سمر يزبك روائية وناشطة في الثورة السورية، تعتبر روايتها هذه مع روايتها السابقة ؛ تقاطع نيران بمثابة شهادتها على الثورة السورية وما لها وماعليها ومن واقع الميدان، وهي اقرب لان تكون مذكرات تسجيلية يومياتها و لقاءاتها وحواراتها وانطباعاتها في دخولها المتكرر لمرتين الى الشمال السوري في ريف إدلب، سراقب وكفرنبل وقراهم تحديدا، عابرة من تركيا الى الداخل السوري، في آب 2012 وبنفس الفترة 2013.
.سمر التي غادرت سوريا واستقرت في فرنسا من بدايات الثورة، والتي عادت لتقوم بأدوار انسانية في المناطق المحررة، من خلال العمل على المناشط النسائية والتعليمية والإعلامية والدعم الأسري.
.سمر تدخل في البنية المجتمعية بين الناس، فهي منهم، وهي صديقتهم و تناقشهم بما يعيشوا، وتسجل عن لسانهم كل ما يتعلق بشأن الثورة، تعايش الناس وتعيش معهم هول مأساتهم التي اسمتها بجدارة العدم.
.سمر تتحدث في الزيارة الاولى عن وصولها لمدينة سراقب واستقبالها هناك من الناشطين الميدانيين، وتسجل حياتهم وآرائهم، وكذلك تلتقي بثوار من الأرض وكثير من النساء، تفجعها وتفجعنا معها ما آلت اليه احوال سوريا والسوريون، في المدن والقرى حيث اصبحوا ضحية قصف وتدمير مستمر، واغلب الناس هربوا لمناطق اكثر امنا او التجأوا لتركيا، في كل بيت مأساة ولكل ثائر حكاية، ولكل امرأة قصة تفصل بها واقعها مع الموت اليومي، الذي يأتي على شكل قصف بالبراميل المتفجرة والقصف المدفعي العشوائي، أو بالرشاشات الموزعة على الحواجز حول المدن والقرى، أو بالقنص الذي لا يرحم أحدا، في كل البيوت شهداء ومغيبين ومعتقلين ومصابين ومبتوري الأضلاع، ترصد سمر تحول الناس من مرحلة الثورة السلمية ايام التظاهر الى العمل المسلح، الكل يتحدث عن تحولهم الاضطراري إلى العمل المسلح بإمكانياتهم البسيطة لحماية اهلهم ومدنهم وثورتهم وانفسهم، هذا التحول الذي قوي ليتمكن من اخراج النظام المستبد من اغلب المدن والقرى في ريف إدلب وقتها، والذي كان سببا لانتقال النظام الى مرحلة القتل عبر القصف والبراميل المتفجره، من بقي من الناس يعيش بالجحيم، وينتظر دورة بالموت العشوائي، والثوار مشاريع شهادة يوميه، اليوم هم أحياء وغدا شهداء، ترصد سمر في الزيارتين التغيرات التي أصابت الناس، ففي البداية كان الشعور الوطني ومطلب اسقاط النظام وبناء الدولة الوطنية الديمقراطية هو الغالب، ولكن ومع الوقت بدأت تتكرس فكرة ان النظام طائفي (علوي) ، ويستعين بالشيعة ايران وحزب الله ويقتل السنه اغلبية الشعب السوري، وللعلم سمر يزبك هي من الثورة السوريه وهي ايضا من الطائفة العلويه، وهي لا تنكر ذلك ولا تخفيه، وهذا ادخلها وادخل الناشطبن والثوار الذين كانوا حولها في احراجات عده، بعضها كان مميتا، سمر تنتصر لفكرة ان الشعب السوري ومنهم الطائفه العلوية ضحية النظام الاستبدادي المجرم، الذي استعان بايران وحزب الله والمرتزقه الطائفيين، وهدر دم السوريين واستعمل دم العلويين كسلاح في يده، وان الواعين منهم قد التحقوا بالثورة وهي منهم، لكن هذا الرأي على وجاهته لم يكن يقنع أغلب الناس على الارض، ففي كل يوم يقتل الناس ويشردوا وتدمر اسباب حياتهم، وعلى المقلب الاخر يرى البعض نظام (علوي) يستعين بالشيعة ويقتل الشعب كله، في كل يوم تلتقي سمر بثوار جدد لتسمع حكايتهم مع الثورة، وكل القصص متشابهه، تلتقي مع الناس وتجدهم يتمسكون بالحياة المستحيلة؛ أبطال أسطوريين، والحياة تستمر لكن تحولات تجري على شأن الثورة والثوار والقوى التي تحركها، فلا النظام يسقط ولا الثوار ينتصروا، الدعم العسكري محدود والسلاح النوعي الذي يقلب المعادلة ويسقط النظام ممنوع، ايران وحزب الله والمرتزقه الطائفيين يكادوا يغطوا على جيش النظام بالعدد والحضور والفاعلية، والحدود مفتوحة ليدخل عبرها كل من يرغب في (الجهاد) في سوريا، واصبح هناك نغمة سائدة تتعالى عن حرب دينية بين السنة والعلويين ومعهم الشيعة؛ بين الكفر والإيمان، وبدأت تزداد حضورا عبر المقاتلين العرب والأجانب الذين بدؤوا يظهروا من خلال جبهة النصرة وبعدها داعش وبعض الفصائل الإسلامية كاحرار الشام وغيرها، وبدأت تتحدث عن العمل لبناء الدولة الإسلامية، وتطبيق شرع الله في الأرض، وانعكس هذا على الناس من خلال التضييق عليهم وفرض رؤاهم الدينية الخاصة الغير مرتبطة اصلا مع تدين الناس وأعرافهم، مما اعطى انطباعا أنهم ينتقلون من استبداد النظام لاستبداد هذه الجماعات. سمر ترصد التغيرات والوقائع، وكيف يتم تجفيف الدعم عن شباب الجيش الحر حتى يكاد يتلاشى، وكيف يتم السماح لحضور النصرة وداعش حتى ملأت المشهد كله تقريبا في مناطق عدة، سترصد مفاسد البعض الماليه وتحولهم الى عصابات من اللصوص واستعمالهم الخطف والفدية وسيلة للارتزاق، سترصد واقع خطف أحد الصحفيين الاجانب وكان معها، وكيف اصبحت هي نفسها مهددة بالخطف او القتل، ترصد في اماكن تواجد الثوار حيث المناطق المحررة على الارض المحتله جوا، ترصد القصف والتدمير والقتل اليومي العشوائي، الحياة مستحيلة، من استمر يعيشها كاسطورة، والباقي تشرد ترك كل شيء وراءه ليحافظ على الحياة. سمر ترصد ايضا حياة التشرد عبر زيارتها لبعض المخيمات، سواء في تركيا او على الحدود السورية، نعم هناك بعض الآمان لكن أسباب الحياة معدومة، وهي حياة أقرب للموت، ومن تمكن غادر للأبعد واختار قوارب الموت للوصول إلى أورو،ا. لعله يعيش هو واولاده واحفاده انسانيتهم المهدورة في وطننا سوريا. في الجهة الاخرى لا يرى من النظام الا طائرات القتل اليومي، وقذائف الموت في كل وقت، وتزداد الغربه والانفصال النفسي وتعايش مشاعر مبررة، عن اعتبار النظام وطائفته العلوية اعداء يجب ان يقتلوا او يهجروا على احسن تقدير، وذلك عندما تنقلب المعادلة وتنتصر الثورة أن انتصرت، ليس عبثا هذا القول عند بعض الناس، هو سرد لشهادة بعض قادة النصرة وبعض الفصائل، واما داعش فواقع الارض يؤكد انها استباحت دم الكل وبنت دولتها واستعدت العالم، وها هي الآن تحارب الكل و من الكل، وقدمت للغرب والنظام وحلفائه مبررا لاعتبار الثورة السورية حربا أهلية وليست ثورة لاسقاط الاستبداد وبناء الدولة الديمقراطية، وليست ثورة الحرية والكرامة والعدالة، وهاهي جيوش العالم تفكر بالتدخل كما فعلت روسيا لتضرب (الارهاب) وتعيد انتاج النظام الاستبدادي، ويذهب الشعب السوري وثورته الى العدم.
.سمر تعتمد الشهادات المباشرة للناس والثوار وبعض القادة، والملاحظات المباشرة التي تتابعها هي؛ وهنا قوة النص أو السرد الذي أنتجته، انها اقرب لان تكون شهادة مباشرة للحدث بكل عنفه وبشاعته وعبثية وهمجيته، سنكتشف معها إننا كبشر سوريين مجرد أدوات للموت، وللحياة المستحيلة، والعنف، والضياع الإنساني، وأننا مجرد أحجار بناء نتراكم في عمارة الإرادات الدولية والإقليمية، نحن كشعب سوري وثورة وبشر مجرد أشياء مهدورة على خلفية المصالح للحكام والدول، اصبح موتنا عادي وممل، وكذلك تشردنا وتدمير بلادنا. سمر تفتح بوابة العدم الانساني لترينا ليس ما نعيشه فقط؛ بل ما يعتمل في ضمير وعقل الإنسانية جمعاء، بصفتها القطيع المتابع مأساتنا، ودول العالم المتفرج شكلا على ما يحصل، والصانع الحقيقي لمأساتنا.
.هنا مشكلتنا.
.تنتهي الرواية بخروجها الثاني من سراقب الى تركيا، بعدما اكتشفت ان عيشها في الداخل أصبح مستحيلا ، بعد أن تمددت داعش والنصرة، واصبحت وامثالها من الناشطين المدنيين مهدوري الدماء، وأصبحت الثورة ذاتها على محك خيارات استراتيجية تتطلب أن تعيد النظر في ما حصل ويحصل لها.
.الرواية شهادة توثق المعروف والمعرف، تتوغل في الجرح أكثر، تؤلم، وتستنزف الروح مع الدم أكثر، تحول المباشر العادي واليومي الآن إلى وثيقة للدهر؛ لكي لا ننسى. وهنا روعتها، قد نختلف معها هنا او هناك، وهذا طبيعي، لكنها قامت بدور مطلوب منا كلنا:
توثيق يوميات الثورة والشعب والثوار، ورفع الغطاء عن كل الفاعلين والضحايا ، وفضح العالم كله؛ لكونه ترك الشعب السوري ضحية لخططه، ولوحوش العصر الحديث جميعا.
هنا تميزها وامتيازها.