أمية الهاشمي روائية سورية، هذا أول عمل نقرؤه لها. تعتمد الرواية صيغة السرد بلغة المتكلم، تارة على لسان نور الشخصية المحورية فيها، وكذلك على لسان بقية الشخصيات في الرواية. كما تعتمد الرواية اسلوب الخطف خلفا السينمائي، حيث تكون بداية الرواية من نهايتها. ثم تعود الرواية لأزمان سابقة مختلفة، تخدم من خلال ذلك الحدث الروائي الذي تريده الكاتبة.
تبدأ الرواية من زمن قادم هو عام ٢٠٣٠م، حيث يُحتفل بذكرى عيد الثورة السورية العشرين التي انطلقت عام ٢٠١١م، الثورة التي انتصر فيها الشعب السوري واسقط النظام المستبد السوري، يحصل ذلك في مشفى المزة العسكري، المشفى التي كانت يوما مسلخا بشريا، وأصبحت الآن مشفا للشعب. ثم ينتقل زمن السرد الروائي الى عام ١٩٩٢م، حيث اجتماع يقوده حافظ الأسد وابنه باسل والقيادات الأمنية للنظام، يطالبهم حافظ الأسد بكشف خيوط ثورة قادمة ضدّه، إنه يعرف ما فعل في ثمانينات القرن الماضي، والمجازر بحق السوريين، خاصة في مدينة حماه، وأن الناس لا بد يعملون للثورة عليه. لا دليل عنده سوى هواجسه، الأجهزة الأمنية تنفي وجود أي عمل، لكن حافظ الأسد يبّوخهم ويأمرهم بالبحث والتقصي.
في ذات السنة تلتقي عائلة دمشقية في اجتماع مصغر بين الأب وأولاده، إنهم يخططون للقيام بثورة على النظام، يظهر أنهم بقايا التنظيم الذي عمل في الثمانينات ضد النظام، متجاوزين فيها أخطاء حراك ثمانينات القرن الماضي، يعملون أولا لاستبعاد النساء من حياتهم، لكي لا يكونوا مصدر ضعف لهم في حال كشفهم والتحقيق معهم، الأم استبعدت للأردن، والإبنة نور ابنة العشرين عاما، أرسلت إلى فرنسا إلى حيث عمها هناك للدراسة. بعد ذلك حصل اجتماع كبير من كل مكونات الشعب السوري، عرب وكرد ومسيحيين ودروز، في شروط أمنية مضبوطة، و تناقشوا في أخطاء حراك الثمانينات، وكيفية تجاوز أخطاء تلك المرحلة، وبدء العمل كل حيث هو للتجهيز للثورة القادمة. محمد وعدنان وعمار أبناء العائلة التي تقود العمل للثورة. عمار يدرس في كلية الهندسة، شاب وسيم غني لفت نظر زميلته سعاد العلوية ابنة الساحل، فكرت أن تتعرف عليه وأن تجعله يحبها وتتزوجه إن أمكن وتعيش حياة الغنى والبذخ. تقربت منه، حصل بينهما اهتمام متبادل، وذهبت الى منزله سرا، لكي تراوده عن نفسه وتكسبه. وافق ذلك اجتماعا للناشطين الثوريين للتنسيق، عرفت سعاد بالمخطط والمخططين. نقلت المعلومات كاملة للأمن، الذي اعتقل الكل وبدأ التحقيق معهم، لم يعترف أحد بأي معلومة، تدخل باسل الأسد بالتحقيق، ولم تتغير النتيجة، فكّر بحل، يعلم أن العرض والشرف أهم شيء عند السوريين، علم أن للعائلة ابنة تدرس في فرنسا، هي نور، استطاع بالحيلة والتخويف إرجاعها الى سورية، وأعاد التحقيق مع اخوتها ووالدها ثانية، انهاروا خوفا على نور من تهديده باغتصابها، اعترفوا بكل شيء، وتم وأد العمل الثوري واجهاضه. كما لم تسلم نور من إغتصاب باسل الأسد لها، ولا قتل والدها وأخوتها جميعا. اعيدت الى فرنسا، بعد تهديد السلطات الفرنسية للنظام، و ذلك لتكمل دراستها عند عمها هناك. يلاحق باسل الأسد نور عن طريق فتاة علوية مخبرة له ليعلم أي معلومة عنها، حول حمل محتمل، أو التحدث عن ما حصل معها. لتجد المخبرة أن نور قد تركت الدراسة وأنها تذهب الى عيادة نفسية للعلاج. تعود المخبرة لسورية تخبر باسل بالمعلومات، يقتلها ويغلق ملف نور.
أما ما يحصل مع نور بعد ذلك فقد علم عمها والتنظيم من ورائه، أنها أُغتصبت من باسل الأسد، وأن هذا سبب صدمتها النفسية، وأنها حامل منه، تبين أنه ذكر. قرر التنظيم أن يعتني بنور وحملها ومولودها، وأن يكون ذلك المولود وسيلتهم مستقبلا للقضاء على نظام حافظ الأسد وعائلته. تم نقل نور إلى كندا حيث وضعت مولودها عام ١٩٩٣م بعد مضي سنة من عودتها لسورية. جاء المولود ذكرا. وضع امام أحد الجوامع على أنه لقيط، مع ورقة تحدد اسمه قتيبة، تتبناه إحدى العائلات الكردية السورية، وينشأ أخا لإبنهم هوزان. كانت العائلة من التنظيم، وتحت الرعاية الكاملة. نشأ قتيبة و هوزان سوية كأخوة، في عام ٢٠١٢م دخل هوزان كلية الطب، وأجبر قتيبة على دخول كلية الإقتصاد، بعكس أمنيته أن يكون طبيبا. لكن خطط التنظيم ألزمته أن يدرس الإقتصاد. بعد مضي أربع سنوات حصل قتيبة على شهادته الجامعية. شارك قتيبة وهوزان في فعاليات الثورة السورية، التي وصلت أخيرا الى شبه هزيمة كان آخرها سقوط خان شيخون بيد النظام عام ٢٠١٩م.
عاد قتيبة يفكر بمستقبله وأنه يود الزواج من لميس الفتاة التي أحب، لكن أهلها رفضوا ذلك لمعرفتهم أنه لقيط، وكذلك كان حاله مع أي فتاة أراد أن يتقدم لخطبتها. عانى كثيرا من ذلك. عند ذلك قرر التنظيم أن يكشف لقتيبة حقيقة وضعه. حيث وضعوا له هدية أمام بيته، بعض من دم أمه ليعرف أمه نور، ثم يخبرونه بقصته كاملة، وأنه مكلف بالإنتقام من عائلة الأسد والنظام كله وإسقاطه لصالح ثورة الشعب السوري. علم أن والده باسل الأسد، وأن الله انتقم منه وقتل بعد سنة على ولادته عام ١٩٩٤م في حادث سير. تعرف على بقية عائلة أمه، ذهب للعمرة في مكة، والتقى هناك بخاله محمد الناجي من مقتل العائلة، يتحدثان عن المهمة الموكلة إليه، وهي أن يثبت أنه ابن باسل الأسد وذلك عن طريق الحمض النووي لأعمامه بشار وماهر الأسد، وأن يستطيع بعد ذلك الحصول على ماتبقى من مليارات الدولارات التي كانت مودعة في سويسرا باسم باسل الأسد، ولم يستطع أن يحصّلها كلها حافظ الأسد عندما أرسل أمرأة على أنها زوجة باسل واسترد بعضا من المال. قرر التنظيم أن يرسل قتيبة إلى سورية بصفته مستثمرا كنديا يعمل في مجال الأعشاب الطبية، اشترى اراض في منطقة الساحل، وبنى معملين ووظف فيهما حوالي العشرين الفا من العاطلين عن العمل، الشبيحة الذين لم يعودوا يعملون شيئا بعدما استتب الأمر للنظام ومعه الإيرانيين والروس. كانت الخطّة أن يعلم العمال بحقيقته وأنه إبن باسل الأسد وأنه أحق بالسلطة من بشار الأسد. ارتاب النظام منه في البداية ولكنهم قبلوه لأنه مثّل بماله قارب نجاة للنظام. تواصل قتيبة مع سهيل الحسن القائد العسكري ذائع الصيت، وأغراه بالعمل سوية، كما جند الكثير من شبيحة الساحل، وحصلت حرب بين باسل وماهر من جهة، وسهيل وقتيبة من جهة، ادّت إلى إنتصار سهيل وقتيبة، أدّت إلى مقتل بشار وماهر. ثم حصل صراع بين سهيل وقتيبة، قُتل سهيل وانتصر قتيبة، وساعد ذلك على انتصار الثورة السورية.
لقد تم كشف اوراق قتيبة، الذي لم يكن قتيبة بل هو هوزان، و هوزان هو قتيبة. لمزيد من الأمان والحساب الأمني المفرط.
تنتهي الرواية عندما أصبح قتيبة الفارس الفضي، وأمه تبحث له عن فتاة مناسبة كزوجة، اختارتها معتقلة سابقة، لمزيد من الانتماء للثورة.
في تحليلها نقول:
نحن أمام رواية أمنيات وأحلام وآمال بإمتياز، رواية تحاول أن تنسج من الواقع الذي وصلته الثورة السورية بكل تعقيداته، سواء على مستوى الشعب الذي ضحى بالغالي والنفيس، وقدم الشهداء ما يزيد عن المليون إنسان، والمعتقلين والمصابين والمعاقين مثلهم وأكثر، نصف الشعب السوري المشرد داخل سورية وفي بلدان العالم. خسارة الشعب لماله وارضه وجنى عمره. تآمر العالم كله على الشعب السوري وثورته، بالصمت عن فعل النظام وحلفائه من الروس والإيرانيين و المرتزقة الطائفيين. والنتيجة واقع السوريين وحياتهم؛ مأساة على كل المستويات. تحلم الرواية أن تنتصر الثورة من خلال جهد “التنظيم”؛ مشيرة إلى الطليعة المقاتلة الإسلامية أو الإخوان المسلمين أو كليهما معا، طبعا دون تصريح مباشر، على أنهما يريدان متابعة معركة الثمانينات ضد النظام. متجاوزين أخطاء الماضي. منطلقين بثورتهم مع كل الشعب بكل مكوناته، لكنهم يفشلوا، عندما يُكشفوا و يُعتقلوا ويتم القضاء عليهم. تطرح الرواية الحل من خلال الصراع بين طائفة النظام وداعميه وحاضنته العلويين، عبر تخطيط التنظيم. لكن واقع الحال يقول أن الثورة ولدت من الشعب السوري كله، بسبب مظلومية معممة، لا هوية حزبية او عقائدية للثورة، سوى مطالب اسقاط النظام المستبد المجرم وبناء دولة الحرية والكرامة والعدالة والتشاركية السياسية “الديمقراطية”. مع العلم أن بقايا القوى السياسية من إسلاميين و وطنيين ديمقراطيين، كان لهم حضور بنسب مختلفة في الثورة، لكن لا يحق لأحد أن يحتكر الثورة، أو يدعي ملكيتها فهي ثورة الشعب السوري كله أولا وآخرا. لقد أصابت الرواية عندما أومأت إلى ضرورة توحيد جهود كل مكونات الشعب السوري ضد النظام والعمل للتغيير والثورة. ونزيد أن على قوى الثورة أن تعمل لتسترد الطائفة العلوية من أن تكون أداة النظام ضد الشعب السوري وضد نفسها. كل ذلك على قاعدة العدالة والمحاسبة واسترداد حقوق الشعب السوري. وأن الثورة كانت منتصرة لولا التدخل الدولي ضدها. وأن النظام ما زال يعتمد على تحشيد الطائفة العلوية ليحمي نفسه، ويعطي سورية لروسيا وإيران غنائم حرب، المهم استمراره بالسلطة. وزاد الوضع سوءا دعم الأمريكان للإنفصاليين ال ب ك ك. حزب العمال الكردستاني، الذين يريدون اقتطاع جزء من سورية لتشكيل دولتهم الكردية المزعومة. بكل الأحوال يحق للرواية أن تقول ما تشاء، إنها محاولة انتصار للثورة السورية، لكن على طريقتها الخاصة.