أتصور القاهرة ودمشق إلا إخوة كفاح، وإلا زملاء معركة، وإلا شركاء قدر ومصير مع كل عاصمة عربية أخرى، مع كل مدينة عربية، مع كل قرية عربية. ولقد شعرت خلال الأيام الأخيرة أن ما حدث كله قد فتح فرصة واسعة أمام أعداء الأمة العربية من قوى الاستعمار ومن أعوانه، ومن قوى الرجعية فى المنطقة وأعداء تقدم الشعوب، ولقد رأيت رأى العين فرحتهم جميعاً بهذه الفرصة التى تفتحت أمامهم، ورأيت تأهبهم للاستفادة منها لمصالحهم وعلى حساب المصلحة العربية.
لقد أحسست أنهم يريدونها معركة تقتتل فيها عناصر من أبناء الشعب السورى مع بعضها، معركة تقع فيها الفتنة بين الشعب العربى فى سوريا وبين الشعب العربى فى مصر، معركة تقع فيها شعوب الأمة العربية فى حيرة تتوه بعدها فى الظلام. ذلك كله كان أمامى، وكان أمامى أيضاً واجبى تجاه الأمة العربية وتجاه المصير العربى، وإنكم لتعرفون أننى اتخذت منذ أيام قراراً بألا تتحول الوحدة العربية بين مصر وسوريا إلى عملية عسكرية، وبناءً على ذلك فلقد أوقفت جميع العمليات العسكرية التى كانت قد بدأت لمناصرة الجموع الشعبية الثائرة ضد الحركة الانفصالية فى سوريا.
واليوم أعلن إليكم جميعاً أننى إذا كنت قد رفضت أن تكون الحرب العسكرية وسيلة إلى تدعيم الوحدة؛ فإننى أرفض الآن أن تكون الحرب الأهلية بديلاً لذلك، ولعلكم تذكرون أن الإجماع الكامل كان من شروطى الأساسية لقبول قيام الوحدة بين مصر وسوريا فى فبراير سنة ١٩٥٨.
وإنى اليوم لا أرضى بأن تبقى وحدات من الجيش السورى متربصة بالشعب، ولا أن تبقى جموع من الشعب متربصة بعناصر من الجيش السورى.
إن الجيش السورى يتحمل مسئوليات كبرى تجاه العدو المشترك للأمة العربية، ولن أقبل – مهما كان من تصرفات الآخرين ومن أخطائهم بل خياناتهم – أن تتحول مهمة الجيش السورى إلى عمل بوليسى.
أيها الإخوة فى جميع أرجاء الوطن العربى:
إنكم تعرفون أننى داعية وحدة، وإنكم تعرفون موقفى عندما فرضت الإرادة الشعبية السورية الحرة هذه الوحدة الشاملة فى فبراير سنة ١٩٥٨، أنتم تعرفون أنه كان من رأيى أن الوحدة – خصوصاً فى فترات البناء الوطنى – عملية شاقة ومرهقة، وكان من رأيى التمهيد لها تدريجياً على سنوات نتمكن خلالها من أن نضع الأسس الحقيقية لها قبل أن نقيم إطارها الدستورى، ولكنى نزلت على الإرادة الشعبية السورية، وكنت أشعر فى أعماقى أننى بهذا أحمى الوطنية السورية، وأشارك فى إنقاذ الوطن السورى مما كان يتهدده من أخطار الفرقة الداخلية، وفى مواجهة ضغط القوى الاستعمارية.
ولقد أحسست بعد إتمام الإطار الدستورى للوحدة أنه ليس أمامنا وقت نضيعه، لهذا فقد كرست جهدى كله لعمليات البناء فى سوريا، وكان تقديرى أن نمضى فى ذلك بأسرع ما نطيق لكى يكون هناك أساس للتقدم نحو الرخاء. ولقد تمت خلال ثلاث سنوات ونصف من الوحدة أعمال حقيقية لم تشهدها سوريا فى كل تاريخها، أقول ذلك لا لكى أتفاخر به أو أتباهى، وإنما أقوله كأمر واقع تشهد به الأرقام وتؤكد به قدرة الشعب السورى على بناء نفسه إذا ما أتيحت له الفرصة لتركيز جهوده وإحسان توجيهها. فى هذه السنوات الثلاث والنصف حاولنا بكل جهدنا توجيه الشعب السورى إلى تكريس جميع إمكانياته فى اتجاه البناء؛ بناء الوطن وبناء المواطن.
فى مجال بناء الوطن بلغ مجموع الإنفاق العام الفعلى بواسطة الدولة فى سوريا من يوم إتمام الوحدة إلى نهاية السنة المالية الحالية ٢٨٦٢ مليون ليرة، بينها ٥٥ مليون ليرة فى الزراعة، و٢٣٨ مليون ليرة فى الرى واستصلاح الأراضى، و١١٤ مليون ليرة فى الصناعة والكهرباء، و٢٢٠ مليون ليرة فى النقل والمواصلات، و٣٨ مليون ليرة للإسكان، و٣٦٢ مليون ليرة فى التعليم، و٧٧ مليون ليرة فى الصحة، و٢٧ مليون ليرة للخدمات الاجتماعية، و١٩ مليون ليرة للخدمات الثقافية، و١٥٥ مليون ليرة فى المرافق والبلديات، وبعد ذلك تجىء الاعتمادات التى خصصت للدفاع.
وفى مجال بناء الوطن كان برنامج هذا العام، وهو السنة الثانية من خطة السنوات الخمس، يقتضى توجيه ٦١٠ مليون ليرة للتنمية، بينها ٨٢ مليون ليرة للرى وإصلاح الأراضى، و٦١ مليون ليرة للزراعة، و١٨٠ مليون ليرة لصناعة التعدين والبترول والكهرباء، و٧٨ مليون ليرة للنقل والمواصلات، و٢٤ مليون ليرة للتعليم، و٨ مليون ليرة للصحة، و٤ مليون ليرة للخدمات الاجتماعية والعمالية، و٩ مليون ليرة للخدمات الثقافية، و٥٧ مليون ليرة للمرافق العامة والسياحة والبلديات، و٦٥ مليون ليرة للإسكان، و٧ مليون ليرة لخدمات الإدارة العامة، و٥ مليون ليرة للقطاع التجارى والمالى، و١٥ مليون ليرة للتغيير فى المخزون، و١٠ مليون ليرة احتياطى لمواجهة أى نقص.
وفى مجال بناء الوطن كانت هناك خطة تستهدف مضاعفة الدخل القومى السورى فى ١٠ سنوات أو أقل، وكانت هذه الخطة بالنسبة للسنوات الخمس الأولى منها توجه للنواحى الإنتاجية ونواحى الخدمات وحدها ما قيمته الإجمالية ٢٧٢٠ مليون ليرة؛ ومن أبرز مشروعات هذه الفترة مشروع سد الفرات العظيم.
وفى مجال بناء المواطن الحر، فى مجال تحرير لقمة العيش، فى مجال رفع السيطرة الرأسمالية والاحتكارية عن الفرد السورى تمت الخطوات الثورية الاشتراكية التالية، وأصبحت لها قوة القانون، بعد أن كانت آمالاً بعيدة تراود أحلام الفلاحين والعمال فى أمتنا العربية.
تم تنفيذ قانون للإصلاح الزراعى يبغى تحرير الفلاح، وبمقتضاه أصبح أجير الأرض سيداً، وبدأ توزيع ٥٦١ ألف و١٣٣ هكتاراً على الآلاف من الملاك الجدد.
تم نقل ملكية المصارف إلى الشعب ليكون المال أداة فى خدمة الوطن، ولا يتحول الوطن إلى أداة فى خدمة المال. تم نقل ملكية شركات الاحتكار إلى الشعب؛ لكى يقف استغلال فئة قليلة من أفراده لسواده الأعظم، واستئثارهم وحدهم بأكبر قسط من الدخل القومى. تقرر أن يكون للعمال والموظفين فى جميع الشركات ربع أرباحها، وأن يكون لهم حق الاشتراك فى إدارة المؤسسات التى يعملون فيها بعضوين يجرى انتخابهما فى مجلس الإدارة.
ومن ناحية أخرى.. من ناحية التأثير العربى والدولى، فلقد كانت هذه السنوات الثلاثة والنصف سنوات مارس الشعب السورى فيها قوة ضخمة لنصرة النضال العربى؛ من سوريا اتخذنا جميع الإجراءات لمناصرة الثورة الوطنية فى العراق، هذه الثورة التى أسقطت حلف بغداد وقوضت قوائمه، ومن سوريا تمكنا من التأثير فى اتجاهات الحوادث فى العالم العربى تأثيراً بنَّاءً ومستمراً.
ومن سوريا استطاع الجيش السورى – بينما الجيش المصرى محتشد بكامل قواه على خط القتال – أن يمنع إسرائيل من إتمام تحويل مجرى نهر الأردن، وفى سبيل الحيلولة دون ذلك خاض ضباط الجيش السورى وجنوده معارك محلية ولكنها ناجحة ضد اسرائيل. وفيها وخلالها أدرك العدو أن المضى فى المحاولة سوف يجر عليه أخطاراً فادحة.
كذلك مارست سوريا تأثيراً كبيراً على سير حركة التحرير فى إفريقيا وفى صد المحاولات الإسرائيلية للتسلل من وراء الحصار العربى عليها وفتح إفريقيا على مصراعيها أمام تجارتها وأمام نشاطها الهدام، وكانت الذروة فى ذلك هى مؤتمر الدار البيضاء، الذى أجمعت فيه دول إفريقيا المتحررة على أن إسرائيل أداة فى يد الاستعمار الجديد ورأس جسر لمطامعه.
كذلك مارست سوريا تأثيراً واضحاً فى تغليب قوى السلام ودفع ويلات الحرب عن البشر، وليس دور الجمهورية العربية المتحدة فى مؤتمر الدول غير المنحازة فى بلجراد ببعيد.
ذلك كله – أيها الإخوة أبناء الأمة العربية – حدث، وإنى راض به وسعيد، وأعتقد أنكم جميعاً ترون معى أن هذه كلها كانت نقط تحول بارزة فى سير المواطن العربى نحو هدفه فى الكفاية والعدل، والحق والسلام.
ثم كانت الظروف الأخيرة التى تعرفونها جميعاً، والتى ترون كما أرى أنها محنة رهيبة تهدد الأمة العربية، تبعثر قواها عن مواجهة عدوها الحقيقى؛ الاستعمار والرجعية المتعاونة معه.
أيها الإخوة فى جميع أرجاء الوطن العربى:
إننى أشعر فى هذه اللحظات أنه ليس من المحتم أن تبقى سوريا قطعة من الجمهورية العربية المتحدة، ولكن من المحتم أن تبقى سوريا. إننى أشعر أن الذى يشغل بالى ليس هو أن أكون رئيساً للشعب العربى فى سوريا، ولكن الذى يشغل بالى هو أن يكون الشعب العربى فى سوريا وأن يُصان له كيانه، ولست أتصور أن أقبل – بأى حال من الأحوال – أن أرى فتنة تهدد الشعب السورى، أو خطراً يتربص به، أو شاغلاً يشده ويبعثر طاقته عن أن تتجه بكل إمكانياتها إلى حراسة المكاسب الشعبية التى حققها فى عهد الوحدة، ثم يجد أن ما فى يده يسلب منه يوماً بعد يوم، بينما هو مشغول بقضية فرعية مؤقتة سوف تحسمها فى نهاية المطاف حتمية التاريخ؛ وأعنى بها الوحدة.
لهذا فإنى الآن على مسمع منكم جميعاً يا أبناء الأمة العربية أعلن ما يلى:
أولاً: إننى أطلب إلى جميع القوى الشعبية المتمسكة بالجمهورية العربية المتحدة وبالوحدة العربية أن تدرك الآن أن الوحدة الوطنية داخل الوطن السورى تحتل المكانة الأولى، إن قوة سوريا قوة للأمة العربية، وعزة سوريا عزة للمستقبل العربى، والوحدة الوطنية فى سوريا دعامة للوحدة العربية وتمهيد حقيقى لأسبابها.
ثانياً: لقد بعثت الآن إلى رئيس وفد الجمهورية العربية المتحدة الدائم لدى الأمم المتحدة بألا يقف فى وجه طلب قبول سوريا عضواً فى الأمم المتحدة، ولقد مر الآن أكثر من أسبوع على ما حدث فى دمشق، ولم تستطع الحركة التى قامت هناك أن تحصل على أى اعتراف دولى بها. لم تعترف بما حدث فى سوريا حتى الآن إلا خمس دول – وأسميها بالدول تجاوزاً – وهى بقايا الأسرة الخائنة للتاريخ العربى فى عَمّان، وحكومة “تشان كاى تشك” المطرودة من الصين إلى فرموزا، والحكومة العسكرية الفاشية فى تركيا، وحكومة شركة الفواكه الأمريكية المتحدة فى جواتيمالا، وحكومة أصدقاء إسرائيل فى طهران.
وفى نفس الوقت فإن العالم المتحرر قد عبر لى بحركات شعوبه وبرسائل زعمائه عن تأييده للجمهورية العربية، وإنى أعتبر أن ذلك يكفى فلست أريد أن أقيم حصاراً سياسياً أو دبلوماسياً من حول سوريا، فإن الشعب السورى فى النهاية سوف يكون هو الذى يعانى من هذا الحصار ويقاسى.
ثالثاً: لقد طلبت إلى وزارة الخارجية ألا تقف الجمهورية العربية المتحدة حائلاً دون عضوية سوريا فى الجامعة العربية، ولسوف نطلب إلى الجامعة العربية أن تشكل على الفور لجنة تحقق فيما يلى:
١- أن تتحقق من أن كل احتياطى الذهب وغطاء العملة السورية كما كان قبل الوحدة موجود بكامله فى البنك المركزى فى دمشق، وتتأكد أيضاً من أن الخزينة السورية تلقت نقداً من الخزينة المصرية غداة إتمام الوحدة ١٣.٥ مليون ليرة سورية لمواجهة عجز الميزانية السورية فى السنة السابقة للوحدة، وتتأكد كذلك من أن الإقليم المصرى كان يقدم كل سنة ما قيمته ٣ مليون جنيه للإقليم السورى تمكيناً له من مواجهة أعباء البناء، كذلك قدم الإقليم المصرى خلال فتره الوحدة تحويلات نقدية قيمتها ٩ مليون جنيه إسترلينى لكى يتمكن الإقليم السورى من مواجهة مطالب الاستيراد.
ولقد كنت اعتبر أن للشعب السورى حقاً فى حصيلة دخل قناة السويس باعتباره شريكاً فى معركة تأميمها وانتزاعها من المستعمر.
كذلك أريد لهذه اللجنة أن تتأكد أن إتمام الوحدة جعل الإقليم السورى يتمكن من تخفيض أعبائه العسكرية للدفاع بأربعين مليون ليرة سورية كل سنة؛ بسبب تغيير الموقف الإستراتيجى الناشئ من الوحدة، وبالتالى كان هذا المبلغ يوجه إلى نواحى الإنتاج والخدمات، بينما كانت القدرة الدفاعية للقوات المسلحة السورية أكثر كفاية وفاعلية.
٢- أن تتحقق اللجنة من أنه برغم جميع الدعايات التى روجت لها القوى الاستعمارية والعناصر الرجعية المتعاونة معها فإن عدد المعتقلين فى سوريا كلها لم يكن يتجاوز ٩٥ شخصاً، بل إنى أريد لهذه اللجنة المشكلة من الجامعة العربية أن تتأكد من أننى أمرت بحفظ عديد من قضايا التآمر على الوطن السورى؛ وذلك لكى أبقى لهذا الوطن وحدته، ولسوف يتضح جلياً أن بعض الذين يقودون التيار الانفصالى الرجعى كان يجب أن يكونوا اليوم فى قفص الاتهام.
٣- أن تتحقق هذه اللجنة من أن قوة المظلات التى هبطت فى اللاذقية مساء يوم الخميس ٢٨ سبتمبر كانت تحمل تعليمات بعدم إطلاق النار، ولم يكن معها ملايين الليرات المزيفة كما ادعت عناصر الانفصال، وإنما كان الذى يحمله أفرادها هو بضعة آلاف من الليرات، وأنها لم تكن ليرات مزيفة طبعت فى القاهرة كما ادعوا، وإنما كانت ليرات سورية صحيحة.
٤- أن تتحقق هذه اللجنة من طبيعة الأعمال التى كان يقوم بها أبناء الإقليم المصرى فى سوريا، وأن تتحقق من أننا أردنا أن نزيد عدد المدرسين والمهندسين والأطباء فى سوريا بالدرجة الأولى؛ وذلك لكى نسارع فى دفع عملية التطوير، وإن أحداً منهم لم يذهب ليستغل ولم يذهب ليفتح تجارة ولم يذهب ليجنى ربحاً، وإنما ذهبوا جميعاً ليخدموا بقدر ما يملكون من جهد للخدمة، وفوق ذلك كان الإقليم المصرى هو الذى يتحمل مرتباتهم.
أيها الإخوة:
على أنى أرجو أن تقبلوا بصدر رحب بعد ذلك رأينا فى نقطة أخيرة؛ تلك هى أن حكومة الجمهورية العربية المتحدة لن تقبل الاعتراف بأى حكومة فى دمشق من جانبها، إلا بعد أن تتجلى إرادة شعبية سورية حرة تقرر بنفسها طريقها.
أيها الإخوة:
لا يفوتنى فى هذه اللحظة أن أوجه شكرى العميق وشكر الشعب فى الجمهورية العربية المتحدة على العواطف النبيلة التى أبداها الشعب اللبنانى وحكومته تجاه أبناء الجمهورية العربية المتحدة الذين أخرجوا من سوريا بطريقة لا أملك الكلمات لوصفها، وإن كان يعزينى عنها ويعزى الشعب فى الجمهورية العربية المتحدة أن الشعب السورى ودع بدموعه كل أبناء الجمهورية العربية المتحدة العائدين إليها بعد أن أخرجوا من سوريا.
كذلك لا يفوتنى أن أوجه شكرى العميق وشكر الشعب فى الجمهورية العربية المتحدة إلى جميع الشعوب العربية التى وقفت بمشاعرها وتأييدها مع أول تجربة للوحدة العربية. وإنى لأثق – نفس ثقتى بالله – أن هذه التجربة لن تكون الأخيرة، وإنما كانت التجربة عملية رائدة استفدنا منها الكثير فى تقديرى، وسيكون ما استفدناه ذخيرة للمستقبل العربى وللوحدة العربية، التى أشعر أن إيمانى بها يزيد قوة وصلابة. إن التاريخ طويل أمام الأمة العربية، والكفاح مستمر يزداد عمقاً بالتجربة.
أيها الإخوة فى جميع أرجاء الوطن العربى:
لقد حاولت جهدى أن أؤدى واجبى كجندى فى خدمة هذه الأمة العربية، وحاولت ألا أدع مجالاً لفرقة ولا أفتح طريقاً لفتنة. إن عدوى وعدو أمتى هو الاستعمار والرجعية المتعاونة معه، والقاعدة التى يتحفز منها لضرب آمالنا؛ وهى إسرائيل.
إن أملى هو حرية الوطن العربى وحرية المواطن العربى، وإنى لأثق فى حتمية الوحدة بين شعوب الأمة العربية، ثقتى بالحياة، وثقتى بطلوع الفجر بعد الليل مهما طال.
أيها الإخوة:
أعان الله سوريا الحبيبة على أمورها، وسدد خطاها، وبارك شعبها، وستبقى هذه الجمهورية العربية المتحدة رافعة أعلامها، مرددة نشيدها، مندفعة بكل قواها إلى بناء نفسها؛ لتكون سنداً لكل كفاح عربى، ولكل حق عربى، ولكل أمل عربى، وسلام عليكم جميعاً. وعاشت الأمة العربية، وعاشت الجمهورية العربية المتحدة.
بيان الرئيس جمال عبد الناصر بشأن الانفصال عن سورية وذلك بتاريخ يوم ١٩٦١/١٠/٥م اي بعد مرور اسبوع على واقعة جريمة الانفصال سوريه عن الجمهورية العربيه المتحده