ابتسام تريسي روائية بدأت تنشر انتاجها بعد الألفين.. وقرأنا لها روايتين سابقتين .غواية الماء .وعين الشمس.. روائيه حققت بكتابتها الحضور الانساني بكل ابعاده ووصلت باحدى رواياتها لقائمة جائزة البوكر.. هي ابنة سوريا وروايتها هذه هي بداية تشكيل ذاكرة الثورة السوريه.. في مخاض الثورة وبداية ولادتها.. لذلك لها نكهة الحضور المباشر بروعته ورعبه واستثنائيته وانسانيته الحاضره بابطاله والمهدورة من القمع الاسود..
.ابطال الرواية هم بطلتها التي تلبست شخصية الكاتبه.. والعكس صحيح . هي سرد وتفاعل وبلغة المتكلم ..كل ابطالها حاضرون ومتكلمون ولهم هويتهم وهمومهم وحضورهم وقضيتهم التي يعبرون عنها.. ام نور الروائيه وابنها نور الناشط في الثورة واصدقاؤه الناشطين الاخرين..ابو الزلف ابن النظام والسينمائي نورس والناشط الميداني وعلى النت حنظله ..وغيرهم كثير.. الرواية تنسج خيوطها عبر تسلسل في الحدث وفي حضور الابطال وبوحهم الحميم ..المؤلم والفرح والشفاف.. يعني الانساني بكل معانيه..
.ام نور معلمه لم تأخذ فرصتها بالتعليم.لاسباب سياسية لانها سليلة اسرة معارضه. وجدت ذاتها عبر العمل الادبي قصة و روايه.. فاجأها كما كل السوريين ان هناك استجابة لنداء الاعماق داخل كل سوري لرفض العبوديه والقهر والاستبداد والالتحاق بالربيع العربي . والعمل للحرية والكرامة والعدالة والدولة الديمقراطيه..ببداياتها عبر اطفال درعا وكسر حاجز الخوف وعبر شباب سوريا الذين خرجوا تباعا يندهون للحرية .. وتطورت الاحداث لتكون شاهدا على تطور الربيع الذي اصبح ثورة ولترصد بعين الروائي الذي يمتد للتاريخ لينتهي تدوين النص في آخر عام 2012. سيشارك ابنها الطالب الجامعي الموجود في دمشق والساكن في مخيم اليرموك في نشاط التظاهر والعمل الميداني والامداد الاغاثي وكل المناشط. وستأتي باحثة عنه ومشاركة في متابعة الحالة . هي من اريحا ابوها وعائلتها من المعارضين للنظام ..ولادلب ذاكرة مفعمة بالالم من نظام سقى كل المدن السورية جرعات القمع والقتل والتدمير والاعتقال منذ الثمانينات .ستعود عبر ابطالها العابرين في الرواية من شهود تلك الايام المريرة لتتحدث عن حماة وجسر الشغور وغيرهم .في الثمانينات والان .نفس الاليه والوحشيه القتل والتنكيل والتمثيل والاغتصاب والتشريد.. سيكون هناك ضحايا سنرى من فقد عقله وفقد بعض جسده او احبابه..لكن الكل يحمل ذاكرة ممتلئة بحيقة ما جرى ويجري وان الثورة كانت حتمية في ضمير الناس تنتظر الحضور وحضرت .. سيواجه النظام التظاهر بالعنف المتدرج..النظام الحاضر بكونه صانع فعل القتل والقمع والاعتقال والاغتصاب والتدمير والتهجير ..لكنه ليس حاضرا كمتكلم انه الظلم والظلام والاظلام.. والعدم .. سنلتقي عبر الرواية بابو الزلف العسكري المتطوع .ابن العسكري المتطوع الذي قتل بحرب 73. معبأ بروح التماهي بالسلطة وحاكمها المطلق كإله .الشاذ جنسيا القاتل الذي يعتبر قتل الاخرين المختلفين مع النظام رسالة إلهيه.. سنتعرف على محطات الثورة السوريه في السنه والنصف الاولى .الجمع وتسمياتها والحضور الشعبي والقمع والاعتقال سندخل لاغلب المعتقلات في طول البلاد وعرضها . سنتعرف على الوحشية في التحقيق وعلى القتل المجاني والاذلال والاغتصاب ..وسنرى ناشطين ثوار استنبتتهم الثورة والشعب من رحم الحرية ليصنعوا امجادا ستخلد سوريا والسوريين لعشرات السنين..عبر النشاط في التظاهر والاغاثه والاعلام والاسعاف .. سنلتقي بنورس الذي انتج فلما عن الديكتاتور ويعتقل على الحدود عائدا للوطن. ويزور كل المعتقلات والسجون وليكون ذاكرة للثورة. سيعيش الالم والرعب واحتمال القتل .كله بعين المخرج الذي سيعود ثانية لينتج المأساة ليخلدها عبر عمل سنمائي جديد..سنلتقي بحنظلة ..فلسطين والفلسطينيين حاضرون في ثورتنا..ناشط يرصد الثورة حيث هي في كل مواقع تواجده ويستحضرها لام نور لتسجلها للتاريخ.. يتابع في حمص والشام وحماه ومخيم الزعتري.. سنلتقي بالابطال الحقيقيين في ثورتنا السوريه .هم الناس العاديون اللذين يقومون بواجبهم دون تبجح وادعاء وكلمات كبيره جوفاء..سنعيش مع ام نور وابطالها كل اللحظات بالمها وفزعها وسنستشهد مع الشهداء في الحواجز الطيارة والمعتقلات وتحت القصف في حمص وكل الحواضر السوريه..ام نور تثور وتتابع ابنها نور كام وكوطن ونور كابن للوطن.. كل السوريين ام نور امنا سوريا .. وكل ابناء سوريا نور العطاء والضياء والتضحية والشهادة ايضا..
.ستستشهد ام نور مع طاقم المسعفين في سيارة الاسعاف عند حاجز طيار…
.هنا تنتهي الروايه..
.لكن الحدث الثورة لم ينتهي بعد وسيحصل متغيرات كثيره عبر سنتين اخريتين لم ترصدهم الروايه . وسيكون مادة لعشرات الروايات الاخرى.. سيتحول النظام لقتل البشر عقابا لهم انهم اهل للثوار سننتقل للتسليح .ستصبح المظاهرات والسلميه رمزيه.. ستدمر مدن ملايين المنازل في حلب وحمص وريف دمشق وكل المدن السوريه سيشرد ملايين السوريين في الخارج وملايين في الداخل ستطول الحكاية وستتدخل قوى دوليه واقليميه سيحضر العمل المسلح .ويضمحل الجيش الحر .وستصعد القوى المتطرفه .ليعاد وصف ثورتنا من ثورة الحريه والعدل والديمقراطيه .لصراع اهلي طائفي .وسيعاد رسم المنطقه من جديد. ولكن بدمنا وقتلنا وتشردنا وضياع مستقبل اولادنا.. ستبقى شمس الحرية والعدل تنير حراك ثورتنا مهما طال الطريق ومهما حدثت من متغيرات..
.في الرواية نقص مقصود وهو رسم صورة النظام المستبد الطائفي.. ضمن مشاعرية وطنية واضحه. خوفا من وصمة الطائفيه التي نعتبرها نحن الوطنيين السوريين الديمقراطين عارا .لكن انارة صورة النظام كنظام قمعي مستبد يستخدم طائفه ويورطها ويستدعي امتدادها من الخارج .ومن مكنونات التخلف وقراءة التاريخ كمرض وليس كمعبر للحريه. كانت ستقدم الصورة كاملة وستكون شهادة للعصر وولادة لرواية الحريه في سوريا.. ورغم ذلك :هي كذلك..
.شكرا ابتسام ..شكرا لك حضرت كام وكوطن وكانسان ومن خلال كل انسان تمثلته في روايتك.. يكفيك فخرا ان روايتك تعانق حلم الانسان الاول ومجده ومبتغاه…الحريه..