روزا ياسين حسن روائية سورية متميزة وناشطة معارضة لها الكثير من الروايات، قرأت اغلبها وكتبت عنه.
روايتها هذه بحثا عن كرة الصوف، تعتمد أسلوب الكتابة بلسان الراوي أحيانا وبلغة المتكلم لشخصيات الرواية وعلى شكل مرتون تستلم كل شخصية السرد من آخرين تباعا. وفي ثلاث محطات تسرد تطورات أوضاع شخصياتها في منافيهم الاجبارية أو الاختيارية حيث هم في المدينة الألمانية هامبورغ وذلك بعد مرور سنوات على الثورة السورية التي حصلت في ربيع ٢٠١١م. موثقة ضمنا فعله النظام بحق الشعب السوري من قتل واعتقال وتدمير للبلاد ، مما أدى الى تهجير الملايين من السوريين إلى دول الجوار والعالم. شخصيات الرواية هم من ضحايا ما فعله النظام المستبد القاتل في سوريا.
تحدثت الرواية عن اوسع شريحة مجتمعية في سوريا. وذلك عبر شخصيات الرواية كل على حدى، صحيح انها تناولت كل فرد بذاته بماضيه وعقده وما حصل معه، منبته الاجتماعي والمناطقي والديني والمذهبي والطائفي والاثني، كل ذلك لخدمة العمل الروائي ومصداقيته والتعبير بدقة أكثر عن حقيقة الواقع السوري الذي أنتج كل هذه الشخصيات.
كما لا بد من التأكيد على أن الرواية تتحدث عن هذه الشخصيات و بلسانهم في أغلب الأحيان وهم مغروسين في الواقع الحياتي الجديد في هامبورغ المدينة الألمانية. بعضهم نجح واغلبهم فشل. مع انعكاسات هذه الحياة في ألمانيا عليهم سواء وفق قوانينها ومعاييرها الاجتماعية وتنوع مواقف شعبها سواء المتعاطف مع السوريين وغيرهم اللاجئين إليها من ظلم انظمتهم او بحثا عن حياة افضل. كذلك هناك المتطرفين العنصريين الذين يرفضون اللاجئين وقد يعتدون عليهم وهناك المتضامنين معهم. أما الدولة فهي تتصرف وفق قوانينها. وهي تحتاج واقعيا لهذه الطاقة البشرية الجديدة حيث تدخلها في عجلة إنتاجها العملاقة. تعين من يحتاج المعونة وتساعد من يريد الانغراس فيها، وتحاسب المخطئ ،وتهيئ فرص اعادة تأهيل هؤلاء اللاجئين ليكونوا جزء من عجلتها الاقتصادية والاجتماعية والحياتية الكاملة.
عند الدخول في عالم الرواية ومتابعة شخصياتها سأحاول أن ألتقط خيطا من (كرة الصوف) لشخصية أو أكثر مترابطة مع بعضها واتابع مسارها كاملا ، وهكذا حتى تصبح القراءة منصفة ومطلّة على العمل الروائي المتميز والأقرب للدراسة الاجتماعية الذي اكتب عنه.
سرمد ومصطفى الذي سيكون له اسم آخر في ألمانيا هو ستيف ، شخصيتين سنتابع حياتهما وعبر متابعتنا تلك سنطلّ على مشكلة إنسانية وجودية قديمة جدا وحاضرة الى الآن في مجتمعاتنا والعالم ؛ انها المثلية ، لقد تابعت الكاتبة هذا الموضوع بدقة وإنصاف وتنوير معرفي ان صح التعبير. دون حكم قيمة: مع او ضد. المثلية هي خيار جنسي متنوع: من ذات الجنس انثى او ذكر يعيشه صاحبه كبنية جسدية جينية نفسية جنسية وبحيث تكون مهيمنة وجوديا عليه في أغلب الأحيان بحيث يعيش مع الآخر او الأخرى المتوافق بينهما حسب توجهاتهم الجنسية.
هذا ما عاشه سرمد القادم من الشمال الشرقي السوري إلى هامبورغ حيث كان يعيش مثليته في سوريا سريا مع ما يصاحبها من وصم اجتماعي وإدانة و إذلال وامتهان كرامة، ليصل إلى ألمانيا التي تعترف بهذه الهوية الجنسية وتحميها وتدعمها ايضا. يعيش سرمد في هامبورغ صراعا نفسيا بين مطلبه المثلي بدوره السالب الأنثوي وبين احتياجاته المادية كذلك التعامل السادي من الشريك واحيانا الامتهان و العنف في الممارسة حتى في ألمانيا حيث هو. ومع تتالي الأيام سيجد فرص التعرف على أمثاله من الالمان ويتبناه شريك ويعيشان سوية في أجواء أسرية حميمية هو وشريكه ويبدأ حياة يعيد بها اعتباره لنفسه وأنه وجد اخيرا مستقره النفسي وعشيقه وتحققت رغباته بعد سنوات من الذل والإهانة والقسوة وانعدام الاعتبار. كذلك الحال مع مصطفى الآخر الهارب من سوريا ايضا يحمل في جيناته حميمية الانثى ومظهره الذكوري يخفي حقيقة مشاعره ورغباته. في النهار يعمل بصفته الرجل مصطفى وفي الليل يتزيا ويتزين ويلبس الملابس النسائية ويذهب باسمه الآخر ستيف ليصطاد شريكا يعيش معه رغباته وأهوائه الجنسية والحميمية الحياتية. راض عن نفسه وحياته في هامبورغ الألمانية التي تستوعب كل متنوع وتحميه بالقانون.
عيسى ويحيى وفادي الذي شلت يده نتاج التعذيب في المعتقل والبعض تم اغتصابه وتم سلب رجولته عبر اخصائه وغير ذلك كثير من عنف التعذيب والتشويه داخل معتقلات النظام المجرم. هؤلاء من شباب الثورة السورية السلمية الذين لم يُقتلوا أو يُعتقلوا او نجوا من الاعتقال والذين بحثوا عن منجى لحياتهم من اجرام النظام وظلمه في سوريا، حيث أعلن النظام المجرم الحرب على الشعب و ناشطيه ، القتل والتهجير والتدمير للبلاد. من وصل منهم اوروبا والمانيا من لم يغرق في البحر او يضع في الغابات أو تعتقله الشرطة في دول العبور . صحيح انهم وصلوا إلى ألمانيا حيث الامان النسبي لكنهم محملين معهم بعاهاتهم وامراضهم النفسية والجسدية التي لا يمكن علاجها. ومحملين بمآلات واقع اهلهم الذين تركوهم خلفهم، من قتل ؟ ، ومن اعتقل؟، ومن مات تحت انقاض بيته ؟، ومن هجّر؟، ومن لم يعرف مصيره ؟. مدن وبلدات كان مصيرها الإفناء ، المعضمية وداريا وبعض حلب وأحياء كثيرة في حمص نماذج عن كل سوريا. تعرّف يحيى على صبية المانية من اصول تركية وحاول التقرب منها ورفضت أي تواصل جسدي إلا عن طريق الزواج، وهذا ما ليس بإمكانه. يشكل الأتراك في ألمانيا مجتمعا تركيا كامل المواصفات بتدينه وتزاوجه وعلاقاته وعاداته وتقاليده موجود داخل ألمانيا. انتهت علاقة يحيى مع الفتاة التركية عندما تزوجت تركيا وبعثت له رسالة تقول له غادر حياتي لقد تزوجت. هذا ما زاد معاناته واغترابه أكثر. هكذا عاش يحيى و عيسى الذي ترك زوجته وابنه متخفيين في سوريا ينتظران لم الشمل ليلتحقا به في ألمانيا، مثل كثير من السوريين الذين استطاعوا الوصول إلى دول الجوار تركيا والأردن ولبنان واستطاعوا الهروب والوصول الى اوربا والمانيا منها .عاش يحيى وعيسى الكثير من المعاناة وهم الآن مشتتين بين ما حصل معهم وعدم قدرة الحياة في المانيا ان تعيد تأهيلهم وان يتجاوزوا ما عاشوه في بلدهم سوريا. العالم كله خان الشعب السوري وثورته. لذلك ليس امام عيسى ويحيى إلا أن يعيشا عبثية الحياة و يتعاطون الماريجوانا المخدر ويزورون احيانا أسواق الجنس المشروعة في هامبورغ، ويهربون من واقعهم ويكررون شتيمة النظام والعالم وعيش اللحظة الفارغة من أي معنى…
نعم هناك شباب آخرون كانت الرضّة النفسية أقل تأثيرا عليهم، وانخرطوا في جمعيات تعمل لتجميع المساعدات وإرسالها إلى مخيمات اللجوء الكثيرة المبعثرة في دول جوار سوريا. لتقديم دعم لا يستطيع ان يفي بالحاجات الانسانية لهؤلاء الضحايا من الشعب السوري. والبعض يعمل داخل ألمانيا لإعادة خلق اللحمة المجتمعية السورية التي جعلها النظام بحربه على الشعب السوري شبه مستحيلة.
تعيش هديل و ميلاد حبيبها ونسرين صديقتها وصديقتها الألمانية المدافعة عن المظلومين في العالم والتي تعمل ضمن شبكة ألمانية لتأمين حاجات اللاجئين ماديا ونفسيا ومحاولة علاجهم في ألمانيا.
هديل الناشطة السورية في الثورة والمنتمية للطائفة العلوية الهاربة من سوريا بعد أن أصبحت مطلوبة للنظام الذي اعتقل حبيبها ميلاد الناشط الثوري مثلها والذي استمر اعتقاله ثلاث سنوات. واعتقدت أنه خرج ولحق بها إلى ألمانيا. والحقيقة أنه لم يخرج وقد يكون قتل داخل المعتقل. لكنها توهمت عودته. حاولت صديقتها الالمانية مساعدتها بدفعها لمراجعة طبيب نفسي واخذ علاجات تجعلها تتجاوز أوهامها عن عودة حبيبها ميلاد والعيش معه. لم تستطع هديل التأقلم مع كونها من طائفة النظام العلوية وتحمل اوزار مافعله النظام في الشعب السوري. ناقشت وجادلت كل الوقت لتقول ان النظام ليس الطائفة العلوية بل هو عصبة مستبدة فاسدة مجرمة عابرة لكل مكونات المجتمع السوري ومنهم العلويين، يستغلهم كلهم لمصلحته. ولا مشكلة عنده أن قُتل العلويين كلهم وكذلك الشعب السوري لأجل الاستمرار في الحكم ، لكن دعواها تصطدم بأن أغلب الطائفة سواء الذين بالجيش او الامن او الناس العاديين قد اصبحوا في صف النظام وجزء من أدواته التي أخافها على مستقبلها ان سقط النظام. أو اغرى شبابها بالمكتسبات المباشرة كشبيحة وفي نهب البلد خرابها. عاشت هديل هذا التناقض وارادت ان تؤكد بذاتها وأمثالها من الناشطين العلويين انها مع الثورة و ان تؤكد ان التعميم غلط وهناك علويون مع الثورة. لم تنجح تماما لانها وأمثالها نماذج قليلة جدا لا تغطي على حقيقة أن النظام احتل الطائفة العلوية وسخرها لخدمته كما احتل سوريا أرضا وشعبا. هذا غير نظرة الألمان ممن تعامل معها لها حيث واجهها البعض بمقارنة النظام والعلويين في سوريا بالنازيين وما فعلوه في ألمانيا. وهذا جرحها أكثر. كذلك تعرفت على صديقة يهودية ترفض الكيان الصهيوني ومع إنشاء دولة فلسطينية، وان اليهود كلهم ليسوا مع الكيان الصهيوني. لهديل صديقتها نسرين التي لم تستطع عيش صدمتها النفسية في غربتها وكيف تنكر لها أهلها كما تنكر أهل هديل منها حيث اعتبرتا خائنتين لأهلهم وطائفتهم، انتحرت نسرين بشنق نفسها في غرفتها. وهذا مازاد من معاناة هديل وانتظارها عودة حبيبها ميلاد الذي عاد وهميا اليها وعاشت معه في بلاد الغربة ألمانيا.