جاءت تصريحات وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي حول الملف السوري على هامش اجتماعات الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك، تعليقاً على خطاب العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، لتعكس أنّ المبادرة الأردنية، التي تبنتها الجامعة العربية للتواصل مع نظام بشار الأسد لإيجاد حلّ لعدة ملفات في الأزمة السورية، لا تسير بخطى مقبولة سواء من قبل الأردن أو الدول العربية التي دفعت وزراء خارجيتها لتشكيل لجنة وزارية مع النظام.
وأشار الصفدي إلى أنّ اللجنة الوزارية التي أفرزتها مبادرة التقارب تنتظر ردوداً من دمشق، ملوّحاً في الوقت عينه بخيارات أردنية لمكافحة مخدرات النظام.
ومنذ أن اعتمد بيان عمّان، مطلع مايو/ أيار الماضي، مبادرة الأردن للتقارب مع النظام السوري على مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، وتضمينه خريطة طريق للتعامل مع عدة ملفات، في مقدمتها محاربة صناعة وتجارة المخدرات، المتهم بالتورط فيها وتصديرها من سورية إلى العديد من الدول، لا سيما عبر الأردن، لوحظت زيادة في عمليات التهريب.
ولم تعقد اللجنة الوزارية، بعد تبني الجامعة العربية للمبادرة الأردنية، سوى اجتماع واحد، في منتصف أغسطس/ آب الماضي بالقاهرة، حينها ركز وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد على الطلب من الدول العربية حث الأمم المتحدة على تقديم الأموال للنظام بغطاء التعافي المبكر، ضمن المساعدات الأممية المقدمة إلى الشعب السوري أساساً، دون أن يقدم توضيحات حقيقية حيال الملفات الأساسية في المبادرة: الحل السياسي بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254، ومكافحة المخدرات، وإعادة اللاجئين، إضافة للملف الأمني.
وأمس الأربعاء، قال الصفدي إنّ الأردن والدول العربية تنتظر رداً من دمشق بعدما قدّمت أوراقاً ومقترحات للتقدم باتجاه حل الأزمة السورية، مشيراً في مقابلة مع تلفزيون “المملكة”، إلى أنّ بلاده تريد حلاً يلبّي طموحات الشعب السوري في وطن آمن مستقر، وتتحرك لحل الأزمة السورية بالاستناد إلى قرار مجلس الأمن الدولي 2254، وهو القرار الذي أجمع الجميع عليه واعتمده مرجعية للمضي في حل الأزمة.
ولفت الوزير الأردني إلى أنّ الأزمة السورية ولدت في السابق الكثير من التهديدات للأردن، مضيفاً: “الآن هناك تهريب للمخدرات والأردن يتعامل معه.. أبلغنا الحكومة السورية بما هو مطلوب، وثمة حوار قائم، لكن في الوقت ذاته لن نتوقف عن القيام بكل ما يلزم لحماية أمننا واستقرارنا”، مشيراً إلى أنّ الأزمة في سورية، وتهريب المخدرات يشكلان عبئاً كبيراً على بلاده.
وأضاف الصفدي: “سنقوم بما يلزم، لن نسمح بتهديد أمننا الوطني، ولن نسمح بإدخال المخدرات وكل ما تسببه من كوارث إلى الأردن”، مشيراً إلى أن “تهريب المخدرات عملية منظمة والمهربون يمتلكون قدرات كبيرة”، لافتاً إلى وجود مجموعات مرتبطة بجهات إقليمية وجهات أخرى مسؤولة عن التهريب.
من جهته، قال الملك الأردني، في “قمة الشرق الأوسط العالمية”، على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إنّ “الأردن يقاتل على الحدود للتأكد من عدم دخول المخدرات إلى البلاد”، مضيفاً أن “بشار الأسد لا يريد صراعاً مع الأردن”، وأردف قائلاً: “لا أعرف ما إذا كان يسيطر بالكامل على الأمور”.
ويوحي كل ذلك بأنّ النظام لم يتقدم بالخطوات المطلوبة باتجاه المبادرة، القائمة أساساً على مبدأ خطوة بخطوة، بانتظار ما سيخرج عن الدول العربية المشاركة فيها، لا سيما المملكة العربية السعودية، التي تشير المعطيات إلى استيائها من مماطلة النظام بالتعامل مع المبادرة، رغم فتح الأبواب أمامه للعودة إلى محيطه الإقليمي.
وتعليقاً على ذلك، يرى الكاتب والمحلل السياسي طه عبد الواحد أنه “ليس لدى بشار الأسد ما يقدمه، بالنسبة للاقتراحات التي تنتظرها عمّان من دمشق لمكافحة تهريب المخدرات، أو أنه لا يريد أن يتعاون فعلياً لمواجهة هذا التهديد، لأنه مستفيد من استمرار هذا الوضع، على الأقل كورقة ضغط على الدول العربية ليحصل منها على أفضل ثمن والمزيد من التنازلات لخدمته”.
وأضاف، في تصريح لـ”العربي الجديد”: “مسألة المخدرات ليست قضية عصابات مستقلة بذاتها تقوم بهذا العمل، ويتضح من التلميحات في تصريحات وزير الخارجية الأردني أن عمان تدرك حقيقة الدور الرئيسي الذي تلعبه في هذا الشأن الجهات المرتبطة بشكل مباشر بالنظام وببعض القوى الداعمة له، مثل إيران ومليشياتها في سورية، وهو ما عبّر عنه الوزير الصفدي حين أشار إلى وجود مجموعات مرتبطة بجهات إقليمية وجهات أخرى مسؤولة عن التهريب”.
وأضاف عبد الواحد أنّ “المبادرة العربية في حالة جمود حالياً، والدول العربية كما يُفهم من التصريحات، تنتظر من دمشق خطوات فعلية في معظم الملفات، ومنها الحد من تدفق المخدرات، والانخراط في العملية السياسية وغيرها، وإذا لم يغير النظام أسلوب تعامله ونظرته إلى التطبيع العربي على أنه (جزء من انتصار سورية على المؤامرة الكونية)، وأنه، أي التطبيع، نتيجة طبيعية وليس (مكرمة من العرب)، فإن المبادرة العربية ستنتهي، هذا طبعاً إذا كان قادة دول التطبيع جادين في ما يطالبون نظام الأسد به، ولم تكن مطالبهم المعلنة مجرد غطاء لتبرير التطبيع معه”.
وحول تصريحات ملك الأردن، علّق عبد الواحد بالقول إن كلامه “يشي بأن الأردن قد يلجأ لخيار تدخل عسكري واسع في مناطق جنوب سورية، واستخدام القوة العسكرية في مناطق أخرى من سورية لمواجهة تهديد تهريب المخدرات”، مضيفاً أنّ “كلام الملك وكأنه تلميح للأسد: إما أن تقوم بما هو مطلوب منك وتؤكد أنك مسيطر على بلادك، أو أننا سنقوم بعمل عسكري تمليه علينا مصالح أمننا الوطني”.
ويعتقد الباحث في الشؤون السياسية والعسكرية العميد موسى القلاب أن الإجابات التي ينتظرها الأردن تتعلّق بشكل رئيس بملف تصنيع وتجارة المخدرات وتهريبها إلى الأردن وعبره إلى دول الخليج وغيرها من الدول، لافتاً في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أنّ تلك التجارة أصبحت دولية يقودها النظام وتحديداً الفرقة الرابعة التي يقودها شقيق بشار الأسد ماهر، بالإضافة إلى تدخل مليشيات إيران وحزب الله اللبناني”.
وأضاف القلاب أنّ “الحراك الأخير في السويداء، جعل لدى عمّان مخاوف من تدفق موجات جديدة من اللاجئين إلى الأردن، فحوالي 1.5 مليون سوري يشكلون عبئاً على الأردن المحدود الموارد، لا سيما مع ضعف الاقتصاد وشح المياه، علاوة على الملفات السياسية الأخرى التي تريد حلها مع النظام، ضمن المبادرة الأردنية التي أصبحت عربية في ما بعد”.
وحول تلويح الأردن باستخدام خيارته، أشار القلاب إلى أنّ “تلك الخيارات عسكرية أمنية، لردع المهربين وتحجيم تحركهم داخل الأراضي السورية، حيث يتجمعون، فملف الكبتاغون والمخدرات بشكل عام بات يؤرق عمّان ومعها دول الخليج بعد أن أصبح الأردن نقطة عبور لمخدرات النظام إلى الخليج، وبالتالي بات الأردن بحاجة إلى استخدام خيارات أمنية وعسكرية لإيقاف هذا التهديد”.
المصدر: العربي الجديد