قراءة في رواية: وادي الشمس || مذكرة العنقاء

أحمد العربي

بسام المسلّم روائي كويتي متميز، هذه روايته الاولى، له مجموعتان قصصيتان نشرتا سابقا، الرواية تبشر بموهبة صاعدة، سيكون لها بصمة في الرواية العربية.

تبدأ الرواية من أسرة كويتية، وتتحدث عن مسارات حياة هذه الأسرة، الأب الذي ترك وظيفته حيث يعمل، ومن ثم تفرغ للكتابة الروائية، وبما أنه لم يجد التجاوب الكافي لإنتاجه في الكويت ومحيطه، هاجر نهائيا إلى بريطانيا ، حيث أصبح يكتب الرواية ، وتعاون مع مترجم مصري يترجم كتاباته الى الانكليزية، وتنشر هناك، حملت روح الشرق وحكايته،  لاقت رواجا. الابن الأكبر فواز ترك عمله الصحفي بشكل مفاجئ، وغادر إلى سورية حيث الثورة والصراع بين النظام المستبد، ملتحقا بالمجموعات المسلحة التي تقاومه، بكل تنوعاتها، وانقطعت أخباره، بقي من العائلة في البيت الام وأختها المعمّرة، لكنها مازالت طفلة في قدراتها العقلية، وتوجد خادمتهم الهندية، والابن الأصغر عبد القادر الذي يبحث عن عمل وينتظر دوره. اتصل أحدهم بعبد القادر وأخبره ان لديه أمانة باسمه، من اخوه فواز، تلهف عبد القادر ليسمع أخبارا عن أخيه المتغيب منذ فترة زمنية، ما قدمه له المتصل هو مغلف يحوي دفترا كتب عليه عنوانه، حيث وجدته مجموعة إغاثة كانت تتوجه إلى مخيم الزعتري للاجئين السوريين، على الحدود الصحراوية الأردنية السورية، حيث وجدوه بجوار رجلا وامرأة متوفين في الصحراء. بدأ عبد القادر بالاطلاع على محتوى الدفتر، تبين أنه مذكرات على شكل يوميات بمحطات متفرقة يتحدث بها اخوه فواز عن ما حصل معه، فواز الشاب الكويتي الذي حصل على الشهادة الجامعية من الكويت، وابتعث  إلى الولايات المتحدة الأمريكية، كان في أريزونا، وادي الشمس، عاش في أمريكا علاقة مفتوحة مع فتاة احبها، وأخبر أخاه بأنه سيحضرها معه إلى الكويت ويعرفها على والدته والعائلة، وعلى أجواء الكويت، فهو يحبها ويفكر بالزواج منها، لكن ذلك لم يحصل، فقد توفيت مع صديقه مشعل، حيث كان وصديقه وصاحبته وصاحبة صديقة، قد خرجا من ملهى وهم في حالة سكر ، وركب مشعل دراجته النارية، ووراءه صاحبة فواز، وفي دقائق حصلت حادثة أدت لوفاة الاثنين، كانت حادثة صادمة لفواز الذي انكفأ على نفسه، وسرعان ما تعرف على بعض الشباب المبتعثين الذين شجّعوه على ارتياد المسجد المجاور لمسكنه، وهناك تعرف على الكثير من الشباب العرب والامريكان، كان ذلك في عام ٢٠٠٠ م، وتمضي الايام به هناك، وتحدث هجمات أمريكا على مركزي التجارة العالمي، وعلى البنتاغون بالطائرات عام ٢٠٠١، وسرعان ما سيعرف أن بعض الذين كانوا من المهاجمين ممن يعرفهم في المسجد، وهذا أدى لتصل إليه ومن حوله المخابرات الأمريكية، التي بدأت بالتحقيق معهم، ولكنها لم تصل إلى أي ربط بين الفاعلين وبينه، وسرعان ما عاد إلى الكويت وعمل في إحدى الصحف، وعندما حصل الربيع العربي، تابع فواز ما يحصل في سورية، من قتل وتدمير واعتقال وظلم على السوريين، كانت تصله مقاطع الفيديو الموثقة للمجازر والقتل الجماعي والتعذيب، وهذا جعله يقرر أن يترك عمله واهله وبلده ويغادر إلى سورية، لكي يجاهد ضد النظام المستبد القاتل لشعبه، كان وصوله لسورية صعبا، لكنه وصل والتحق في صفوف جبهة النصرة، وأغلب من كان بينهم كانوا عربا واجانب، وشكلوا مجموعة مقاتلة تنتقل من مكان لآخر للقيام بالعمليات التي تأتيهم الاوامر لتنفيذها، في سورية توضح الامور له أكثر واكثر، كان وصوله في ٢٠١٢، وكانت قوى الثورة تتقدم على النظام وتأخذ منه المواقع والبلدات، وكان الجميع جبهة النصرة و الجيش الحر يعملون سوية في كل المواقع، عايش مراحل الانتصارات، ولكن كانت غصته دوما من الحرب ونتائجها من القتل المتبادل، الذي لا بد منه، كان يعاني من التصفيات المتبادلة للأسرى والمصابين، لكنه يكتم ذلك في نفسه، فهي الحرب، عايش بداية انتقال كفة القوة لصالح النظام السوري، عندما بدأ  الإيرانيون وحزب الله و الميليشيا العراقية وغيرها والروس من الجو ، يقدمون الدعم للنظام السوري. عاد النظام للسيطرة على المدن والقرى والمناطق، وكان فواز مع مجموعته ينتقل من موقع لموقع، شارك في القصير وانسحابه مع غيره منها وذلك عندما سيطر عليها حزب الله، وكذلك الزبداني وغيرها من القرى المحاذية للشريط الحدودي اللبناني، عايش بداية الصراع بين قيادة النصرة وقيادة الدولة الاسلامية داعش، وكيف انفصلا ودخلا في حرب بينية، وكيف تم إعلان النصرة منظمة إرهابية على المستوى الدولي، عايش التدخلات من قبل كل الأطراف الدولية والاقليمية في الحرب السورية، التي كانت ثورة للشعب وتحولت الى حرب للقوى الدولية بالوكالة، علم خفايا الصراع ودواعيه والقوى المتحكمة فيه، لقد علم أن المخابرات الأمريكية وغيرها حاضرة بالميدان، وعلم انهم يقدمون الدعم والامتداد لكل الأطراف لاستمرار الصراع ودوامه، التقى فواز بصديق أمريكي كان يعرفه من أيام تواجده في أمريكا، في تسليم صفقة سلاح أمريكي لجبهة النصرة، وحدثه كيف تم تجنيده لصالح المخابرات الامريكية، وعن دور أمريكا منذ تجنيد الشباب للحرب في أفغانستان ضد السوفييت، وعن علم أمريكا بالتحضير من أجل هجمات ٢٠٠١ على أمريكا، وأن كل ما يحصل محسوب ومدروس ومخطط له، علم أن التطورات الصراعية في سورية كانت لتحقيق مصالح أمريكا ومن ترعاه في المنطقة، ولو كان على حساب الشعب السوري، على كل المستويات. كان ضغط الهزائم اليومية التي تصاب بها قوى الثورة ومعها داعش والنصرة، تجعل فواز ومجموعته في حالة تنقل دائم، وكانت حالة الثورة قد انتقلت للصراع البيني بين المجموعات المسلحة، داعش ضد الكل والنصرة تارة توافق وتارة صراع، ومجموعات الحر متصارعة أو مفككة على أحسن الأحوال. التقى مجموعات امتهنت القتل والسلب والاختطاف  وبيع الأشخاص والمبادلة عليهم بفدية، وكلهم مدعين انتمائهم للثورة، وانقذ مع مجموعته فتاة من ي إحدى العصابات ، الفتاة فرنسية من أصول مغاربية، تواصلت مع احد المجاهدين عبر الانترنت، واحبته واقتنعت بعدالة قضيته، لمواجهة للغرب وبناء دولة الاسلام، وقررت الالتحاق به في سورية، وجاءت عبر شبكة دولية لتهريب المقاتلين إلى سورية، لتصل الى سورية وتقع ضحية مجموعة مسلحة تتاجر بالنساء والاطفال، تسرق وتخطف وتقتل، كل ذلك للحصول على المال، مستغلة ظروف الصراع، فواز ومجموعته يحتفظون بالفتاة، التي تنتقل معهم حيث يتحركون، صارت قريبة من فواز بعد أن شرحت له حكايتها، وكان أحد المقاتلين معهم قد ضمر في نفسه أن يصل للفتاة ويعتدي عليها، وعندما حاول أن يغتصبها،  هاجمه فواز وقتله، هرب معها الى قرية على الحدود الأردنية السورية، وسرعان ما علم أنه ملاحق من النصرة بتهمة قتل مجاهد والهرب مع الفتاة، عند ذلك نصحه البعض أن يهرب الى الأردن وصولا لمخيم الزعتري للاجئين السوريين، ويهرب، لكنه يتوه في الصحراء، ينفذ الماء والغذاء والوقود، ومن ثم يموت هو والفتاة في الصحراء، ويتم العثور على الدفتر الذي دون عليه حكايته كاملة، مع اسم اخيه وعنوانه في الكويت، الذي سيصل لأخيه عبد القادر والذي اطلع عليه. عبد القادر يتابع ما يعرفه اولا باول مع والده في لندن، حيث كان قد زاره في لندن سابقا ، وعلم أن وجوده في بريطانيا اعاد له الاحساس بالاعتبار الذاتي، حيث يبدع روائيا ويجد من يقرأه ويتابعه، وبالتالي ليس نادما على ترك الكويت وقطع علاقته بعائلته كاملا، لكن الأب سيختل توازنه عندما يعلم ما حصل مع ابنه، ويزور الكويت لأيام ويلتقي بابنة عبد القادر فقط، ودون علم زوجته وعائلته بمجيئه، ويعود مصطحبا دفتر يوميات ابنه فواز لعله ينشر ترجمته، ليعلم العالم ماذا يفعل الغرب وأمريكا في سوريا والعالم من جرائم ظاهرة وباطنة. عبد القادر سيخبر امه بكل شيء ، وتكون قوية تتقبل ما حصل، فجعت بزوجها اولا وولدها بعد ذلك، المهم أن تعرف ما حصل. عبد القادر يتقدم بخطوات للزواج من الفتاة التي كان خطبها، وانتظر ان يحصل على عمل، وقد جاءته الفرصة، وقرر أن يبدأ حياة جديدة.

تنتهي الرواية  بانتهاء اطلاع عبد القادر على دفتر اليوميات، ومجيء والده سفره وأخذ اليوميات معه، الاطلاع والدته على القصة كاملة وتقبلها ذلك، وبداية عمله والتواصل مع خطيبته للزواج قريبا.

.في تحليل الرواية نقول: إننا أمام رواية متميزة جدا، تتكلم عن مستويات عدة.

 العائلة الكويتية بما تعيش وكيف ترتبط بظروفها الخاصة وبما حولها، حياة ممتلئة من جهة، روتينية من جهة أخرى وأمام تغيرات نوعية عند بعض افرادها، الأب المهاجر لأجل إبداعه الادبي، والابن الملتحق بالثورة السورية يقاتل دفاعا عن المظلومين.

المستوى الثاني التوثيق الأقرب للدقة بالنسبة للثورة السورية، وكشف خفايا الوجه الاسوأ للحرب، الوجه العاري للفاعل الخارجي، داعما للحرب والقتل والتدمير والتشريد والجريمة، كل الأطراف متورطة بالدم السوري، الفاعل الأمريكي يحرك كل الأطراف ويرعى المقتلة، الثوار والمقاتلين في مستوياتهم الدنيا، هم ضحايا الظلم والعمل على مواجهة الظالمين، انتصارا للعدل والحرية والكرامة الإنسانية، انتصار للانسان المهدور، بغض النظر عن أخطائهم وخطاياهم، المحيطين الأساسيين والفرنسيين متورطين بنسب متفاوتة في المقالة السورية، بغض النظر عن مبرراتهم. الوجه العاري للنظام المستبد القاتل المجرم، الذي لأجل استمرار حكمه لمصلحته الضيقة، قتل الناس وطردهم بالملايين، ودمر سورية، وجعلها مرتعا لكل مرتزقة الأرض، ولكل الدول التي حولت سورية الى دولة محتلة من الكل. الرواية لا يغيب عنها السبك  الفني الرائع، فهي وأن كانت بيانا سياسيا بمعنى ما، هي أيضا نصا روائيا مكتمل الشروط فنيا، شغف المتابعة، حدة المعلومات وقسوتها، كشف حقائق ما تحت سطح الأحداث.

إننا امام رواية عن الثورة السورية بامتياز.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى