تشي تصريحات وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في العاصمة السورية دمشق، أول من أمس، بأن المسار العربي المرتكز على منهجية “خطوة مقابل خطوة” لحل الأزمة السورية تعترض طريقه العديد من العقبات، ما قد يعني أن مصيره لن يختلف عما سبقه من مبادرات إقليمية ودولية.
وقال الصفدي، عقب لقائه، الإثنين الماضي، في دمشق رئيس النظام السوري بشار الأسد ووزير خارجيته فيصل المقداد، إن صعوبات كبيرة تواجه جهود التوصل لحل سياسي للأزمة “لكننا ندرك حتمية هذا الجهد، لأن في حل الأزمة السورية مصلحة أساسية لسورية وللشعب السوري الشقيق، ومصلحة لنا في المنطقة ومصلحة للعالم أيضاً، لأن تبعات هذه الأزمة انعكست ليس فقط على منطقتنا ولكن خارجها” أيضاً.
كما قال الصفدي، في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره التركي هاكان فيدان في أنقرة، أمس الثلاثاء: “نتفق مع تركيا على ضرورة العمل بشكل مكثف من أجل حل الأزمة السورية والتقدم في ملف اللجوء”.
وجاءت زيارة الوزير الأردني إلى دمشق في إطار محاولات بلاده الدفع بالتسوية السياسية للأزمة السورية إلى الأمام، في سياق مبادرة عربية تقودها عمان تقوم على مبدأ “خطوة مقابل خطوة”، للتوصل لحل سياسي ينسجم مع القرار الدولي 2254، الذي يرفض النظام التعاطي معه بإيجابية، وأفشل كل الجهود الأممية لتطبيق بنوده التي تدعو إلى انتقال سياسي وكتابة دستور وإجراء انتخابات.
وتحاول المبادرة العربية مقاربة العديد من القضايا التي يتطلب التعامل معها تعاوناً مع النظام، أبرزها ملف اللاجئين، والمعتقلين، وإيقاف تدفق المخدرات إلى دول الجوار العربي من سورية، فضلاً عن الملف الأهم، وهو الوجود العسكري الإيراني المتعاظم في سورية.
ربط ملف عودة اللاجئين برفع العقوبات
ويربط النظام ملف اللاجئين وعودتهم برفع العقوبات المفروضة عليه ودعم مشروعات “التعافي المبكر”، وهو ما أشار إليه الأسد خلال لقائه الصفدي، وفق وكالة “سانا” التابعة للنظام. ونقلت عن الأسد قوله إن “تأمين البنية الأساسية، ومتطلبات الإعمار والتأهيل بكل أشكالها، ودعمها بمشاريع التعافي المبكر، تمكّن العائدين من استعادة دورة حياتهم الطبيعية”.
وكان مجلس جامعة الدول العربية قد شكل لجنة اتصال وزارية، مكونة من الأردن والسعودية والعراق ولبنان ومصر والأمين العام للجامعة، لمتابعة تنفيذ بيان عمّان الذي صدر في مطلع مايو/ أيار الماضي، والذي دعا إلى “خطوات تبادلية”، بحيث تُخفف العقوبات والعزلة عن النظام مقابل إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتأمين العودة الآمنة والطوعية للاجئين، وحماية المدنيين، والسماح بوصول المساعدات من دون أي عوائق إلى كل المناطق.
ومهمة اللجنة الاستمرار في الحوار المباشر مع النظام، للتوصل إلى حل شامل للأزمة السورية يعالج جميع تبعاتها، وفق منهجية “خطوة مقابل خطوة”، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن رقم 2254. وتقدم اللجنة تقارير دورية لمجلس الجامعة على المستوى الوزاري.
النظام سيغرق اللجنة بـ”التفاصيل” لإفشال جهودها
ومن المتوقع أن يطبّق النظام سياسته المعهودة، وهي إغراق أي لجنة بـ”التفاصيل” لإفشال أي جهود لحل الأزمة السورية لا تلبي شروطه، لعل أبرزها عدم التطرق للانتقال السياسي، أو نسف الدستور الذي وضعه في 2012، أو إجراء مقاربة لملف المعتقلين في سجونه، ورفع العقوبات عنه قبل السماح بعودة ملايين اللاجئين إلى سورية.
وكانت الأمم المتحدة قد بدأت بمسار الحل في سورية منذ منتصف العام 2012، وحتى اللحظة ما زال يراوح مكانه بسبب رفض النظام التعاطي معه بجدية.
وأعرب رشيد حوراني، وهو باحث سياسي في مركز “جسور” للدراسات، في حديث مع “العربي الجديد”، عن اعتقاده بأن “المسار العربي بالأساس ولد ميتاً”، مضيفاً أن العرب يريدون من النظام وقف تهريب المخدرات إلى بلدانهم، وخاصة الأردن ودول الخليج.
وتابع: بعدما رأى النظام تنازلاً من قبل الدول العربية فإنه سيتعامل مع الأمر بشكل إعلامي، من خلال تعاون محدود في الكشف عن خط سير بعض الشحنات، إلا أنه سيواصل الضغط على الدول العربية من خلال هذا الملف لإجبارها على الرضوخ لمطالبه، ما يعني فشل المبادرة العربية برمتها.
ورأى حوراني أن “ما يدفع النظام إلى عدم الجدية مع المبادرة العربية هو الموقف الأميركي الذي أعطى الضوء الأخضر للعرب للتطبيع مع الأسد لقاء تنازلات منه”، مضيفاً أن النظام يدرك أن أي تنازل يعني بداية النهاية بالنسبة إليه، لذا لن يمضي بالمبادرة، فهو لن يقدم أي تنازل لقاء التوصل لحل سياسي للأزمة السورية.
النظام السوري يمارس سياسة التسويف
من جانبه، رأى مدير وحدة تحليل السياسات في مركز “الحوار السوري” للدراسات محمد سالم، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “النظام السوري يمارس كعادته سياسة التسويف والابتزاز لمختلف الأطراف الإقليمية بأقصى درجة ممكنة”.
وأضاف: يريد النظام الآن مقابل عودة اللاجئين دعم الدول العربية له مادياً في مشاريع التعافي المبكر وبناء البنية التحتية، ويطلب منها الضغط لرفع العقوبات عنه.
وأعرب سالم عن اعتقاده بأن المقاربة العربية للحل في سورية “مصيرها الفشل منذ البداية، لأنها لم تُعر الاهتمام لمصالح الشعب السوري، وتحاول حل القضية بشكل سطحي دون مراعاة حلها جذرياً”.
واعتبر “أنها مجرد حلول مؤقتة قد تنقلب إلى تأثيرات سلبية، وأكثر تعقيداً. منذ سيطرة النظام على الجنوب السوري قرب الحدود مع الأردن، منذ منتصف 2018، ازدادت تجارة وتهريب المخدرات، كما ازدادت معدلات الهجرة بدلاً من عودة اللاجئين السوريين الموجودين في الأردن”.
المصدر: العربي الجديد