يرى مراقبون أن معارك النظام الأخيرة في الشمال السوري، وقضمه لعشرات المدن والبلدات بريفي حلب وادلب، والتي وصل عددها لأكثر من مائة قرية خلال الحملة الاخيرة، أظهر انكساراً ملحوظاً للفصائل المقاتلة ككل، و»هيئة تحرير الشام» بشكل خاص، كونها القوة الأكثر تنظيماً عسكرياً وإدارياً في الشمال السوري.
وحول هذا الانهيار السريع لـ»تحرير الشام» وغيرها من الفصائل، يقول القيادي المقرب من الجهاديين الملقب بـ»قحطان الدمشقي» لـ»القدس العربي»: إن «هذا الانكسار يعود لعدة أسباب، أبرزها تفوق ميليشيات النظام عدداً وعتاداً، مدعومة بسلاح الجو الروسي وميليشيات إيران والقوات الخاصة الروسية المجهزة بأحدث التجهيزات والعتاد العسكري، بالإضافة إلى انكشاف التكتيكات العسكرية التي تستخدمها الهيئة، والتي باتت مكشوفة ومستهلكة وحفظها الروس عن ظهر قلب، والتعامل معها بما يحقق هزيمة الفصائل والهيئة، إضافة إلى تشتت وعشوائية وضعف التنظيم بين الفصائل واختلاف نوعية وعدد المقاتلين وأدائهم وتدريبهم وخبرتهم العسكرية، واستنزاف للكوادر نتيجة الحملات العسكرية المتتالية للنظام».
ويؤكد القيادي الدمشقي، أن حملات النظام وضعت الهيئة في حالة من الترهل والإنكسار والضعف، بالإضافة إلى الفصائل الجهادية المشاركة معها كأنصار التوحيد وحراس الدين، التي تشتكي من ضعف مقدراتها المالية واللوجستية، وشح في التمويل والتسليح واستنزاف خبرات كوادرها العسكرية أو تهميشها تبعاً لحسابات فصائلية أو خلافات قديمة مع الهيئة، على الرغم من انتماء هذه الفصائل لنفس المدرسة الجهادية «تنظيم الدولة»، الذي صمد وحوصر وقاتل حتى الرمق الأخير مستنزفاً أعداءه. مؤكدا أن الهيئة إذا ما أرادت البقاء فعليها تغيير التكتيك وإعادة هيكلة صفوفها عسكريا وإداريا وتنظيميا، حيث أنها تتحمل العبء الأكبر من المسؤولية، عما جرى لتفردها بالساحة، واجتثاثها العديد من الفصائل، وتفردها في الاستحواذ على موارد ومعابر (المحرر)».
ويرى القيادي العسكري في المعارضة السورية الأسيف عبد الرحمن، أن أسباب انهيار الفصائل يعود إلى عدم الاستعداد بشكل جيد، فقد كان هناك أخطاء في التكتيك العسكري، وهذا الانكسار لم يسلم منه أحد حتى تنظيم الدولة، التي خسرت في أقل من سنة، وفقدت مساحات أكبر من حجم بريطانيا، فمثلا سقطت الفلوجة بسرعة كبيرة، فقط صمدت في الباغوز.
ويقول القيادي في حديث لـ»القدس العربي»: إن الكبينة مثلا صمدت أكثر من غيرها ولازالت صامدة، فموضوع الصمود يعود إلى الطبيعة الجغرافية، فبعض المناطق تصمد أكثر بسبب طبيعتها الجبلية مثلا، موضحا أن «تحرير الشام تتحمل المسؤولية الأكبر لأنها تصدرت المشهد،وصورت نفسها على أنها درع وحصن لمنطقة إدلب، فهي من حملت نفسها هذا الأمر، وليست هي الوحيدة التي تتحمل هذا، لكنها تلام أكثر من غيرها».
وفي هذا السياق، يعتبر الصحافي محمد قيس، أن تحرير الشام اليوم لا تشبه «جبهة النصرة سابقاً، فهي تنظيم أمني بحت، واعتمدت قيادة الهيئة على المؤسسة الأمنية ودعمتها وقوتها على حساب باقي المؤسسات».
ويقول الصحافي لـ»القدس العربي»: إن «معظم عناصر أنصار التوحيد وحراس الدين من أبناء المدرسة الجهادية، وهم أصحاب عقيدة راسخة وبأس شديد في القتال، وهذا هو الفرق الأساسي بينهم وبين هيئة تحرير الشام الآن، ولا يمكن مقارنتهم بتحرير الشام، فهم على ضعف تسليحهم ومواردهم صمدوا أكثر من تحرير الشام» مستبعداً أن تستعيد تحرير الشام قوتها، فهي الآن تضعف أكثر لعدة أسباب، أهمها خسارة الحاضنة الشعبية». وحسب الصحافي قيس، تتحمل الهيئة المسؤولية عن كل ما حدث، لأنها قاتلت الفصائل وسلبتها سلاحها.
ويضيف، «تحرير الشام أعلنت عن نفسها أنها السلطة الوحيدة في ادلب، وشكلت حكومة تابعة لها وجبت الضرائب وفرضت رؤيتها على الساحة بشكل كامل، وأقصت واعتقلت كل من يعارضها، بالإضافة إلى أنها حجة روسيا في الأعمال العسكرية بوصفها إرهابية، حسب اتفاق سوتشي».
ويرفض القيادي العسكري في «تحرير الشام» الملقب بـ»أبو سليمان الحمصي»، الاتهامات التي توجه لفصيله حول عدم مقاومتها وانهيارها السريع أمام النظام، معللاً ذلك بأنه تصفية حسابات من «خصوم الهيئة الذين يشنون عليها حرباً إعلامية لتشويه صورتها»، حسب القيادي.
ويقول القيادي في حديث لـ» القدس العربي»: «تحرير الشام هي التي تغطي كل نقاط الرباط، وغطت جبهات الدفاع ضد النظام بنسبة 80%، وقدمت مئات القتلى في عمليات الصد ضده، وسبب خسائر المناطق لا يعود إليها بل إلى عوامل عسكرية، من قبيل كثافة النيران ومشاركة روسيا وإيران بشكل فعال، وعدم وجود توازن بين الثوار والنظام بالسلاح، فهو تقاتل معه دول، ولديه أسلحة متطورة، فيما أن الثوار لا يمتلكون سوى البندقية».
ويرى الصحافي أحمد حسن، أن الهيئة لم تنكسر في إدلب بل على العكس تماماً، الهيئة احتاطت لعدم استنزاف قوتها في مناطق مكشوفة. ويضيف في حديث لـ»القدس العربي»: إن المعركة الحـقيقة لم تـأتِ بـعد، وهذا سبب عدم استنزاف المعارضة وكذلك الهيئة لسلاحها وعتادها حتى على صـعيد الأفراد، فالخسائر لا تقارن مع خسائر النظام، والفصائل الجهادية عدا تحرير الشام لا تملك العدد، ولا يشكلون إلا حوالي 1500 مقاتل من غير السوريين، وربما أيضاً وصلت لهم مؤشرات استهداف دولي، فقـرروا التحـرك بحـذر حتى توضـح كامل الصورة في الشمال السوري. متوقعاً أن يكون هناك هيكلة شاملة للهيئة مع خروج كل العناصر الأجنبية منها.
كما أكد أن تحرير الشام تتحمل مسؤولية معظم ما حصل في الريف الغربي وخط الأوتوستراد الدولي، من انهيارات.
المصدر: القدس العربي