عقد نواب وزراء خارجية سوريا وتركيا وروسيا وإيران، الثلاثاء، اجتماعاً رباعياً، بعد يوم من المشاورات الثنائية بين الأطراف المشاركة، في العاصمة الروسية موسكو، بحضور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف. ونقلت صحيفة الوطن شبه الرسمية، عن مصادرها، أن المباحثات تجري وسط إصرار دمشق على مبادئها الخاصة بالحصول على ضمانات بانسحاب تركي من أراضيها ووقف دعم الإرهاب، وسعي روسي للتوصل إلى صيغة توافقية وإصرار تركي على الاستثمار الانتخابي لهذا الاجتماع.
ولفتت المصادر إلى غياب أي تصريح أو تأكيد رسمي تركي علني حتى الآن حول الاستعداد للانخراط جدياً في المباحثات بناء على هذه الثوابت، مشيرة إلى أن رفض الجانب التركي الخوض في المباحثات على هذه الأسس والتعهد بالانسحاب من الأراضي السورية سيعني بالضرورة أن الاجتماع لم يصل إلى نتائج يمكن البناء عليها للتقدم نحو الخطوة السياسية والأمنية التالية.
وأشارت المصادر إلى أن البعد الانتخابي الذي يقف خلف الموقف التركي، حيث يسعى إلى استثمار الاجتماع انتخابياً إلى أقصى درجة، مؤكدة أن الجانب السوري يريد ضمانات موثقة عبر بيان يخرج من الاجتماع يلزم به جميع الأطراف بتنفيذه، حيث يمهد التوصل لمثل هذا البيان للخطوة السياسية التالية المتمثلة بلقاء وزراء خارجية الدول الأربع. وعشية الاجتماع الرباعي أعلن النظام السوري، التمسك بموقفه المعلن لناحية ضرورة “إنهاء الوجود التركي غير الشرعي على الأراضي السورية”، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية، ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله.
وشهد يوم الاثنين، اجتماعات ثنائية تمهيدية بين وفود مشاركة حيث التقى وفد النظام السوري برئاسة معاون وزير الخارجية والمغتربين أيمن سوسان الوفد الروسي برئاسة الممثل الخاص للرئيس الروسي- نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف، وجرى خلال اللقاء التشاور والتنسيق بين الجانبين، بخصوص الاجتماع الرباعي. وأكد سوسان “ضرورة إنهاء الوجود التركي غير الشرعي على الأراضي السورية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية، ومكافحة الإرهاب بكل أشكاله”.
حول الاجتماع
وجدد حسب صحيفة الوطن المقربة من النظام السوري، موقف بلاده باستمرار العمل لضمان احترام سيادة سوريا ووحدة وسلامة أراضيها. كما التقى سوسان مع كبير مساعدي وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية الخاصة علي أصغر خاجي، ودار الحديث خلال اللقاء حول الجوانب المتعلقة بالاجتماع الرباعي لمعاوني وزراء خارجية سوريا وروسيا وإيران وتركيا، في ضوء التنسيق المشترك بين الجانبين. ولفت المصدر إلى تطابق “وجهات النظر خلال اللقاء الذي حضره أعضاء الوفدين السوري والإيراني حول التأكيد على احترام سيادة سوريا ووحدتها وسلامة أراضيها، وإنهاء الوجود التركي غير الشرعي على الأراضي السورية”. وكانت قد كشفت وكالة الصحافة الفرنسية مساء أمس أن وزير الخارجية الروسي سيبدأ غداً زيارة لتركيا تستمر ليومين، وذلك عقب اجتماع نواب وزراء خارجية تركيا وروسيا وإيران وسوريا.
الكاتب السياسي السوري، باسل معراوي، اعتبر أن الغاية من الاجتماع الرباعي “ليس حل الخلافات بين أنقرة ودمشق” بل الهدف وفق رأيه “رسم مسار جديد للحل في سوريا”. واعتبر معراوي في حديثه مع “القدس العربي” أن هذه المنصة الرباعية “ناقصة شكلاً وموضوعاً في ظل غياب المعارضة الرسمية السورية الحليفة لأنقرة والتي تتمتع باعتراف قانوني دولي… ولاكتمال الصورة والدور والهدف لا بد في الاجتماع القادم أو المدى القريب جعله مساراً خماسياً بانضمام الائتلاف إليه، وبذلك تصبح شروط الحل وأدواته ممكنة”.
وأبدى المتحدث اعتقاده بأن هذا المسار، لا يتمتع بأي فرصة حقيقية للنجاح، عازياً السبب إلى أن “الملف السوري ملف دولي يوجد به لاعبون آخرون أقوياء وبإمكانهم التعطيل وأهمهم بالطبع الولايات المتحدة والاتحاد الاوربي والذين يرفعون لاءاتهم الثلاث: لا للتطبيع.. لا لإلغاء العقوبات أو تخفيفها، ولا لإعادة الإعمار قبل الدخول في تطبيق الحل السياسي الدولي وفق مفردات القرار 2254”. وقال: من المتوقع أن يلتقي وزراء الخارجية الأربعة في هذا الشهر… وذلك للتدليل على رفع مستوى المباحثات الجارية ونجاحها إلا أن أي قمة بين أردوغان والأسد من المستبعد أن يتم انعقادها قبل الانتخابات التركية. وأضاف: نبعت فكرة الانفتاح التركي على النظام خلال قمة أستانة في طهران والتي عقدت في تموز الماضي بعد الرفض الأمريكي والروسي والإيراني لأي عملية عسكرية تركية في الشمال السوري… وكانت الغاية منها بحسب ما أقنع الروس الأتراك تحقيق أهداف العملية العسكرية بعملية سياسية لإصلاح ذات البين مع النظام السوري.
وفاجأ الأسد الجميع في موسكو في زيارته الأخيرة بتأكيده على الشروط المسبقة التي تم طرحها في بدايات المبادرة الروسية وأعاد عقارب ساعة التطبيع إلى الصفر وهما شرطان تعجيزيان لا تستطيع أنقرة الالتزام بهما مسبقاً وهما الانسحاب التركي العسكري من الأراضي السورية ووضع جدول زمني قصير وواضح (ويتكلم النظام عن 6 أشهر كحد أقصى) مع إيقاف دعم أنقرة للمعارضة السورية (بشقيها العسكري والمدني). وتعطل اجتماع نواب وزراء خارجية الدول الأربع المزمع عقده أواسط آذار الماضي، وبذلت الدبلوماسية الروسية ضغوطاً كبيرة على كل الأطراف لإتمام عقد الاجتماع المذكور والذي تحدد له 3 نيسان وتم عقده أمس الثلاثاء واليوم.
مسار استراتيجي
بالنسبة للأتراك والروس فهو مسار استراتيجي لحل المسألة السورية برأي المتحدث، ومن ضمنها إصلاح العلاقات بين دمشق وأنقرة… ويهدف المسار الرباعي القوي على الأرض إلى أن يكون بديلاً لمسار جنيف الدولي. أما الجانب الإيراني “فلا يرى مانعاً من ذلك ولكن يخشى من ازدياد الدور التركي في سوريا بالتنسيق مع الروس على حسابه مع أن زيادة هذا الدور مرحب به إقليمياً ودولياً مقارنة بالدور الإيراني”. وأضاف: يستفيد الرئيس الروسي من نجاح هذا المسار بتسجيل فوز هام على خصمه الأمريكي في سوريا وإبراز دور موسكو كقوة عظمى لم تنل منها الحرب في أوكرانيا. بينما يستفيد الرئيس التركي من ذلك في حملته الانتخابية ويبني تحالفاً جديداً مع النظام والجانب الإيراني والروسي لإخراج القوات الأمريكية من شرق الفرات وبالتالي تبخر “قسد” واختفائها من المسرح. بينما يفضل النظام السوري اللعب على التناقضات بين الدول الثلاث والاستفادة من هوامش الحركة المتاحة له لتقديم نفسه كمنتصر في الحرب ولاعب أساسي في الملف السوري لا يمكن تخطيه.
وتواجه المصالحة السورية – التركية جملة من العقبات التي تعترض سبيل هذا التقارب وهي وفق دراسة للمركز العربي للأبحاث: أولًا، أن النظام السوري يحاول استغلال حاجة حزب العدالة والتنمية الانتخابية إلى حل موضوع اللاجئين والأكراد بفرض شروط يصعب على تركيا قبولها، وأهمها: وضع جدول زمني للانسحاب التركي من الأراضي السورية، والتخلي عن دعم المعارضة، وإعادة إدلب الخاضعة لسيطرة فصائل منها إلى النظام، واستعادة السيطرة على معبر باب الهوى بين تركيا وإدلب. هذه المطالب وفق المصدر أقرب ما تكون إلى فرض شروط استسلام على تركيا التي لن تتمكن من تنفيذها ما لم يتعهد النظام بالانخراط في مفاوضات جدية مع المعارضة للوصول إلى تسوية سياسية، وهو أمر لن يقبل به النظام على الأرجح.
ثانيًا، عدم وضوح الموقف الأمريكي بخصوص أي تقارب بين تركيا والنظام السوري، فالولايات المتحدة، تبدو حتى الآن متمسكة بتحالفها مع “قسد”، وما لم تصبح جزءًا من أي تفاهم بشأن سوريا، فالأرجح أن النظام والروس لن يكونوا قادرين على تنفيذ أيّ تعهدات يقطعونها للأتراك بخصوص تحييد “قسد” في مناطق شرق الفرات خصوصًا. وأخيرًا، لا يبدو أن نظام الأسد سيعمل على مساعدة أردوغان انتخابيًّا عبر التعاون معه في موضوع إعادة جزء من اللاجئين، وهو الذي يعده خصمه الرئيس. على العكس تمامًا، يتطلع النظام السوري إلى خسارة أردوغان الانتخابات ووصول المعارضة التركية إلى السلطة لعقد تفاهم معها، مع أنه يخاطر في هذه الحالة باحتمال ضياع فرصة التفاهم مع أردوغان في لحظة يحتاج فيها الأخير إلى هذا التفاهم، وهو ليس أمرًا مضمونًا إذا فاز في الانتخابات واستمر في الحكم.
المصدر: «القدس العربي»