تتصاعد حدة النبرة الإعلامية بين الأتراك والروس، بما يخص الذي يجري في الشمال السوري، وتتراكض الدول الأوروبية تباعًا، لعقد اجتماع رباعي، يحد من هذا التصعيد، الذي يفتح الباب على مصراعيه نحو مزيد من العنف الأسدي الروسي ضد شعبنا السوري المكلوم، ويبدو أن الخلافات الروسية التركية، التكتيكية قد وصلت إلى حد جد خطير، ينذر بحرب أو احتكاك مباشر وليس بالوكالة هذه المرة.
لكن المتابعون للمسألة يستبعدون أي حرب مباشرة بين الدولتين من منطلق أن بينهما مصالح اقتصادية كبرى، وحجم تبادل تجاري تجاوز عتبة ال 30 مليار دولار في العام الفائت، علاوة على المصالح الجيوسياسية التي تحول دون ذلك، إلا أن البعض لا يستبعد بعضًا من هذا التصعيد، ضمن أتون التكتيك وليس الاستراتيجيا.
الأكاديمي السوري الدكتور أحمد خليل الحمادي قال للمدار نت أن “تركيا باتت تعتبر الشمال السوري و ما يجري فيه أحد مقومات أمنها القومي وهي مستعدة للزج بكل ثقلها وامكانياتها العسكرية والسياسية والاقتصادية والدبلوماسية والبشرية للحفاظ عليه وهذا ليس مرتبطًا بالحزب الحاكم فقط بل بغالبية الأحزاب التركية، والرئيس أردوغان قال مرارًا وتكرارًا ما فحواه : (أن هذا الأمن لا يتحقق إلا بإقامة منطقة آمنة في إدلب، يقيم فيها النازحون وتكون قوات الأسد والميليشيات الإيرانية بعيدة عنها ) ، و تركيا جادة في هذا المسعى وتعمل عليه بكل ما أوتيت من قوة، هذا ما يخص تركيا، أما ما يخص روسيا فهي تستشعر بخطورة تورطها في المواجهة المباشرة مع تركيا وربما تستفيد من تجاربها السابقة الأليمة لها في أفغانستان وغيرها، و تدرك جيدًا بأن أي خطوات غير محسوبة ومتهورة قد تجلب لها الخسائر الفادحة، مع دولة ليست بالسهلة ولها قواها الذاتية الكبيرة وعلاقاتها وتحالفاتها، فقد يتحول ذراعها العسكري الطويل وقواها الضاربة إلى هشة ومكسورة، فسلاح طيرانها الذي يصول ويجول دون رادع في السماء السورية، قد يعتريه الوهن والمهانة والتحطم، ورأينا خلال الأيام القليلة الماضية الرسائل العنيفة للسلاح الجوي في الشمال السوري بإسقاط عدة طائرات مروحية واستطلاع بدون طيار، والذي سيتبعه لاحقًا فيما إذا تطور الموقف لحافة الهاوية خسارات جسام وتترجم لخسارة الأرض المسيطر عليها قديمًا وحديثًا . ” الحمادي أضاف ” روسيا تطلق التهديد والوعيد ولكنها على دراية تامة بأنها ليست قادرة على مواجهة حلف الناتو، فيما إذا تمكنت تركيا من إدخاله الحرب، إذا ما وقعت والذي سيجعل روسيا مجرد منفعل غير فعال على ما سيجري، وربما تتحول من المهاجم صاحب العضلات المفتولة على العُزَّل السوريين والثوار بأسلحتهم البسيطة، مقارنة بترسانتها الضخمة، إلى لعب دور المنفعل واهن العضلات المفكر بحماية أسطوله الجوي وقطعه البحرية الخردة المتهالكة، وقواعده وقواته على الأرض السورية، والتي ستصبح دمارًا لو تم تزويد الثوار بالأسلحة النوعية لمواجهتها، وهم الكفيلين بذلك خلال فترة بسيطة من الزمن، لكل هذا لا أظن بأن روسيا ستغامر وتتورط في مواجهة مع تركيا، من أجل نظام متهالك آيل للسقوط وأصبح من الماضي، أو في حكم الساقط ، و روسيا ليست القادرة على حمايته من قانون قيصر ومضاعفاته ومن العقوبات الأوروبية، وبالتالي لن تجازف بالمقامرة بعلاقاتها التجارية والاقتصادية و العسكرية وغيرها والتي كان منها صفقة منظومة صواريخ الدفاع الجوي اس 400 وخط سيل الغاز المسال التركي وغيرها الكثير الكثير ، مع عدم استبعادي لإمكانية حدوث تماسات وتصادمات بسيطة، سرعان ما سيتم ضبطها وتحاشي مضاعفاتها ولملمتها “.
العقيد السوري المنشق والمحلل العسكري فايز الأسمر أكد لنا ” أنه ومن خلال التدقيق في خارطة العمليات والحشودات والتحركات وأماكن تركيز الضربات الجوية والصاروخية للروس وقطعان النظام وعلى الريف الجنوبي لإدلب وبلدات جبلي الزاوية وشحشبو، فإننا نستطيع قراءة ما يلي:
_ سيقوم الروس والنظام وميليشياته بمحاولة عزل وتقطيع أوصال وحصار ريف إدلب الجنوبي بفصله جغرافيًا عن إدلب وخاصة جبلي الزاوية وشحشبو، نظرا لوعورتهما وتحصينهما وصعوبة القتال فيهما واحتمال تكبدهم الكثير من الخسائر في العدة والعتاد عند اقتحامهما.
_ المخطط الروسي ولتشتيت الفصائل وإرباكهم وزيادة الضغط عليهم وتثبيتهم ومنعهم من المناورة والاسناد من محور لآخر سيقوم بإشغالهم عبر فتح العديد من المحاور الهجومية من مناطق سيطرته في معرة النعمان ومحيطها وكفر نبل وباتجاه بلدات كفر نبل وبسقلا ومحاور أخرى عكسية من مناطق سيطرته في بلدة الحاكورة في سهل الغاب وأيضًا باتجاه كفر نبل بخرق عرضاني وتوسيعه لإتمام فصل ريف إدلب الجنوبي وحصار الفصائل فيه أو انسحابهم”.
من جهته قال المعارض السياسي والكاتب عزت شيخ سعيد ابن الغوطة الشرقية “علينا أن نذكر ونتذكر أن جميع القوى التي تدخلت في الحالة السورية إنما تدخلت لتحقيق مصالحها بملفاتها المختلفة ولم تتدخل لدعم الثورة السورية أو لإيجاد حل يتجلى بوقف إطلاق النار والدخول بعملية سياسية تفضي إلى الحفاظ على سورية موحدة وتشكيل حكومة تسعى لبناء دولة وطنية عصرية متصالحة مع جيرانها، ولا تسعى لاصطفافات تضر بمصالحهم وكان ذلك ممكنًا فيما سبق من السنوات والأيام، لكن دخول روسيا (وهي دولة عظمى تتساوى بالقوة العسكرية مع الولايات المتحدة) غير الكثير من إمكانيات إيجاد أي حل لا ترضى عنه روسيا. روسيا القادمة إلى الساحة الدولية لإثبات الوجود (كقوة عظمى) على الأراضي السورية وعلى حساب الموت والخراب والدمار السوري، تعلن وقوفها ضد الحل العسكري وتؤيد الحل السياسي أما على أرض الواقع فهي تفعل العكس تمامًا. تبرم اتفاقات (آستانا وسوتشي مثالًا) ثم تعمل عكس ماورد فيها (على الأقل ما وصلنا منها من تسريبات). استراتيجية روسيا تقوم على دعم النظام لفرض سيطرته على كامل سورية لتكون لها الكلمة الأولى والأخيرة عندئذ وعلى كامل سورية” ثم قال ” أما تركيا فيبدو أنها لا تملك الجرأة ولا الشجاعة لاتخاذ أي موقف حقيقي دون الرجوع لاستشارة واشنطن وروسيا أيضًا مخافة أن تكون أي خطوة تخطوها هي خطوة في الفراغ، أو تدخلها في فخ لا تعرف الخروج منه أو أن الخروج منه سيكون مكلفًا لها، والخطاب السياسي التركي يعتمد دائمًا على أن تدخله في الوضع السوري إنما سببه ومرده حماية الأمن القومي التركي والمصالح التركية. وهو خطاب موجه إلى الداخل التركي (لحشد الشارع التركي معه) وموجه أيضًا إلى الخارج (لخفض توتر المواقف الخارجية التي غالبًا ما تقبل التبرير بالحفاظ على الأمن والمصالح) وموجه إلى السوريين كذلك بأنهم معنا (مع التذكير أن بضعة ملايين يعيشون في تركيا ويجب إظهار التعاطف مع بلدهم منعًا لأي توتر محتمل) وأخيرًا وصول الصراع بين روسيا وتركيا إلى حالة الحرب لا أعتقد أنه يندرج ضمن الاحتمالات القائمة، فروسيا بأي تحليل ساسي هي دولة عظمى وتتمتع بإمكانيات الدولة العظمى وخاصة على المستوى العسكري. كل ما يمكن قوله أن الساحة السورية تحولت إلى صراع دولي ندفع ثمنه موتًا وخرابًا وتدميرًا وتشريدًا ولا يبدو أن أحدًا يلتفت إلى عذاباتنا
ولا يبدو كذلك أننا (كسوريين) نستطيع فعل شيء مالم تتوافق الإرادة الدولية على إيجاد حل يفضي إلى إسكات صوت الرصاص الذي علا على كافة الأصوات”.
أما المعارض السوري قاسم الخطيب فأكد أنه “من المستبعد جداً أن يقع أي صدام تركي _ روسي مباشر بالنظر إلى المخاطر الكبيرة التي تهدد الطرفين في حال وقوع مثل هذا الصدام. تركيا في حلف الناتو رسميًا وهناك تصريحات واضحة بدعمها في أي مواجهة، كما أن روسيا أسست في السنوات الماضية مع الطرف التركي لعلاقات مستدامة واستراتيجية على الصعيد العسكري والاقتصادي والسياسي. من المستغرب في ظل تأكيد الطرفين على حل خلافهما بالحوار والتفاهم والتمسك بمخرجات أستانة وسوتشي، هذا الحديث عن صدام ومواجهة بين الطرفين يشير إلى أن هناك خلافات بسيطة وظاهرة لا ترقى إلى حالة صدام مباشر، وكل طرف يحاول أن يوصل رسائله للطرف الآخر عبر وسيط بينهما، الروس عبر الطرف السوري، والتركي عبر حلفائه من الفصائل وغيرهم، هي أزمة وامتحان أعتقد سيعبره الطرفان وللأسف ربما على حساب السوريين”.
المصدر: موقع (المدار نت)
لمزيد من الغرق في الرمال السورية امريكا ستسعى بكل قوة لإيجاد مناخ ملائم لتصادم تركي روسي وهي بارعة في ذلك