الرأسمالية في أزمة. كانت هذه، حتى وقت قريب، قناعة اليسار. لكنها اكتسبت اليوم جاذبية عبر كامل الطيف السياسي في الاقتصادات المتقدمة. أصبح الاقتصاديون وصانعو السياسة والناس العاديون يرون على نحو متزايد أن الليبرالية الجديدة neoliberalism -العقيدة المبنية على الإيمان بالأسواق الحرة وإلغاء القيود والحكومة الصغيرة، والتي هيمنت على المجتمعات على مدار الأعوام الأربعين الماضية- قد بلغت حدها الأقصى.
كانت هذه الأزمة قيد الاختمار منذ فترة طويلة، لكنها أصبحت تحت تركيز حاد في أعقاب الانهيار المالي العالمي في 2007-2008 والركود العالمي الذي أعقبه. في البلدان المتقدمة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، توقف النمو الاقتصادي على مدى العقد الماضي عن إفادة معظم الناس. وفي نهاية العام 2017، كان نمو الأجور الاسمي فدى أعضاء منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نصف ما كان عليه قبل عقد من الزمن. ويُقدر أن أكثر من شخص من بين كل ثلاثة أشخاص في بلدان منظمة التعاون والتنمية معرضون للخطر اقتصادياً، بمعنى أنهم أصبحوا يفتقرون إلى الوسائل للحفاظ على مستوى معيشي عند حد الفقر أو أعلى منه لثلاثة أشهر على الأقل. وفي الوقت نفسه، أصبح التفاوت في الدخل في تلك البلدان أعلى من أي وقت مضى في نصف القرن الماضي؛ حيث تحتفظ أغنى عشرة في المائة من البلدان بما يقرب من نصف إجمالي الثروة، بينما تحتفظ نسبة الـ40 في المائة الدنيا بثلاثة في المائة منها فقط.
كثيراً ما يشير المدافعون عن الليبرالية الجديدة إلى أنه على الرغم من أن عقوداً من الركود في الأجور وتركيز الثروة أدت إلى تضخم اللامساواة في البلدان المتقدمة، فقد شهدت هذه الفترة الزمنية نفسها زيادة هائلة في الرخاء على نطاق عالمي. وهم يجادلون بأن أكثر من مليار شخص قد خرجوا من براثن الفقر المدقع بسبب التقدم التكنولوجي والاستثمارات والازدهار، والتي أصبحت كلها ممكنة بفضل انتشار الأسواق الحرة. ومع ذلك، تفشل هذه الحجة في احتساب الدور الحاسم الذي لعبته الحكومات في هذا التغيير من خلال توفير التعليم والرعاية الصحية والعمالة. ويمكن القول إن مثل هذه التدخلات الحكومية كانت حاسمة وبمثابة اليد الخفية للسوق في رفع مستويات المعيشة. ويتجاهل هذا الدفاع أيضاً حقيقة أنه على الرغم من المكاسب الكثيرة التي تحققت مع الازدهار، فإن التركيز الهائل للثروة وعدم المساواة المذهل ما يزالان هما اللذان يشكلان الاقتصاد العالمي: يمتلك أقل من واحد في المائة من سكان العالم 46 في المائة من ثروة العالم، ويمتلك أفقر 70 في المائة أقل من 3 في المائة منها.
لطالما كانت اللامساواة من سمات المجتمعات الرأسمالية، وكان الناس على استعداد للتسامح معها طالما شعروا بأن نوعية حياتهم تتحسن، وأن فرصهم تزداد، وأن أولادهم يستطيعون أن يتوقعوا أن يُبلوا أحسن منهم بكثير -أي، طالما كانت جميع القوارب المجازية عائمة. وعندما كف هذا عن الحدوث في العقود الأخيرة، غذى هذا الواقع تصوراً متنامياً بأن النظام غير عادل ولا يعمل لصالح غالبية الناس. وأدى الإحباط المتصاعد إلى المطالبة بالتغيير -بما في ذلك صعود قابلية جديدة للمُثل الاشتراكية التي تم تهميشها لفترة طويلة، أو حتى اعتبارها من المحرمات.
في المملكة المتحدة، على سبيل المثال، قال 53 في المائة من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع مؤخراً إنهم يعتقدون أن الاقتصاد أصبح أقل عدالة خلال العقد الماضي. وقال 83 في المائة إنهم شعروا بأن الاقتصاد عمل جيداً لصالح الأثرياء، لكن 10 في المائة فقط قالوا إنه عمل لصالح الأشخاص الذين ولدوا في أسر فقيرة. وأصبحت أفكار مثل استعادة الملكية العامة للمرافق الأساسية التي تمت خصخصتها في العقود الأخيرة، مثل السكك الحديدية والخدمات الكهربائية وشركات المياه، تكتسب زخماً، حيث دعم أكثر من 75 في المائة من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع اتخاذ مثل هذه الخطوة. وفي الأثناء، في الولايات المتحدة، وجد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “غالوب” في العام 2018 أنه من بين الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عامًا، حصلت الاشتراكية على نسبة تأييد أعلى (51 بالمائة) من الرأسمالية (45 بالمائة). وأشار استطلاع “غالوب” إلى أن “هذا يسجل انخفاضاً بنسبة 12 نقطة في نظرة الشباب الإيجابية تجاه الرأسمالية في العامين الماضيين وحدهما”، وأنه “سجل تغيراً ملحوظاً عن العام 2010، عندما نظر 68 في المائة إليها بإيجابية”.
مع ذلك، لن يكون مجرد إحياء الأجندة الديمقراطية الاجتماعية لحقبة ما بعد الحرب كافياً. فمن ناحية، يتعارض تركيز تلك الفترة على السلطة المركزية وملكية الدولة مع الطلب واسع النطاق في الاقتصادات المتقدمة على مزيد من السيطرة المحلية والجماعية على الموارد. وربما يكون الأهم من ذلك هو الحاجة إلى مواجهة تحدٍ لم يكن حاضراً أمام نماذج الديمقراطية الاجتماعية لما بعد الحرب بحيث تأخذه في الاعتبار: التهديد الذي يشكله تغير المناخ والتدهور البيئي المأساوي. فبعد كل شيء، لا تكتفي الليبرالية الجديدة بمجرد خذلان الناس: إنها تخذل كوكب الأرض أيضاً. وبفضل جزء غير قليل من المستويات الهائلة من الاستهلاك واستخدام الوقود الأحفوري التي يتطلبها نموذج اقتصادي يعطي الأولوية للنمو قبل كل شيء، أصبح تغير المناخ يعرض الآن مستقبل الوجود الإنساني نفسه للخطر. وفي العام الماضي، خلصت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ إلى أن لدى العالم بالكاد أكثر من عقد من الزمن لخفض انبعاثات الكربون إلى النصف، إذا كانت البشرية لتنال أي فرصة للحد من الزيادة في متوسط درجات الحرارة في العالم إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة -وهي نقطة ستكون الأضرار التي تلحق بالنظم البشرية والطبيعية بعدها مدمرة ولا رجعة فيها إلى حد كبير.
تماماً مثل الانهيار الاقتصادي الذي جعل نوعية حياة الناس تتآكل بدأب، فإن التراجع البيئي متأصل في أزمة الرأسمالية. ويمكن مواجهة كلا التحديين من خلال تبني نموذج اقتصادي بديل، والذي يستجيب لجوع طويل إلى إجراء إصلاح حقيقي عن طريق تكييف المثل الاشتراكية مع الحقبة المعاصرة. ويجب أن يعطي نموذج اقتصادي جديد الأولوية لبيئة طبيعية مزدهرة وصحية. ويجب أن يقدم تحسينات في الرفاه وأن يضمن حياة كريمة لجميع المواطنين. ويجب أن تبنيه الأعمال التي تخطط على المدى الطويل، وتسعى إلى خدمة غرض اجتماعي يتجاوز مجرد زيادة الأرباح وقيمة المساهمين، والتي تلتزم بمنح صوت لعمالها. ومن شأن النموذج الجديد أن يمكّن الناس ويمنحهم حصة أكبر من الاقتصاد من خلال تأسيس ملكية مشتركة للسلع العامة والبنية التحتية الأساسية، وعن طريق تشجيع الملكية التعاونية والمشتركة للمؤسسات الخاصة التي تدار محليا. وهذا يستدعي دولة نشطة، وإنما غير مركزية، والتي تنقل السلطة إلى مستوى المجتمعات المحلية وتمكن الناس من العمل بشكل جماعي لتحسين حياتهم.
عقد اجتماعي جديد
تقدم المملكة المتحدة حالة دراسة مثيرة للاهتمام حول الكيفية التي تعرض أزمة الرأسمالية نفسها بها. هناك، كما هو الحال في الولايات المتحدة، أمضت حكومات يمين الوسط ويسار الوسط على حد سواء عقودا في اتباع وصفة نيوليبرالية للتخفيضات الضريبية، وتخفيض مزايا الرعاية الاجتماعية، وإلغاء القيود التنظيمية -بطريقة أكثر حماساً بكثير من معظم الدول الأوروبية الأخرى التي تتمتع بتقاليد ومؤسسات ديمقراطية اجتماعية أقوى وأعرق. ونتيجة لذلك، كان الانهيار النيوليبرالي مؤلما بشكل خاص في المملكة المتحدة؛ حيث أصبح الناس اليوم في المتوسط أكثر فقراً مما كانوا عليه في العام 2008، بالمعادلة مع مستوى ارتفاع الأسعار. وقد أصبحت ديون الأسر البريطانية أعلى مما كانت عليه قبل الأزمة المالية؛ حيث يقترض المزيد من الناس لمجرد تدبر أمورهم، ويعيش 14.3 مليون شخص في فقر.
بالنسبة للعديد من البريطانيين، كان استفتاء العام 2016 حول مغادرة الاتحاد الأوروبي بمثابة منفذ لتنفيس سخطهم من نظام فاشل. وكان التصويت لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بمثابة رسالة واضحة من المجتمعات التي تتعرض للضغط، والتي تفيد بأن الوضع الراهن بحاجة إلى التغيير. والآن، بعد مرور أكثر من ثلاثة أعوام، يستمر هذا القلق في النمو، فاتحاً المجال لمزيد من التغييرات الجذرية في السياسة الداخلية -كما يُشاهَد في تبني حزب العمل لأفكار كان من الممكن اعتبارها في السابق منطوية على مخاطرة مفرطة، مثل إعادة تأميم المرافق والخدمات وتأسيس شركة أدوية تديرها الحكومة.
ولكن، حتى في المملكة المتحدة، تخلفت البرامج السياسية عن مطالبة الجمهور بإحداث تغيير يعتد به. ولا يتعلق ما نحتاجه في الاقتصادات المتقدمة في جميع أنحاء العالم بالتجريب في الحواف، وإنما المطلوب هو إجراء إصلاح شامل للعلاقة بين الدولة، والاقتصاد، والمجتمعات المحلية. وسوف تكون الخطوة الأولى هي “صفقة خضراء جديدة” عالمية: تعبئة هائلة للموارد للتخلص من انبعاثات الكربون، وفي الوقت نفسه توفير ملايين الوظائف ورفع مستويات المعيشة. ويجب أن يكون الهدف هو “صافي صفر” من انبعاثات الكربون في غضون 10 إلى 15 عاماً، وهو ما سيتطلب من الحكومات القيام باستثمارات كبيرة في البنية التحتية الخضراء، مثل مزارع الرياح داخل البلدان وخارجها، وشبكات الطاقة الذكية؛ وفي التكنولوجيات الجديدة مثل احتجاز الكربون وتخزينه؛ وفي تدريب العمال على تطوير المهارات التي سيحتاجون إليها للوظائف التي سيخلقها الاقتصاد الأخضر، مثل تثبيت العزل، وصيانة أنظمة الطاقة المتجددة، وترميم البضائع المستعملة وتجديدها.
سوف يحتاج صانعو السياسة أيضاً إلى إيجاد حوافز للشركات لتقليل استخدامها للكربون، من خلال استبدال الإعانات للوقود الأحفوري بتخفيضات ضريبية عن استخدام مصادر الطاقة المتجددة. وسوف يكون من شأن وضع تعليمات ولوائح جديدة، مثل معايير بناء “صفر كربون” أو كوتات لاستخدام طاقة الوقود الأحفوري، أن يساعد في إلزام الأسواق التي كانت بطيئة في التصرف بالاستجابة لأزمة المناخ. وسوف تحتاج البنوك المركزية إلى تشجيع الأسواق المالية على الافتراق عن الوقود الأحفوري من خلال سياسات توجيه ائتمانية أكثر صرامة، بما في ذلك وضع حد لمبلغ الائتمان الذي يمكن استخدامه لدعم الاستثمار في الأنشطة كثيفة الاستهلاك للكربون وتحديد حصص لمبالغ التمويل التي يجب أن تتدفق إلى استثمار منخفض الكربون.
لإعطاء دفعة للأجور البطيئة، يجب على الحكومات استخدام جميع أدوات الدولة -ضرائب الشركات؛ أنظمة الأجور؛ والإعانات- لتحفيز الشركات أو إجبارها على دفع رواتب عمالها بطريقة عادلة. ولا ينبغي أن تأتي الحصة العادلة من المكافآت من عملهم في شكل أجور أعلى فحسب، وإنما أيضاً في شكل تخفيضات في وقت العمل، مع تحرك نحو أسبوع عمل بمتوسط أربعة أيام، وهو ما يمكن للحكومات تحقيقه من خلال زيادة العطلات الرسمية. وفي الوقت نفسه، يجب تعزيز قدرة العمال على حماية مصالحهم من خلال الطلب من جميع الشركات الاعتراف تلقائياً بنقابات العمال، ومن خلال منح العمال حقوقاً قانونية أقوى في التنظيم والمفاوضة الجماعية والإضراب. ويجب أن يحصل العمال أيضا على ملكية أكبر للمنظمات التي تستخدمهم.
ويتعين على الحكومات الأمر بإنشاء صناديق مُلكية الموظفين، والتي تقوم بنقل حصة من أرباح الشركة، في شكل حقوق ملكية، إلى صندوق يملكه العمال جماعياً. ومن خلال الصندوق الاستئماني، يحصل العمال على أسهم في الشركة، تماماً مثل أي مساهم. ويمكن أن تأتي هذه الأسهم بحقوق التصويت، والتي تمكّن الموظفين من أن يصبحوا المساهمين المهيمنين في كل مؤسسة بمرور الوقت، مع القدرة على تشكيل اتجاه الشركات التي يعملون فيها. وفي المملكة المتحدة، أصبح عدد متزايد من الشركات، بما في ذلك سلسلة متاجر “جون لويس” وتاجر تجزئة الترفيه المنزلي “ريتشر ساوندز” وشركة الاستشارات “موت ماكدونالد”، يجني الفوائد مسبقاً من وضع الملكية في أيدي العمال: إنتاجية أعلى، واحتفاظ أفضل بالعمال وبمستوى انخراطهم، وأرباح أفضل.
ومع ذلك، يجب أن يذهب أي عقد اجتماعي جديد مع المواطنين إلى ما هو أبعد من مكان العمل، مع الهدف النهائي المتمثل في إنشاء “دولة رفاه”، والتي يكون من شأنها أن توفر للجميع الأساسيات اللازمة لعيش نوعية حياة لائقة. وهذا يتطلب زيادة الاستثمار في العناصر الأساسية في دولة الرفاهية، والتي تم إضعافها في ظل الحكومات النيوليبرالية، مثل ضمان حصول الجميع على رعاية صحية وتعليم عالٍ بجودة عالية. لكن النهج الجديد سيتجاوز تلك العناصر المألوفة من خلال توفير إمكانية وصول شاملة إلى رعاية الأطفال، والنقل العام، وحماية الحد الأدنى من الدخل -أي تحقيق حد أدنى لا يمكن أن ينخفض عنه دخل أي شخص بغض النظر عما إذا كان يعمل أم لا. ويجب تمويل هذه التوسعات في دولة الرفاهية من خلال فرض ضرائب تدريجية يكون من شأنها أن تزيد العبء الضريبي على أولئك الأكثر قدرة على تحمله، عن طريق زيادة أعلى معدلات ضرائب الدخل والشركات وضريبة الثروة، مثل الأرباح الرأسمالية، على المستوى نفسه كدخل.
السلطة للشعب
ومع ذلك، لن تكون السياسات من أعلى إلى أسفل كافية لتحفيز نوع التحول الذي يجب أن يحدث في البلدان المتقدمة من أجل التخلص حقاً من الركود والليبرالية الجديدة. ويجب أن تصبح هذه المجتمعات أكثر ديمقراطية، مع توزيع السلطة والموارد على الحكومات الإقليمية والمحلية، لتكون أقرب إلى الناس في المجتمعات التي تخدمها. وهذه إحدى الطرق الحاسمة التي تختلف بها مثل هذه الأجندة الاقتصادية الجديدة عن الاشتراكية الأكثر تقليدية، التي كانت تميل إلى تفضيل السلطة المركزية وملكية الدولة. وعلى سبيل المثال، بدلاً من الاعتماد على الحكومات الفيدرالية أو الحكومات الإقليمية للحصول على الضروريات اليومية، مثل الطاقة والسكن الميسور والنقل العام، يجب على البلديات إنشاء شركات مملوكة للمقيمين والتي يكونون مسؤولين عنها لتوفير هذه الخدمات.
يقدم إقليم الباسك، في إسبانيا، أحد الأمثلة على ما قد يبدو عليه اقتصاد أكثر ديمقراطية. هناك، كبرت شركة موندراغون Mondragon Corporation، التي أنشأها خريجو إحدى الكليات التقنية في العام 1956 لتوفير فرص العمل من خلال التعاونيات العمالية، لتصبح واحدة من أكبر عشر مجموعات أعمال ورابع أكبر صاحب عمل في إسبانيا، مع مئات الشركات والشركات الفرعية المختلفة وأكثر من 75.000 عامل. وتعمل التعاونيات في مجموعة متنوعة من القطاعات، بما في ذلك الخدمات المصرفية والسلع الاستهلاكية والهندسة. ولم يتم إنشاؤها لجني الأرباح فحسب، وإنما أيضاً لتحقيق هدف اجتماعي أو بيئي محدد. ويملكها ويديرها الأشخاص الذين يعملون لها بدلاً من المستثمرين الخارجيين، وتضمن هياكل الحوكمة فيها أن تكون للأعضاء حصة في المنظمات وحصة في الثروة التي تخلقها.
كما تقدم صناديق أراضي المجتمع في المملكة المتحدة مثالاً آخر. هناك، توفر “غرانبي فور ستريتس” في ليفربول، و”لندن كوميونيتي تراست”، ومقاطعة “مايل إند” مساكن بأسعار معقولة لمجتمعاتها المحلية، عن طريق شراء الأراضي من القطاع الخاص وضمها إلى ملكية المجتمع. ويقوم الصندوق ببناء منازل بأسعار معقولة ويقوم ببيعها وتأجيرها للسكان المحليين بأسعار مخفضة. ويمنع إقفال مفروض على الأصول إعادة بيع الأرض، مما يضمن أن تظل أثمان وإيجارات المنازل في المتناول.
سوف تكون مثل هذه التجارب من أسفل إلى أعلى ضرورية لنجاح نموذج اقتصادي جديد. ولكي تزدهر هذه التجارب، يجب على الشخصيات السياسية المؤثرة التي تتماهى مع التقاليد الاشتراكية -أشخاص مثل ألكساندريا أوساسيو كورتيز وبيرني ساندرز في الولايات المتحدة، وجيريمي كوربين في المملكة المتحدة- استخدام برامجهم لجذب الانتباه إلى الناشطين على المستوى المحلي والمنظمات التي تعمل على خلق اقتصاد أكثر ديمقراطية. وفي الوقت نفسه، سوف ينطوي مثل هذا الترتيب على قدر من الصبر: سوف يلزم الوقت حتى ينتج مثل هذا التفكير الجديد التغييرات الواسعة اللازمة. ولكن، يجب أن يكون لهذا الصبر حد أيضاً: عندما يتعلق الأمر بإصلاح الضرر الذي أحدثته الليبرالية الجديدة، فإن الوقت ينفد حقاً.
المصدر: (فورين أفيرز) الغد الأردنية