بخلاف الصمت الذي يلزمه النظام على المستوى الرسمي، إلى الآن، في مواجهة الحراك الثوري الجديد، بدأ ضاربون بسيفه هجومهم التمهيدي المعتاد، في مسعى لخلق رأي عام مضاد، في نوع من تحضير المشهد للمواجهة العنيفة. كان تاجر المخدرات وسيم الأسد سبّاقاً في هذا الإطار حين وجّه كلامه للمى عباس، من غير أن يسميها، وللبيئة الموالية التي تنتمي إليها، فحمّلهم واجب الامتنان للنظام الذي أخرجهم من الفقر إلى البحبوحة، بدلاً من الهجوم عليه في هذه الظروف الصعبة، وطلب منهم أن يزرعوا الأرض ليأكلوا، وأن يعملوا على تحرير حقول النفط من الاحتلال الأمريكي للمساهمة العملية في حل الأزمة الاقتصادية.
أما بشار الأسد نفسه فقد ضمّن مقابلته على محطة سكاي نيوز عربية تهديداً جدياً حين قال إنه لو عاد به الزمن إلى العام 2011، لكرر سياسة المواجهة العنيفة نفسها التي اتبعها حينذاك.
غير أن بعض الأصوات الجديدة من المدافعين عن النظام تجاوزت منطق وسيم الأسد إلى لغة يمكن وصفها بـ«لاوعي النظام» لشدة بذاءتها، ولأن النظام لا يستطيع الجهر بها، فيوكلها لهؤلاء. كان أبرزهم رئبال الهادي الذي هدد بمواجهة علم الحدود الخمسة بعلم العلويين، بعدما هاجم متظاهري السويداء بأقذع الشتائم، ساخراً من مطالبتهم بتنحية الأسد: «تريد إسقاط الأسد؟ 200 دولة فشلت في إسقاطه! أنتم لا شيء، أنتم صفر». في وقت لاحق سيبث الهادي مقطع فيديو جديد «يوضح» فيه كلامه الذي «اجتزأته «قنوات الفتنة» حسب تعبيره. من المحتمل أن يداً خفية شدت أذنه بسبب تهديده برفع العلم العلوي، لأن «الصواب السياسي» لنظام الأسد يتعارض مع هذا الكلام الخارج مباشرةً من لاوعيه الطائفي.
من المحتمل أن وسيم الأسد تعرض بدوره لتوبيخ مماثل حين دعا على صفحته على فيسبوك إلى تنظيم مظاهرات مليونية دعماً للنظام، لسبب مختلف هذه المرة. فالنظام الذي قرأ انتشار رقعة التذمر في البيئة الموالية، وبخاصة في مدن الساحل، يخشى أن تؤدي مليونيات التأييد إلى نتائج عكسية، إما بامتناع واسع عن المشاركة، أو ما هو أسوأ: أن ترتفع من حناجر المشاركين، أو بعضهم، هتافات مناهضة له. هذا ما قد يفسر حذف وسيم الأسد لمنشوره المشار إليه. وبدلاً من المليونية التي دعا إليها، نظّم موكب سيارات لم يتجاوز عدد السيارات المشاركة فيها العشرين. والأنكى من ذلك أن تلك السيارات الفارهة لا بد أنها استفزت الناس الذين لا يستطيعون التنقل بوسائل المواصلات العامة بسبب ارتفاع أجور الركوب.
هذه الأصوات، على عدوانيتها وبذاءتها، تبقى في خانة الدفاع وتعبر عن عجز النظام عن مواجهة الحراك الثوري بالوسائل المعتادة، وعن ابتكار وسائل جديدة.
لكن الإعلامي اللبناني حسين مرتضى تجاوز هذا الموقف إلى ما هو أخطر: إعطاء إشارة عن نوايا النظام لاستخدام أعمال إرهابية لكسر صمود الحراك واتساعه المطرد. فقد تحدث عن «معلومات» لا يملكها غيره مفادها أن الأمريكيين يستعدون لتخريب التوافق الذي يسعى إليه النظام مع وجهاء السويداء، عن طريق انتحاريين من تنظيم داعش كلفتهم واشنطن بالقيام بعمليات تفجير في المحافظة لإفشال المحادثات بين النظام وممثلي المحافظة الثائرة.
إنها طريقة مجربة ومعروفة، أن يطلق النظام أو حزب الله «تحذيرات» عن مؤامرة غامضة لزرع الرعب في قلوب الناس من جهة، وتمهيداً للقيام بتلك الأعمال الإرهابية بالفعل، ما لم ينفع التخويف في كسر صمود الناس، من جهة ثانية.
في العام 2018 أخلت قوات النظام مواقعها في شرقي السويداء، فتسلل منه عناصر من تنظيم داعش وقتلوا نحو 150 من أهالي قرى المنطقة إضافة إلى عدد أكبر من الجرحى. وكان ذلك رداً من النظام على امتناع أهالي السويداء عن إرسال أبنائهم للالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية، لأنهم لا يريدون أن يقتلوا أو يُقتلوا من أجل النظام. بعد فترة قصيرة استقبل بشار الأسد وفداً من المحافظة ضم شيوخ عقل الطائفة الدرزية، ليقول لهم إن امتناعهم عن إرسال أبنائهم إلى الخدمة العسكرية هو ما أدى إلى سحب قواته لأنه كان في حاجة إليها في مناطق أخرى! لا يمكن للصراحة أن تكون أكثر من ذلك!
في السياق نفسه تحدثت تقارير صحافية عن زيارة قام بها رئيس جهاز أمن الدولة حسام لوقا إلى بيروت، التقى خلالها بحسن نصر الله الذي لم يتأخر في وصم الحراك الثوري في سوريا بأنه «مخطط أمريكي»!
ولكن هل يشكل حراك السويداء خطراً حقيقياً على النظام؟
الواقع أن هذه المحافظة الصغيرة بعدد سكانها الصغير لا تستطيع وحدها أن تهدد النظام بالسقوط. ويمكن للنظام أن يستمر في تجاهل هذا الحراك الثوري إلى حين يتعب الناس ويتوقفون بعد أسابيع قليلة. لكن أثر هذا الحراك، بشعاراته السياسية الجذرية، على السوريين في مناطق أخرى، إضافة إلى إظهاره للنظام بمظهر من يفتقد لشرعية اجتماعية، هو ما يشكل خطراً لا يتحمله النظام، وفي ظل ضغوط عربية ودولية عليه لا تترك له ترف تحمل تمزيق صور الأسد والدوس عليها في السويداء، تنقلها قنوات تلفزيون ووسائل تواصل اجتماعي كل يوم.
نقطة أخرى لا بد من الإشارة إليها، وهي أن الحراك الثوري الذي هدم كل جدران الخوف ومضى بعيداً في القطيعة التامة مع النظام، إنما اختار لحظة مناسبة هي ما تمنح القوة للمشاركين. المفارقة هي أن بشار الأسد هو من صنع هذه اللحظة من خلال تصريحاته الاستفزازية على محطة سكاي نيوز عربية، فأدرك الناس أن النظام قد شد الخناق على عنقه بركله المبادرة العربية ومسار التطبيع مع تركيا معاً، وإعلانه أنه ماضٍ في سياسته نفسها التي أوصلت البلاد إلى هذا الخراب، غير عابئ بمعاناة الناس الواقعين تحت حكمه، ولا يخشى مصيراً مشابهاً لمصير معمر القذافي أو صدام حسين. مع أنه اعترف في المقابلة نفسها أن دولته ضعيفة.
المصدر: القدس العربي