انعقدت القمة العربية 28 في البلد الذي يعد أكثر أعضاء المجموعة العربية “وسطية” وأهلية للعب دور الوسيط بين الجميع في وقت أمعن العرب في انقساماتهم , حتى فقدوا الكثير من عوامل قوتهم , والأدلة على ما نقول أكثر من أن تحصى , ولا جدوى من التهرب من الاعتراف بها .
العرب أمة حية , ومكون عالمي رئيسي , ومجموعتهم حتى في ظل وضعها الحالي ذات وزن دولي لا يمكن التقليل من شأنه , وهم مكون فاعل في العالم الاسلامي وافريقيا , وهم جيران أوروبا وشركاؤها في المتوسط . وتتوفر لهم عوامل قوة مادية واستراتيجية وحضارية عظيمة , ولكنها خاملة وغير مفعلة, ولذلك يجب الاعتراف بأن عوامل ضعفها الرئيسية تكمن في الرأس لا في الاساس , وفي الهيكل لا في المحتوى والكيان .
كل شعوبنا متمسكة بعروبتها وتطالب بالوحدة لأن للجميع مصلحة فيها , ولا أحد يتضرر منها سوى أعداء العرب , وكل النخب الاقتصادية والسياسية والفكرية تريد قيام (جامعة عربية قوية) تمثل الأمة وتعمل لها , ولا تخضع لأهواء القادة والرؤساء, ولا ينبغي لنا أن نتردد في القول إن عنصر الضعف الرئيسي في المنظومة العربية حاليا يتمثل في ضعف القيادة والقادة . فللمرة الاولى هناك عالم عربي يقوده رجال غير أكفاء , ولا يمثلون شعوبهم , وعاجزون عن مواجهة التحديات التي يواجهها العرب , العرب يفتقرون حاليا للقادة والزعماء الكبار الاقوياء ذوي البصيرة والاخلاص, ويحكمهم طغاة عاجزون وضعفاء وجبناء وفاسدون . والعجز مرده اهتراء شرعية هؤلاء الحكام , وعداؤهم لشعوبهم , واتكالهم على الدول الكبرى واحتماؤهم بالأعداء من غضب جماهيرهم .
ولعل أهم ما كشفه ( الربيع العربي) اتساع الهوة والتناقض بين الانظمة والشعوب , الى الحد الذي أصبحت فيه العلاقة بينهما علاقة عدائية تناحرية لا يحلها غير القوة . والأمثلة كثيرة ومرعبة , فنظام دمشق أشد عداء لشعبه من عداء اسرائيل للشعب الفلسطيني , وجرائمه افظع , وكذلك علاقة المخلوع علي عبد الله صالح , وهكذا كانت علاقة القذافي بشعبه .
هذه الظاهرة التي تفشت في العالم العربي في العقود الأخيرة هي الأزمة الأخطر ,لأنها أزمة عضوية عميقة تهدد كيان الامة بالتفتت الطائفي والاثني والقبلي والتقهقر الى القرنين 18 و19 . وأخطر ما فيها أنها تتفاقم باستمرار, ولن يجدي نفعا احتفال بعض الانظمة بفشل الربيع العربي وانحساره , فهذا الربيع سيتكرر بشكل أعنف .
ما حدث خلال سنوات الربيع العربي أظهر اصرار الشعوب على التغيير وتمسكها بالتقدم والحداثة والمعاصرة من ناحية , وأكد من ناحية اخرى عجز الانظمة عن قيادة شعوبها الى التغيير المطلوب وتلبية حاجاتها الأولية والاستراتيجية على حد سواء , وأظهر أن الاستبداد والطغيان تجاوزا أقصى درجة يمكن تخيلها أو تحملها , بحيث يتصرف الحكام وكأن الدول والبلاد التي يحكمونها ملكية وراثية خاصة لهم ولأبنائهم , وأن شعوبهم عبيد واقنان وجواري لهم , وإذا تمردت فهم مستعدون للاستعانة بالاعداء للتدخل بقواهم العسكرية لابادتهم . وهذا النموذج من الحكام والانظمة لا يشكل خطرا على بلده وشعبه , ولكنه خطر على مجموع الامة العربية , كما نرى , لأنه لا يسدد لحماته الاجانب ثمن حمايتهم له من جيبه وجيب ابيه , ولكنه يسدد الثمن من سيادة الدولة والوطن والامة ,
والمثال السوري ليس استثناء ولكنه الاكثر وضوحا وكارثية .
والغريب أنه رغم بشاعة ودموية هذا المثال فإن غالبية الانظمة العربية تتعامل مع المأساة السورية باعتبارها مسألة داخلية وحرب اهلية , وما زال البعض يطالب بعودة بشار الاسد الى الجامعة ممثلا لشعبه وبلده مع علمه أن السفاح رجل ايران في المنطقة , وأحد بيادقها مثله مثل صالح اليمني , والعبادي العراقي .
أمام هذا المشهد السوريالي الفاجع لا معنى حتى لإبداء الدهشة والأسف لعدم تبلور موقف قومي يواجه الخطر الايراني الذي يجب أن نعترف بواقعية بأنه يفوق الخطر الاسرائيلي , في هذه المرحلة على الاقل , بدليل أن العرب ما زالوا موحدين في مواجهة العدو الاسرائيلي بعد سبعين سنة , بينما الوعي بخطر ايران ما زال قاصرا وملتبسا . لا يكفي أن تدين القمة العربية ( تدخلات ايران ) في الشؤون العربية , والمطلوب وضع استراتيجية مواجهة شاملة بمستوى ( عاصفة الحزم ) مع العدوان الايراني على أراضي خمس دول عربية قبل أن يتوسع ويطال المزيد من البلدان العربية . ولا بد لمصر أن تتحمل مسؤوليتها القومية على هذا الصعيد مع المملكة العربية السعودية ودول الخليج , ولا بد أن تنبني هذه الاستراتيجية على الاعتراف بمظلومية الشعب العربي الاحوازي تحت الاحتلال الايراني , ودعم نضاله بكل الوسائل , وتدويل قضيته وطرحها في الامم المتحدة .
قمة عمان عكست توازن الأطراف العربية في ظل الانقسامات الحادة , ومن الواضح أن هدف الجميع انحصر في تفادي المزيد من الانقسام , والحرص على الحد الادنى من التسويات والتوافقات , بيد أن هذه المعادلة لا تحقق شيئا كما ثبت من السوابق العديدة .
ونتيجة هذا الوضع لا يمكننا المراهنة على (الجامعة) في وضعها الراهن , فهي منظمة مكبلة ورهينة مؤسسات الحكم , لا سيما المصري الذي يحتكرها, ويتعين على العرب تحريرها وجعلها منظمة محايدة , ويقودها أمناء عامون يختارون من كل الدول بحسب جدارتهم وكفاءتهم , لا من مصر فقط , أي الاخذ بالنظام الذي يعمل به الاتحاد الاوروبي أو الأمم المتحدة , أو منظمة الوحدة الافريقية , أو منظمة التعاون الاسلامي .
العرب أمام تحديات كبيرة , وبحاجة لقادة وزعماء قادرون على قيادة شعوبهم وتحقيق آمالهم وتحسين مستوى معيشتهم وصحتهم وتعليمهم , والدفاع عن الامن القومي العربي المستباح أولا .
العرب اقوياء ولكن انظمتهم ضعيفة وبلا شرعية . العرب أغنياء ولكن انظمتهم لصوصية وحكامهم ينهبون ويسلبون عرق الناس . العرب متقدمون ولكن أنظمتهم متخلفة وبائدة . العرب لا تنقصهم الشجاعة والوعي ولكن حكامهم جبناء وجاهليون .
ولا بد من تغيير المعادلات بربيع عربي آخر إذا أردنا العودة للتاريخ ! .
==============================================
هذا المقال منشور في مجلة الشراع اللبنانية , العدد 368 الصادر في 31 – 3 – 2017