أوردت صحيفة “وول ستريت جورنال” أن طائرات مسيرة مدنية وعسكرية جديدة تهدف إلى الوصول إلى ارتفاعات أعلى بكثير من طائرات الجامبو، مع البقاء عند هذه الارتفاعات لأشهر عدة، ما يقدم بدائل أكثر مرونة للأقمار الاصطناعية. وخلال هذا الشهر، أقلعت مسيّرة من نيو مكسيكو وصعدت إلى طبقة ستراتوسفير التي تعتبر الأعلى في الغلاف الجوي للأرض. وبالتالي، انضمت تلك المسيرة إلى سباق هدفه صنع مسيّرات قادرة على الطيران إلى ارتفاعات أعلى ولمدد زمنية أطول من أي وقت مضى.
ووفق الصحيفة الأميركية، “تُحدث المسيّرات بالفعل ثورة في مجال الحروب، وأدت أخيراً دوراً بارزاً في الحرب الدائرة في أوكرانيا. في المقابل، لطالما سعت القوات المسلحة إلى الحصول على طائرات يمكنها توفير معلومات في ارتفاع يتجاوز مدى معظم أنظمة الرادار والدفاع الصاروخي، مع قدرتها على البقاء هناك لفترات زمنية مديدة. وبالنسبة إلى المستخدمين التجاريين، يمكن أن تشكل المسيّرات التي تحلق على ارتفاع شاهق وسيلة لتوصيل خدمات الإنترنت إلى المناطق المنخفضة الاتصال بالشبكات”.
وقد أشارت الصحيفة إلى أن عدداً قليلاً من المسيّرات العسكرية يتمكن منذ سنوات، من التحليق على ارتفاعات تلامس الـ18 ألف متر، أي أعلى بكثير من طائرات “جامبوجيت”. وأضافت، “الآن، تعمل شركات على تطوير طائرات قادرة على الطيران إلى ارتفاعات أعلى والبقاء فيها لأشهر عدة، ما يوفر بديلاً أرخص من الأقمار الاصطناعية وأكثر مرونة منها”.
وكذلك لفتت “وول ستريت جورنال” إلى أن “بي أي إي سيستمز”، الشركة البريطانية المصنعة للأسلحة التي أنتجت الطائرة التي طارت في نيو مكسيكو، أفادت بأن تلك المسيّرة التي تعمل بالطاقة الشمسية مصممة للبقاء في الجو لمدة تصل إلى سنة. ونقلت عن دايف كورفيلد، الرئيس التنفيذي لـ”بريزماتيك”، وهي وحدة تابعة للشركة طورت الطائرة، أن “تلك الطائرة تتيح لنا المشاركة في السباق على العمل في طبقة ستراتوسفير”.
وبحسب الصحيفة، صعدت الطائرة “فاسا-35” التي صنعتها الشركة البريطانية إلى ارتفاع 20 ألف متر تقريباً، وحلّقت 24 ساعة قبل الهبوط. ومن المتوقع أن تدخل الخدمة في وقت متأخر من عام 2026. ويبلغ طول تلك المسيرة بين طرفي الجناحين 35 متراً، على غرار طائرة “بوينغ 737” لكن وزن المسيرة يساوي دراجة نارية عادية. والأجنحة الطويلة ضرورية لحمل ألواح شمسية تولد الطاقة ولحمل الطائرة نفسها في الهواء الأخف نسبياً الذي يسود في الستراتوسفير.
واستطراداً، أشارت الصحيفة إلى أن وحدة في شركة تصنيع الطائرات “إيرباص” طورت مسيّرة تُسمَّى “زفير” طارت بالفعل إلى ارتفاع 21 ألف متر لمدة 64 يوماً. وخلال هذا الصيف، ستخضع الطائرة إلى اختبارات ستجريها وزارة الدفاع الأميركية وشركة اتصالات يابانية. ويتمثل الهدف من ذلك في صنع مسيرات تستمر في التحليق أكثر من 200 يوم.
ووفق الصحيفة، “يواجه سباق المسيّرات على الوصول إلى ارتفاعات أعلى ولفترات أطول، عدداً من الإخفاقات. وتشمل الأمثلة على ذلك شركات كبرى على غرار ‘بوينغ’ و’ميتا’ و’غوغل’، واجهت صعوبات في محاولاتها إطلاق مسيّرات ومناطيد تحلق في ظروف الستراتوسفير القاسية والهبوط مرة أخرى”. وحاضراً، تشمل قائمة الطائرات المسيرة العسكرية التي تحلق على ارتفاعات شاهقة، الطائرة “غلوبال هوك” التي تصنعها شركة “نورثروب غرومان” والطائرة “ريبر” الخاصة بـ”جنرال أتوميكس أيرونوتيكال سيستمز”. وتستطيع الطائرتان المذكورتان الوصول إلى ارتفاع حوالى 18 ألف متر وحوالى 15 ألف متر على التوالي. ويمكن لكل منهما التحليق حوالى 30 ساعة.
وفي الإطار نفسه، لفتت “وول ستريت جورنال” إلى أن هذه الهيكلية الحساسة لهذه المسيرات يجب أن تقدر على الصعود والهبوط عبر أكثر من 19 كيلومتراً من طبقات الغلاف الجوي التي تسودها ظروف متغيرة، ما يعني أن المشغلين الذين يعملون على مدار الساعة يحتاجون إلى بيانات جوية دقيقة للغاية. وفي الاختبار الأحدث الذي خضعت له “فاسا-35″، حصل مشغلو الطائرة على بيانات الطقس في الوقت الفعلي من المكتب الوطني للأرصاد الجوية في بريطانيا كي يحددوا أفضل لحظة ممكنة للانطلاق إلى السماء.
وأضافت الصحيفة أنه بمجرد الوصول إلى طبقة ستراتوسفير، تتعرض المسيّرات إلى درجات حرارة تصل إلى 40 درجة مئوية تحت الصفر، إضافة إلى الإشعاع الشمسي الذي يستمر في التأثير على الأجهزة الإلكترونية المتطورة في تلك الطائرات طيلة تحليقها. وسقطت “زفير” بعد تعرضها إلى اضطرابات جوية في رحلة اختبارية عام 2019 في أستراليا. وخلال العام الماضي، سقطت الطائرة مرة أخرى بسبب الأحوال الجوية السيئة في سياق اختبار أميركي. في المقابل، شكّلت “زفير” نموذجاً اختبارياً سابقاً، ويجري تحسين “زفير” منذ ذلك الحين، بل إنها هبطت بنجاح أربع مرات منذئذ، علماً بأن المشروع بدأ للمرة الأولى قبل أكثر من 20 سنة.
ووفق الصحيفة نفسها أيضاً، خططت “بوينغ” ذات مرة لمسيّرة تعمل بالطاقة الشمسية يبلغ عرضها بين طرفي جناحيها 12 متراً ويمكنها الطيران على ارتفاع 18 ألف متر لمدة خمس سنوات على الأقل. وتوقف العمل على ذلك المشروع الذي عُرِفَ باسم “سولار إيغل” قبل حوالى عشر سنوات. وامتنعت “بوينغ” عن التعليق على السبب. وعام 2021، ألغت “ألفابت”، الشركة الأم لـ”غوغل”، محاولة إطلاق بالونات عملاقة تحلق على ارتفاعات تصل إلى 23 ألف متر بغية توفير الوصول إلى الإنترنت في المناطق النائية. وقد أشارت “ألفابت” إلى أن ذلك المشروع لم يكن مربحاً تجارياً. وفي السنوات الأخيرة، ألغت شركة “فيسبوك” التابعة لشركة “ميتا”، و”مكتب المساحة الحكومي” البريطاني مشروعين لصنع مسيّرات تحلق على ارتفاعات شاهقة.
ومع ذلك، يفيد المطورون بإنهم يتوقعون حدوث طلب قوي على ذلك النوع من الطائرات المسيرة ما سيمكنهم من تفعيل مشاريعها. ويُتوقع أن تصل قيمة السوق العامة لخدمات الستراتوسفير، بما في ذلك مجموعة من التطبيقات للاستخدامات العسكرية والتجارية، إلى 200 مليار دولار بحلول منتصف الثلاثينيات من القرن الجاري، وفق وحدة “ألتو” التابعة لشركة “إيرباص”. وأحياناً، يتحدث أشخاص عاملون في مجال الطائرات التي تحلق على ارتفاعات شاهقة، عن طائرات يُطلق عليها تسمية “الطائرات الشبيهة بالأقمار الاصطناعية”. وكذلك يرى هؤلاء أنه من المستطاع استعمالها بطرق مشابهة للأقمار الاصطناعية، مع تفوقها في بعض المزايا. وفي مثل عن ذلك، “تستطيع الطائرة ‘زفير’ أن توفر تغطية هاتفية لمساحة سبعة آلاف و500 كيلومتر مربع، ما يعادل وجود 250 برج اتصالات على الأرض”.
المصدر: اندبندنت عربية