“مع تنامي اعتماد الصين على النفط الخليجي، ازدادت أيضًا مصلحتها الاستراتيجية المتمثّلة في صون الأمن والاستقرار في مضيق هرمز، يُضاف إلى ذلك أن الوجود العسكري للولايات المتحدة وحلفائها في المضيق شجّع الصين على توسيع تأثيرها في المنطقة لحماية مصالحها التجارية”.
هكذا يخلص تقرير لمركز “كارنيجي”، حين يقول إن تشارك بكين وواشنطن الرغبة في ضمان عبور النفط بحرّية.
ويُعَدّ مضيق هرمز أهم ممرّ للطاقة في العالم، إذ يشكِّل نقطة التقاء بين الخليج العربي وخليج عُمان، وكان ساحةً للتوترات في الأعوام الأخيرة، ولاسيما بين الولايات المتحدة وإيران، ما تطلّب وجودًا عسكريًا خارجيًا زاد من احتمال نشوب نزاع.
وعالميًا، يمرّ أكثر من سدس النفط وثلث الغاز الطبيعي المُسال عبر هذا المضيق الضيّق، وفيما يمكن تجاوز معظم نقاط الاختناق باستخدام طرق شحن أخرى، ليست لمضيق هرمز بدائل عملية.
وبما أن مضيق هرمز هو ممرٌّ عالمي للطاقة، يُعَدّ أمنه ضروريًا لحسن سير الاقتصاد العالمي، فقد استخدمت إيران بصورة خاصة موقعها عند المضيق لردع الولايات المتحدة وحلفائها من خلال مهاجمة سفن تجارية وعسكرية تعبر المجرى المائي.
وأدّى تصاعد التشنّجات بين إيران والغرب، ولا سيما مع تقدّم طهران في برنامج التخصيب النووي، إلى تعزيز الانتشار العسكري في المضيق، فالأسطول الخامس الأمريكي المتمركز في البحرين ينشط بصورة خاصة هناك، حيث يشارك في مساعدة البحّارة، وحماية البنى التحتية، وردع القراصنة، فضلًا عن العمليات القتالية.
ووفق التقرير، تُعتبر الصين عُرضة للتأثّر بشدّة من الاختلالات التي قد تطرأ على الإمدادات النفطية من المنطقة، ولا سيما أنها تخطّت الولايات المتحدة لتصبح المستورد السنوي الأول للنفط الخام في العالم في العام 2017.
لذلك، يُعدّ ضمان إمدادات النفط بصورة مطّردة أساسيًا لأمن الطاقة في الصين.
وخلال السنوات القليلة الماضية، تمكّنت الصين من الالتفاف على العقوبات الأمريكية من أجل استيراد النفط الإيراني، فطهران هي ثالث أكبر مورّد للنفط إلى الصين بعد روسيا والسعودية، فضلًا عن أنها أكبر شريك تجاري للجمهورية الإسلامية.
واستفادت الصين بشكل كبير من الحظر الأمريكي على النفط الإيراني، ومن قيام مجموعة الدول السبع والاتحاد الأوروبي بوضع حدٍّ أقصى لسعر النفط الروسي ردًّا على الحرب الروسية الأوكرانية.
يُضاف إلى ذلك أن اتفاقية الشراكة الاستراتيجية الشاملة التي أُبرمت لمدّة 25 عامًا بين الصين وإيران في مارس/آذار 2021، والتي تشمل بيع النفط الإيراني إلى الصين بأسعار مخفّضة مقابل إجراء الصين استثمارات في إيران، أدّت إلى توسيع بصمة بيكين الاقتصادية في المنطقة، ممهدةً الطريق ربما لتعزيز نفوذها العسكري.
وعلى الجانب الآخر من مضيق هرمز، نسجت الصين بتأنٍّ علاقاتها مع دول مجلس التعاون الخليجي الست.
صحيحٌ أن هذه العلاقات كانت ترتكز في بادئ الأمر على صادرات النفط والغاز من هذه الدول، لكن نطاق التعاون الاقتصادي الصيني معها اتّسع بوتيرة متسارعة ليشمل قطاعات مثل البنى التحتية، والتمويل، والاتصالات، واستكشاف الفضاء، والطاقة المتجدّدة، والطاقة النووية، وحتى تصنيع الأسلحة.
وسبق أن ألمحت وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن الصين تسعى إلى إرساء وجود عسكري مديد لها في المنطقة، وذكرت أن الإمارات هي من بين الدول التي تدرس بيكين إمكانية تنفيذ هذه الخطة فيها.
وفي العام 2021، أصبح ميناء خليفة في قلب الجدل، حين رصدت وكالة الاستخبارات الأمريكية أن الصين بدأت سرًّا ببناء منشأة عسكرية فيه.
ووجهت واشنطن تحذيرًا إلى أبوظبي بشأن الأنشطة الصينية، ما أدّى على ما يبدو إلى توقّف أعمال البناء.
في المقابل، وفق التقرير، تسعى الصين إلى تعزيز وجودها العسكري في المنطقة، لكنها تفتقر إلى الخبرات والتجهيزات العسكرية اللازمة لمنافسة الولايات المتحدة في موقع الجهة الضامنة لأمن المنطقة.
مع ذلك، أدّى الانسحاب العسكري الأمريكي المتصوّر من الشرق الأوسط، وسط توجّه بوصلة أولويات واشنطن نحو آسيا، إلى منح الصين فرصة لاكتساب موطئ قدم في المنطقة.
وأسفرت العلاقات الباردة بين إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من جهة والسعودية والإمارات من جهة أخرى عن تحوّل ملحوظ في سياسات كلٍّ من الرياض وأبوظبي.
وبما أن دول الخليج لم تعد راضية عن التطمينات الأمنية الأمريكية، لجأت بشكل متزايد إلى التحوّط الاستراتيجي في علاقاتها الثنائية مع واشنطن وبكين، مفسحةً المجال أمام انخراط دبلوماسي صيني أكبر.
لكن احتمال أن يؤدّي تنامي النفوذ الدبلوماسي والاقتصادي الصيني في المنطقة إلى تعاظم نفوذ بكين العسكري، فهذا أمرٌ يعتمد في المقام الأول على مدى وفاء الولايات المتحدة بالتزاماتها الأمنية تجاه حلفائها في مجلس التعاون الخليجي، وفق تقرير “كارينجي”.
وعلى الرغم من تركيز الولايات المتحدة المتزايد على احتواء المساعي التوسّعية الصينية في منطقة المحيطَين الهندي والهادئ، فهي لا تزال تنظر إلى الشرق الأوسط، وتحديدًا منطقة الخليج، باعتبارها ميدان التنافس الاستراتيجي مع بكين.
وتسعى الولايات المتحدة، من خلال ما عُرف بـ”الاتفاقات الإبراهيمية” التي أدّت إلى تطبيع العلاقات بين إسرائيل وعددٍ من الدول العربية، إلى تشكيل كتلة تضم حلفاءها الإقليميين بهدف الوقوف في وجه المصالح الإيرانية والصينية، والروسية بدرجة أقل، في منطقة الشرق الأوسط الأوسع، حيث لا تزال واشنطن تتمتع بنفوذ كبير بفضل وجودها العسكري وتفوّق السلاح الأمريكي.
مع ذلك، حدث بالفعل تبدُّل ما في المواقف الإقليمية، فكما أظهرت المصالحة بين السعودية وإيران، ترى دول المنطقة مزايا تُجنى من عدم الاعتماد على قوة عظمى واحدة، والاستفادة من التنافس بين مختلف القوى العظمى، حسب التقرير.
ويتابع: “سيستمرّ هذا الوضع فيما تحاول دول الشرق الأوسط التوصّل إلى توازن جديد بين بعضها البعض بعد عقود من الصراعات والهيمنة الأمريكية، وستكون الصين على الأرجح في قلب عملية إعادة الاصطفاف هذه التي تشهدها المنطقة”.
ويضيف التقرير: “قد يؤدّي خفض التوتر الإقليمي نتيجةً للاتفاق الذي أُبرم بوساطة الصين بين السعودية وإيران إلى منح بكين دورًا متميّزًا في مستقبل المنظومة الأمنية الإقليمية، لكن الصين تدرك أنها لا تستطيع في الوقت الراهن منافسة الهيمنة العسكرية الأمريكية”.
ويستطرد: “مع ذلك، أظهرت المساعي التي بذلتها الصين في تسهيل ولادة الاتفاق بين السعودية وإيران أن بكين تعوّل على النفوذ الاقتصادي الذي تتمتع به في المنطقة لتعزيز دورها في التأثير على الديناميكيات الأمنية الإقليمية، ومدّ جسور دبلوماسية في المناطق ذات الأهمية الاستراتيجية من أجل حماية مصالحها التجارية”.
ويشير تقرير “كارنيجي” إلى أن الاتفاق السعودي الإيراني لا يعكس سوى جزءٍ واحد من طموحات بيكين الأوسع في الشرق الأوسط، ومن شأن نجاحه أن يولّد سلسلةً من النتائج الطويلة الأمد التي لن تقتصر على المنطقة، فحسب بل ستطال أيضًا مستقبل التنافس بين قوتَين عظيمتَين هما الصين والولايات المتحدة.
ويلفت إلى أنه “من أجل الوقوف في وجه المصالح الصينية، ستستمر واشنطن في دعم الاتفاقات الإبراهيمية، مركِّزةً على أولوية تحقيق تطبيعٍ للعلاقات بين السعودية وإسرائيل”.
ويختتم بالقول: “سيسمح ذلك بتشكيل كتلة متراصّة من الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة، ما قد يفضي إلى حدوث تعاون أمني أكبر في مواجهة إيران من جهة، واحتواء النفوذ الصيني المتنامي من جهة أخرى”.
المصدر: الخليج الجديد