الكتاب هو جزء أول من رسالة ماجستير المؤلف عبد الرزاق حجوز حول الموضوع، مع العلم أنه سينشر الجزء الثاني من رسالته لاحقاً.
اولاً. نود أن ننوه لأهمية الموضوع الذي يطاله الكتاب، وخاصة أننا نمر في العالم الإسلامي والبلاد العربية وسوريا خاصة بظروف سياسية واجتماعية تتطلب موقفا واضحا يستند لمرجعية إسلامية متمكنة وصحيحة، سواء ما حصل بالربيع العربي ، وإجهاضه بتوافق دولي إقليمي مع الأنظمة الاستبدادية الحاكمة، أو من خلال إعادة النمو والانتشار؛ لتنظيم القاعدة وبعدها داعش والنصرة والجماعات المسلحة المقاتلة في صف الثورة السورية؛ وكلها تأخذ مرجعيتها من “الإسلام” سواء كان صحيحا أو خاطئا.
ثانياً. يبدأ الكتاب بالتأكيد على ضرورة إعادة فتح باب الاجتهاد في الإسلام الذي علق سابقا، وبغض النظر عن أسباب ذلك وصحتها في زمانها ومكانها، ويؤكد أن الضرر على المسلمين من اغلاقه كبير، وان مواكبة الحياة ومستجداتها على كل المستويات من أهم خصائص التشريع الإسلامي، لذلك عمد للخوض في الموضوع ومعالجته.
ثالثاً. تحدث الكاتب عن تعريف الاجتهاد المعاصر، وأكد أنه يجب أن يطال كل المستجدات المجتمعية التي لا إجابة مباشرة على مشروعيتها، وعلى كيفية مواجهتها، ورأي الإسلام منها، وخاصة أنها مستجدات كثيرة وعميقة التأثير مجتمعيا.
رابعاً. يؤكد الكاتب على وجود الاجتهاد في الإسلام منذ عهد رسول الله ص ؛ حيث كان يستشير أصحابه في أغلب المستجدات التي يعيشونها، سواء في حياتهم المشتركة أو بالعلاقة مع قريش وغيرها، ويؤكد وجود الاجتهاد في مستجدات أمور الصحابة أيام الخلفاء الراشدين ومن بعدهم، وكذلك عصر التابعين ، و يسوق الأدلة على ذلك من كل عصر.
خامساً. يتحدث الكاتب في مناهج الاجتهاد عند الأئمة الأربعة؛ ويؤكد على مشتركاتها خاصة الكتاب (القرآن) وسنة رسول الله ص الصحيحة، وتختلف بعد ذلك بجزيئات حول الإجماع أو القياس أو الرأي أو اعتماد الحديث والفقه، مفصلا بذلك عند كل إمام على حدى؛ ابي حنيفة النعمان والشافعي ومالك بن أنس واحمد بن حنبل، وإن اختلافاتهم غالبا ما كانت تتعلق بظروف الزمان والمكان، وانها اختلافات بالجزئيات ولا تطال الأصول في الإسلام والشريعة.
سادساً. يتحدث الكاتب بعد ذلك عن الاسباب التي اوجبت إغلاق باب الاجتهاد؛ سواء لكثرة من اجتهد وهو لا يملك شروط الاجتهاد ، والخلط والتناقض، مما حدى ببعض الفقهاء أن يغلقوا باب الاجتهاد ، وإن ما في كتاب الله وسنة الرسول ص واجتهاد الصحابة والتابعين ما يكفي، وعاش المسلمين قرون طويلة عالة على ما انتج سابقا من اجتهادات. مما أدى لتأخر الموقف الديني عن مواكبة مستجدات العصر، ولذات الأسباب المتعلقة بتغير الزمان والمكان والأحوال، ينتصر الكاتب لضرورة فتح باب الاجتهاد، واستدراك النواقص ومواكبة العصر في كل المستجدات.
سابعاً. ينتقل الكاتب إلى الحديث عن الاجتهاد المعاصر، بعد الاطلاع على آراء نخبة من الفقهاء السابقين مثل الغزالي والشاطبي وغيرهم، وتوافقهم على ثوابت القرآن والحديث الصحيح، وأن الاجتهاد فيما لا نص فيه، وتطور المفهوم مع الشاطبي ونظرية مقاصد الشريعة، بالحفاظ على الدين والنفس والنسل والعقل والمال، ودرء المفاسد وجلب المصالح كأساس للشريعة الإسلامية، يجب على المجتهد المعاصر أن يكون ملما بالقرآن الكريم والحديث الصحيح واللغة العربية، وأن يكون ملما بالمستجدات المعاصرة التي يتصدى للاجتهاد لها.
ثامناً. يتحدث الكاتب عن الاجتهاد المعاصر وضرورة الاستعانة بذوي الاختصاص العلمي حول أي موضوع يحتاج لاجتهاد، كما أنه ركز على ضرورة الاجتهاد الجماعي، كمرحلة فرضتها تطورات العصر، وتعقيدات الحياة وعصر الاتصال والتواصل المباشر والسريع بين المجتمعات، وفصل بالحديث عن الاجتهاد المعاصر فيما يتعلق بالنص ومرجعيته الإسلامية، وفيما يتعلق بالواقع و ضرورة قراءته بدقة علمية.
تاسعاً. تحدث الكاتب عن ضوابط الاجتهاد المعاصر يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، سواء للمجتهد ذاته ودرايته بما هو مقدم عليه إسلامه وتمكنه من موضوعه، وعدم وقوعه ضحية المنبهرين بالغرب أو المتزمتين عند السلف أو أنصاف المثقفين أو المغرقين بالواقع.
وضوابط للمجتهد لهم أو لواقعهم، وكذلك ضوابط منهجية معرفية وفقه الأولويات؛ الضروريات ثم الحاجيات ثم التحسينات، والاعتماد على التكامل المعرفي، والاستفادة من العلوم الأخرى المكملة لنضج الاجتهاد وصحته، وعدم السقوط في المذهبية أو الفردية، والعمل لخلق فرص حصول اجتهاد جماعي.
ويتوقف الكاتب عند عوائق الاجتهاد المعاصر، مركزا على رفض التعصب على تنوعه، ورفض القمع الفكري، وعدم الوقوع ضحية تعدد المجامع الفقهية.
وحذر من مزالق الاجتهاد المعاصر؛ كسوء التعامل مع الواقع أو تحكيم العقل باسم المصلحة على حساب الشرع،أو الإفراط بالتيسير، أو التفريط بالتزمت.
وتوقف عند عوامل الرقي بالاجتهاد؛ سواء إحداث شعب دراسات تخصصية حول الاجتهاد في كليات الشريعة، وتفعيل المجامع الفقهية ودفعها للتواصل والتكامل، والتعامل مع احتمالية الخطأ من المجتهد والاجتهاد، والعمل دوما للتعلم من ذلك وتجاوز الخطأ نحو الأصح المطلوب.
أخيرا يختم الكاتب بالتأكيد على ضرورة وحتمية الاجتهاد المعاصر، وضرورة إعطائه حقه من الاهتمام الذي يعيد تفعيل حضور الإسلام في الواقع بالطريقة الأفضل، محققة جوهر الإسلام ومقاصده في حياة الناس.
.وفي قراءتنا للكتاب نقول: بعد التأكيد على أهمية الموضوع، وأهمية الجهد البحثي للكاتب، ننتظر الى تحويل الاجتهاد المعاصر إلى واقع ، والانتقال إلى إنزاله على الواقع والإجابة – قدر الإمكان – عن أسئلة العصر.
ثم:
.كنا نود أن يجاب عن أسئلة مازالت تحتاج لاجابة كمسلمين وباحثين، عن درجة خضوع الفقه ورجال الدين إلى السلطات السياسية في تاريخنا، منذ ما بعد الخلافة الراشدة الى الان، وان رجال الدين انقسموا بين فقيه سلطان، أو ثائر عليه ،أو صامت – تقية- عنه، وما انعكس هذا على الاجتهاد تاريخيا، بحيث تضخم اجتهاد العبادات على حساب اجتهاد الواقع أو السياسة، والى اي درجة انسحب ابعاد جوهر الإسلام المقاصدي عن السياسة، ليبتعد عن شؤون الحياة، ويدخل بالجمود ، ويؤدي لتخلف المسلمين ، و التأخر و الهزيمة التاريخية منذ قرون.
.وكذلك نعتقد ان هناك نقص في إعادة قراءة نظرية المقاصد في هذا العصر، بحيث تصل الى الاقرار بالمطابقة بالنتائج بين الحق الإلهي كنصوص قرآن وسنة صحيحة، وبين القراءة العلمية للعالم وحركة المجتمعات لتحقيق حياة الإنسان الافضل، كمواطنة وعدالة ومساواة وتشاركية ومواطنة حقوق انسان وواجبات، زيادة على المقاصد الشرعية للإسلام المثبتة اصلا؛ بالحفاظ على الدين والنفس والنسل والعقل والمال.
.ونعتقد أن تعدد المذاهب الدينية في الإسلام السني، و اللا مذهبية، والتوجهات السياسية باجتهادات متناقضة أحيانا و متصارعة على الأرض، ويضاف إليها الاختلاف الطائفي في الإسلام نفسه ، وبين المسلمين، بين سنة وشيعة وعلويين ودروز واسماعيلية واباضية وزيدية… الخ. والخلاف في التحزب السياسي رغم أنها تدعي كلها مرجعية الإسلام عقائديا عندها، والخلاف بينها في بعض الأحيان عقائدي صميمي، فكيف لنا أن نقرب بينها ونصل لاعتراف متبادل اولا، ثم لننتقل إلى أن نجتهد معا كمسلمين لمستقبل أفضل، إن ذلك صعب، والواقع أن الحالة أقرب إلى صراع دموي ترعاه دول مستفيدة، تدعي انها سنية أو شيعية، تحمي مصالح عصب مستبدة وتوقد نار الحروب بالشعوب بتنوعها المذهبي أو الطائفي، وعالمنا العربي والإسلامي وما يحصل في سوريا في أحد أوجهه يؤكد ذلك.
لذلك نحن بأمس الحاجة لمغادرة التزمت عند الخلفيات العقائدية لكل الناس مع احترام كل العقائد ، والوقوف عند المساواة الإنسانية في الحقوق والواجبات وأمام القانون، وحسب نظرية المصلحة الاجتماعية العامة لكل أبناء المجتمع، الممكنة الإدراك علميا، والممكنة تحقيقها واقعيا، ومتابعة ذلك على كل المستويات.
وان يبقى هامش الديني عند الإنسان تعبدي وجداني أخلاقي وما يتصل بالأحوال الشخصية دينيا، وإعادة المجال العام السياسي ليكون للمجتمع كله ، على قاعدة المواطنة المتساوية والحقوق المضمونة بالدولة الوطنية الديمقراطية والقانون.
.اعرف ان الموضوع اكبر من ان يتم تناوله بعجاله لكن الكتاب المقروء والمقام استوجب ما قلناه، وللحديث صلة.