يسيطر جمود واضح حالياً على محادثات تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، الذي اتخذ مساراً رباعياً ضم أيضاً إيران إلى جانب روسيا التي انطلقت المحادثات بدفع ورعاية منها.
وباستثناء بعض التصريحات التي تصدر من هذا الطرف أو ذاك بشأن الاستمرار في محادثات التطبيع، بدا أن هناك جموداً حقيقياً بعد آخر اجتماعات بين الأطراف الأربعة (سوريا وتركيا وروسيا وإيران) على مستوى نواب وزراء الخارجية على هامش اجتماعات الدورة الـ20 لمسار آستانة التي عقدت في كازاخستان يومي 20 و21 يونيو (حزيران) الماضي.
وبالتزامن مع اجتماعات آستانة اندلعت موجة تصعيد جديدة على محاور التماس بين القوات التركية وفصائل ما يعرف بـ«الجيش الوطني» السوري و«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) التي تشكل «وحدات حماية الشعب» الكردية عمودها الفقري، تتصاعد أحياناً وتتراجع أخرى.
ووجهت تركيا العديد من الرسائل بشأن رفضها مطالبة دمشق بانسحاب قواتها من شمال سوريا. وأكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الأسبوع الماضي، عدم وجود عوائق أمام لقائه الرئيس السوري بشار الأسد في «حال نجاحه في مكافحة التنظيمات الإرهابية على حدود تركيا»، في إشارة إلى القوات الكردية التي تسيطر على مناطق واسعة قرب الحدود التركية.
وتقول تركيا إن الأسد غير قادر حالياً على ضمان أمن الحدود التركية، ولذلك فإنه لا يمكن الحديث عن انسحاب قواتها في الوقت الراهن، وإن هذه الخطوة قد تتحقق بعد تحقيق الحل السياسي واستقرار الأوضاع في سوريا.
وربط رئيس دائرة الاتصالات في رئاسة الجمهورية التركية فخر الدين ألطون، في تصريحات الأحد، إحراز تقدم في التعامل مع حكومة الرئيس السوري بشار الأسد بتحقيق نتائج ملموسة في «مكافحة الإرهاب». وعدّ ذلك «أمراً حتمياً» لإحراز تقدم في المحادثات. وذكر ألطون أن قوات «قسد» تشكّل «خطراً وجودياً» على أمن تركيا القومي، وأن أنقرة تتوقع أن تتصرف الحكومة السورية بما يتفق مع الحقائق على الأرض.
ولفت المسؤول التركي إلى أن أنقرة انخرطت في المحادثات الرباعية مع دمشق دون شروط مسبقة وبحسن نية، وأن على الجانب الآخر التصرف بالطريقة نفسها حتى تؤدي هذه العملية إلى نتيجة. وأضاف أنه «مع ذلك، لا بد من التأكيد على أن كلا البلدين في المرحلة الأولى لتحديد كيفية تقدم العلاقات الثنائية». وشدد على أن الإصرار على انسحاب القوات التركية من سوريا في هذه المرحلة «لا معنى له»، عاداً أن وجودها هناك هو «ضمانة لسلامة أراضي سوريا». وأضاف أنه إلى جانب مكافحة الإرهاب، فإن تهيئة الظروف اللازمة للعودة الطوعية والآمنة والكريمة للاجئين السوريين، وتنشيط العملية السياسية التي «عرقلتها» دمشق، لا تزال من بين الأولويات الرئيسية لأنقرة في سوريا.
شروط تركية
وكانت تركيا طرحت 4 شروط على الوفد السوري في الاجتماعات الرباعية في آستانة التي بحثت خريطة طريق روسية للتطبيع بين أنقرة ودمشق، رأتها ضرورية لبناء الثقة بين الجانبين. وتضمنت الشروط مكافحة التنظيمات الإرهابية، حيث طرح الجانب التركي تأسيس آلية تنسيق عسكرية رباعية من أطراف المحادثات للقيام بعمليات مشتركة ضد مواقع الإرهابيين، وتقديم ضمانات مكتوبة بشأن العودة الآمنة للاجئين السوريين، حيث اقترح الوفد التركي عودة السوريين إلى مناطق آمنة، يتم إنشاؤها لهم أولاً، ومن ثم يمكنهم العودة لاحقاً إلى مناطقهم الأصلية. ويتعلق الشرط الثالث بالعملية السياسية وإدارتها بطريقة صحيحة، وصياغة دستور جديد، فيما يشدد الشرط الرابع على «إجراء انتخابات عامة بمشاركة جميع السوريين في أنحاء العالم، وتشكيل حكومة شرعية وفق نتائج هذه الانتخابات».
ولا يبدو أن الشروط المتعارضة بين أنقرة ودمشق هي وحدها العقبة التي أدت إلى الجمود في مسار محادثات تطبيع العلاقات، لكن الفتور بين تركيا وروسيا، الذي طفا على السطح مؤخراً، بعد تسليم تركيا 5 من قادة «كتيبة أزوف» الأوكرانية لكييف، رغم الاتفاق على بقائهم لديها حتى انتهاء الحرب، وإعطاء تركيا الضوء الأخضر لانضمام السويد إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وتأييدها انضمام أوكرانيا إلى الحلف، ألقى بظلاله على محادثات التطبيع التركية – السورية التي ترعاها روسيا.
المصدر: الشرق الأوسط