في إحدى الندوات الحوارية السياسية الجادة على النت تساءل أحد المشاركين ” هل مازلنا في الثورة أم أن الثورة انتهت ؟ أريد جواباً ” وهو سؤال صادق وجدي لكنه لايجد اليوم إلا القليل ممن يرغب في الإجابة عليه . تبتدىء كل سياسة ذكية بوضع العواطف والرغبات جانبا والإعتراف بالوقائع الموضوعية مهما كانت قاسية , فالثورة السورية قد فشلت وانتهت كحركة سياسية على الأرض , لكنها باقية بروحها وهدفها النهائي وبتصميم الشعب السوري على ذلك الهدف . واهم من يعتقد مثلا أن ” الجيش الوطني ” يمكن أن يقدم أو يؤخر شيئا ذا قيمة في المشهد السياسي العام اليوم أو غدا , وواهم من يراهن على رافعة خارجية ستعيد تعديل التوازن الذي لم يعد قائما بين النظام السياسي والمعارضة . واهم من يعتقد أن الدول العظمى أو الإقليمية ستسعى لتحقيق أهداف الثورة أو بعضها أو قليل منها أو أنها ستفتح طريقا لذلك . الثورة السورية انتهت ليس الآن لكن منذ أن تحولت من السلمية إلى حمل السلاح , فحمل السلاح حمل معه تدخل الخارج وتحكمه بالفصائل المسلحة , والفصائل المسلحة حملت معها التحكم بالثورة وطابعها ومصيرها , بما في ذلك إفساح المجال للتطرف الإسلامي للدخول وتسيد المشهد لاحقا . انتهت الثورة السورية مع حمل السلاح لكن مابقي هو مواجهة غير متكافئة بين شعب أعزل بدون سند ونظام سياسي مدعوم حتى العظم من الشرق والغرب لدرجة أن أحدا لايريد أن يراه وقد سقط . أما حكاية الحصار والعقوبات فهي تتم لأهداف أخرى مثل إعادة انتاج النظام وإبقاء سورية كدولة بحالة الضعف والتمزق والإنقسام الواقعي . والآن نحن في مرحلة مختلفة سياسيا , مرحلة إعادة التأسيس من نقطة الصفر . ومن أجل إعادة التأسيس لابد من نقد المرحلة السابقة , واستخلاص العبر والدروس . وأول مايجب التوجه لنقده هو الخطيئة الأم التي تولدت منها الأخطاء اللاحقة وهي حمل السلاح . اللجوء للعنف المسلح بمواجهة عنف النظام دفع للأمام بالطائفية والتطرف الإسلامي وقضى على الطابع الوطني – الديمقراطي . لاحقا وضع مقاليد الأمور بيد الفصائل المسلحة التي وضعتها بيد الجهات الممولة الخارجية هكذا بدلا من أن تدار الثورة ممن يفترض كونهم القيادة الثورية – السياسية أصبحت ” الثورة ” تدار من غرف الموك والموم في تركيا والأردن . فهل يصح بعد ذلك أن تبقى ” ثورة ” ؟ درس خطيئة حمل السلاح ليس درس الماضي فقط بل هو درس الحاضر والمستقبل . فمخطىء من يدعو لاستبدال حرب المدن بحرب العصابات، ومخطىء من يربط مستقبل الحركة الوطنية – الديمقراطية ب” الجيش الوطني ” وملحقاته . مستقبل الحركة الوطنية – الديمقراطية هو في النضال السلمي المتعدد الأدوات السياسية – الثقافية – الفكرية – الإجتماعية الطويل النفس، وذلك أول درس ينبغي أن نتفق حوله للمرحلة القادمة .