عن دار البلد السورية صدرت رواية اوكتيفيا للكاتب جواد ابو حمدان، وهذا أول عمل روائي اقرؤه له. يعتمد السرد في الرواية على لسان الكاتب -الراوي- واحيانا على لسان أحد شخصياتها المحورية.
تبدأ الرواية سردها بالتحدث عن إمارة السنديان بدون اي تفاصيل تربطها بزمان ما ولا بمكان ما، بحيث نرى أنفسنا كقراء بعد ذلك اننا اقرب لحكايا مبتدعة لتوصيل العبرة والفائدة.
الشخصية المحورية في الرواية باتريسيو – وهنا ايضا الغرابة بالاسماء سواء بطلة الرواية والمعنونة الرواية باسمها اوكتيفيا، او شخصيتها المحورية باتريسيو او بقية أسماء شخصيات الرواية، سنجد أنها أسماء مبتدعة، وكأنها تحاول التمايز عن أسماء الواقع، هل هو نفي للواقع أم هروب من التحدث عنه ؟.
باتريسيو شاب يعيش مع والدته في امارة السنديان يعمل في أرضه. يعاني كما كل الناس في بلده من ظلم الحاكم الذي يجور عليهم في أخذ الضرائب. كما يعاني من التمايز الاجتماعي بين فقراء ضحايا الحرمان والعوز، وأغنياء لا يفكرون بحال الفقراء ويستغلونهم ولا يمدون لهم يد العون…
والدة باتريسيو تحدث ابنها عن الاميرة اوكتيفيا اخت الحاكم الحالي التي هربت من الامارة منذ عقدين من الزمان. وان هروبها جلب للبلاد الفقر والقحط وغياب البركة، وخاصة انها كانت بين شعبها تلقب بالاميرة المباركة، فقد كانت متميزة بعقلها وبدورها الإنساني بحق شعبها. لقد بنت السد الذي اصبح خزانا للحياة وحال دون هلاك البشرية قاطبة، الا ان الاميرة اوكتيفيا هربت في يوم ما، تاركة خلفها كثير من التساؤلات منهم من اعتبر هروبها لاجل الحب، او قد أغواها الشيطان كما أشيع. لتبدأ حال الامارة في التراجع والسوء، الا ان باتريسيو قرر مواجهة هذه الحقيقة والبحث عن الاميرة الضائعة لكي يضع حدا لهذا الواقع المرير، والوصول الى السر الذي ابتدعته وهو عطر الحياة .
عايش باتريسيو حياة الضنك والضرائب وتحمل ككل الناس واقع الفقر والعوز، كان يصعد للجبل اغلب الاحيان او يجلس تحت شجرة السنديان المجاورة لأرضه يناجيها. عرف حقيقة حال البلاد من والدته ومن الراعي الذي التقاه في الجبل؛ ان البلاد كانت بخير أيام اوكتيفيا ، وبعد ذلك هربت، اما لماذا هربت ؟، فهذا كان شغله الشاغل والهدف الذي يصبو اليه وبعد المحاولات والتقصي قد علم حقيقة السبب: فقد أراد والدها تزويجها من حاكم الدولة الجنوبية الظالم ، الا انها رفضت ، كما أنها كانت على علاقة حب مع فارس كان يلتقي معها قبل هربها. علم باتريسيو من ابنة الحاكم عن عمتها اوكتيفيا انها كانت على علاقة حب بالفارس وان هناك صندوقا يحتوي كتابا وبضعة مخطوطات لعمتها تحتفظ بها، وبعد تواصل لعدة مرات وحصول انجذاب نفسي وحب ضمني بين باتريسيو والاميرة الصغيرة. احضرت له الصندوق وعلم من خلاله بحال الاميرة اوكتيفيا والفارس الذي تحبه. وزاد واقع الإمارة تعقيدا ان ملك الامارة الجنوبية يريد الزواج من الاميرة الصغيرة او احتلال الامارة. وهنا يستعين الحاكم بباتريسيو ويخبره انه لا يظلم الناس لكنه ياخذ الضرائب ليقدمها للعدو الجنوبي مقابل السلام والحؤول دون وقوع الحرب. وانه يجب ان يحضر الفارس لكي يتوصلوا لسلاح اوكتيفيا وعطرها السحري عطر الحياة، لكي يواجهوا هذا المعتدي وجيشه. ويتوجه باتريسيو مع محتويات الصندوق الى جبل الظلام حيث يقطن الفارس ويصلون إليه يخبرونه بواقع الحال وخطورة الحاكم المعتدي ويطلعونه على صندوق اوكتيفيا ومحتوياته. وهناك يعلمون ان اوكتيفيا لم تهرب بل ضحت بنفسها رافضة هذا الزواج، لان من يمثل الخير والنقاء لا يقبل ان يكون اداة للشر. ويعود الفارس معهم حاملا سيفه السحري ليكون النصف الاخر لفك رموز عطر الحياة الذي ابتدعته اوكتيفيا . ويصل الى المملكة ويتوصل لاستخراج عطر الحياة ويواجه جيش الأعداء بسيفه السحري سيف الحكمة مستخدما عطر الحياة ليقضي عليهم.
وتنتهي الرواية عندما يتزوج باتريسيو من الاميرة الصغيرة وبذلك يرسل لنا الكاتب اشارة بأن ارادة الحب تصنع المعجزات ويكون بطله الفلاح البسيط هو الحاكم القادم للبلاد بعد والدها…
في التعقيب على الرواية اقول:
اننا امام رواية أقرب للخيال التاريخي. انها رواية العبرة والرسالة والقيمة والمعنى اكثر منها رواية الواقع والوقائع…
صحيح انها تضع يدها على منبع الشر في نفس الإنسان وضرورة الانتصار للخير في النفس البشرية وضرورة انتصار الحب والعدل والمساواة والرحمة، المعاني التي يرددها الكاتب كثيرا في روايته.
كما يضع يده على التمايز الاجتماعي الفقر والغنى والمظالم والحقوق وضرورة العدالة بين البشر.
كما يضع يده على مظلومية الحكام ولو انه ربطها بضرورات خارجية لكن ظلم الحاكم ينعكس على مظلومية اجتماعية عامة كما أن العدل والمساواة عند الحاكم تنعكس على الناس بالمرحمة وتبادل المعروف والإحسان.
وبالنهاية نقول ان اي عمل روائي له رسالته المعلنة ورسالته الضمنية: ان غياب الحديث عن واقع بلادنا سوريا في الرواية يعني انها هي المقصودة في الرسالة الضمنية للرواية…
أعيدوا للمحبة حضورها بينكم، ارفعوا المظالم الطبقية والاجتماعية والسياسية بينكم وعيشوا كما يجب إخوانا متحابين. لتستطيعوا أن تخرجوا من وحل المقتلة السورية القاضية على أي أمل…
هذه رسالة الرواية…فهل من مستلم ؟!!.