يصرّ نظام بشار الأسد على تسريع عجلة التوتر في درعا، ودفع الأمور فيها إلى حافة الهاوية، مراهناً على اختلال ميزان القوّة لصالحه، وإمكانية تحسين وضعه الإقليمي، عبر تشكيل ضغط على إسرائيل والأردن، لذا يعمل حثيثاً على إعادة إخضاع درعا لسلطته المطلقة، مدفوعاً بدعمٍ من إيران التي تسعى إلى تقوية أوراقها التفاوضية في جنوب سورية.
وليست مفهومةً الأسباب التي دفعت روسيا، الضامن لاتفاق المصالحة في درعا، إلى النكوص عن تعهداتها، وترك الفصائل تحت ضغط النظام وحزب الله، وفرْض اتفاق جديد ينص على نشر قوات الفرقة الرابعة، بقيادة ماهر الأسد، على كامل المنطقة الغربية من درعا، والتي تتجاور فيها المناطق السكنية والعمرانية بين سورية والأردن، ولا يفصلهما عن بعضهما في تل شهاب سوى أمتار، وفي حوض اليرموك كيلومتر واحد، وكذا الأمر بالنسبة للجولان المحتل. وكانت روسيا قد تعهدت للأردن وإسرائيل بإبعاد المليشيات الإيرانية مسافة 80 كيلومترا عن حدودهما!
لم يكن أمام اللجان المركزية الممثلة عن القوى المحلية، وفصائل المعارضة الموقعة على اتفاق التسوية في درعا، سوى قبول هذا الاتفاق، تحت ضغط حشود النظام والمليشيات الإيرانية المتواصلة منذ أكثر من شهر، فقد زج نظام الأسد جزءا كبيرا من ماكينته الحربية، وأعدادا كبيرة من عناصره، بل عناصر النخبة العسكرية لديه، بالإضافة إلى فرقة الرضوان (نخبة حزب الله)، ومليشيات إيرانية متنكرة بالزي العسكري لجيش النظام.
وكان من نتيجة اتفاق التسوية الذي رعته روسيا في يونيو/ حزيران 2018 أن الفصائل المقاتلة في حوران سلمت أسلحتها الثقيلة واحتفظت بالأسلحة الخفيفة، على أن تمنع روسيا دخول قوات النظام إلى أجزاء كبيرة من ريف درعا الغربي، وأن يكون الريف الشرقي تحت سيطرة الفيلق الخامس، وتحديداً القوات التي يقودها أحمد العودة، وكانت هذه أهم أسس التسوية التي لولاها لواجه النظام صعوبة بالغة في السيطرة على أجزاء كبيرة من درعا، وخصوصا الجزء الغربي الذي يتصف بتضاريس وعرة. وكانت القوى المدنية والعسكرية في درعا تريد من هذا الاتفاق تحقيق قدر من المشاركة في إدارة الشؤون المدنية، بعيداً عن تسلط الأجهزة التي تسببت أصلاً في حدوث الثورة، وبالتالي لم يكن من السهل، بالنسبة لأهل درعا وشبابها، نسيان الأحداث الأليمة التي جرت لمنطقتهم، وتنكيل النظام بهم سنوات طويلة. وقد عاشت درعا سنوات طويلة بعيداً عن حكم الأجهزة، ما يجعل عودة قبضة نظام الأسد الخانقة أمراً غير مستساغ، خصوصا بعد أن فقد النظام هياكله الأمنية ودعائمه الاجتماعية في المنطقة، وأصبحت العلاقة بينه وبين السكان المحليين متوترة، ويسودها عدم الثقة والشك، كما أن المليشيات الإيرانية الرديفة لقوات الأسد لا تخفي وجودها ضمن هيكلية القوات التي ستسيطر على المنطقة، وهو أمرٌ لن يكون مقبولاً من هذه المجتمعات.
مؤكّدٌ أنه لا الفصائل المعارضة، ولا أفراد المجتمع الأهلي في درعا، يرغبون بعودة الحرب مع النظام، فالمنطقة استنزفت، ودُمِرت البنى التحتية فيها بشكل كبير، وتوقفت عجلة الاقتصاد، ولا تتوفر فيها الخدمات الضرورية، وكثيرون من أبنائها إما لاجئون أو معتقلون، حتى إن بعض قرى حوض اليرموك تكاد تكون خالية من الشباب، بعد أن قتلت الحرب أعدادا كبيرة منهم، ولجأ من نجا من الموت إلى الأردن، أو شق طريقه باتجاه تركيا وأوروبا.
ما يرغب به المجتمع الأهلي في درعا وضع يشبه الموجود في السويداء المجاورة، أي قوى محلية للحماية الذاتية، ومنع أخذ أبنائهم للقتال في جبهات النظام في إدلب وغيرها، وإبعاد إيران عن المجتمع المحلي خارج السويداء، إذ من غير المعقول بعد كل هذه التضحيات العودة إلى منطق ما قبل الثورة، ثم طالما أن نظام الأسد تعايش مع هذا الواقع في السويداء، فلماذا لا يقبله في درعا، أليس في ذلك مصلحة للطرفين؟
ولكن من الصعب قبول نظام الأسد هذه المعادلة في درعا، بالنظر للاختلافات بين درعا والسويداء، دع عنك أن السويداء تقع في صلب أكاذيبه عن حماية الأقليات، بل لأن جغرافية درعا أكثر أهميةً لتلاصقها مع الأردن و”إسرائيل”، ووجود عامل إيراني ودفع من حزب الله لاستعادة السيطرة على هذه المناطق التي تشكل جبهةً واسعةً تمتد من القنيطرة إلى حوض اليرموك قبالة الجولان، وترتبط، من جهة القنيطرة، بالبقاع الغربي عبر طرقٍ وممرّاتٍ كثيرة، وترغب إيران بتقوية وجودها في هذه المنطقة لتشكل ورقة ضغط على إسرائيل وأميركا، من خلال تشكيل مليشيات تابعة لها من بعض شباب المنطقة، عبر إغرائهم بالمال، وضمان أن لا يعتقلهم نظام الأسد.
والأرجح أن الهدف من تخلي روسيا عن تعهداتها في درعا، وفسح المجال لقوات الأسد وحلفائه الإيرانيين للتمدد في المنطقة، استنزاف القوات الإيرانية عبر القصف الإسرائيلي الذي وصل إلى قرى حوض اليرموك بداية يونيو/ حزيران الجاري، نتيجة وصول قوات من حزب الله إلى معسكرات النظام في هذه المنطقة، ما يعني أن المنطقة ستعيش تحت القصف الإسرائيلي من الجو، وتنكيل المليشيات الإيرانية وأجهزة الأسد على الأرض بالسكان المحليين.
ولكن في درعا، وتحديداً في جزئها الغربي، ينتشر السلاح بكثافة، وهناك عناصر كثيرة مدرّبة وخاضت معارك عديدة، وقد لا تحصل حرب كلاسيكية ومواجهات مباشرة بين الطرفين، نظراً إلى اختلال ميزان القوى. ولكن في المقابل، يوجد في هذه المناطق مطلوبون كثر لأجهزة النظام، ويعرفون أن مصيرهم الموت إذا سلموا أنفسهم، لذا سيجدون أنفسهم أمام خيار وحيد، تشكيل خلايا مقاومة لضرب النظام وإضعافه للدفاع عن وجودهم.
المصدر: العربي الجديد