بينما تتزايد الواردات الجزائرية من المنتجات الغذائية بقوة، تجد البلاد صعوبة في تطوير زراعة محلية لأنها تتجاهل المزارعين ولا تعتمد عليهم.
في منتصف ديسمبر/كانون الأول 2022، دشّن الرئيس عبد المجيد تبون معرض الإنتاج الوطني في الجزائر العاصمة. توقف عند جناح ملبنة الصومام مهنئا مسئوليها على عملهم، ثم أشار إلى محادثات جارية لإنشاء مزرعة ضخمة في الجنوب تسع لـ 12 ألف بقرة. وتوجّه إلى ممثل الشركة قائلاً: “اطلبوا 10 آلاف هكتار، لا توجد هناك مشكلة، أؤكد لكم أنكم ستحصلون عليها”. تتجاوز واردات الحليب المجفف سنوياً مليار دولار. ويشكل الحليب مصدر بروتين مهم للأسر ذات الدخل المنخفض. يرى الرئيس الجزائري بأن “للمستهلك الجزائري الحق في الجبن الكممبير والياغورت1”. أمام عبء الواردات، فإن هاجس وزارة الفلاحة الوحيد يتمثل في ترقية الإنتاج المحلي.
انهيار إنتاج الحليب
المهمة صعبة. تراجعت كميات الحليب التي جمعتها ملبنة الصومام إلى 400 ألف لتر مقابل 700 ألف في عام 2021. وقد أبلغت الشركة، خلال معرض الإنتاج الوطني للعام الماضي، الوزير الأول بذلك وكشفت عن أمور مدهشة: “لقد قمنا بتوزيع 15 ألف بقرة على المزارعين. تم بيع نصفها. تزوج بعضهم بمال البيع، وذهب بعضهم الآخر للحج”، كما أفاد موقع TSA2.
يعود السبب إلى ارتفاع أسعار الأعلاف. ففي المناطق الجبلية، مثل القبائل، لا توجد مساحة كافية للعديد من مزارع تربية الأنعام التي تُضطر إلى شراء غذاء لأنعامها. لذا صارت فكرة إنشاء مزارع ضخمة، مثل تلك الموجودة في قطر أو المملكة العربية السعودية، مغرية للسلطات. من هنا جاء اقتراح الرئيس تبون لملبنة الصومام: “إذا كنتم تريدون الانضمام إلى هذا النوع من المشاريع، فهذا ممكن”. ثم استدار نحو وزيره للفلاحة قائلاً: “إذا كانوا يريدون أرضًا في أدرار أو المنيعة أو عين صلاح، أعطها لهم على الفور. أن يستفيدوا من ذلك ويطوروا الأرض ويُنتجوا الحليب، أفضل من استيراد مسحوق الحليب”.
كانت الخطة هي نفسها بالنسبة للقمح. تدين مجموعة كوسيدار-Cosider، وهي إحدى الشركات العمومية الديناميكية القليلة، بنجاحها إلى نجاح مديرها العام، لخضر رخروخ، الذي عُين مؤخرًا وزيراً للأشغال العمومية. طلبت منه السلطة إنتاج القمح وكُلّفت شركة البناء العملاقة هذه في 2018 بخنشلة (500 كلم جنوب شرق الجزائر العاصمة) بإدارة مزرعة ضخمة تبلغ مساحتها 16 ألف هكتار، حيث شرعت في إنجاز 33 عملية حفر وسبعة أحواض بسعة 20 ألف متر مكعب و36 آلة ري محوري بمساحة 40 هكتار لكل واحدة منها. وتم توظيف نحو 100 شاب عاطل عن العمل. لكن إلى الشمال من تلك المنطقة، يشتكي مزارع أتى لشراء بذور الحبوب من تعاونية تابعة للديوان الجزائري المهني للحبوب: “قيل لي، خذها أو اتركها عندما لم أجد النوع الذي أريده …”. وهي تعاونيات لم يتم تجديد مجالس إدارتها منذ أكثر من 20 عامًا.
إرساء إدارة مشتركة مع المزارعين
مصطفى مربي غاضب، استقر في منطقة السهوب في سعيدة (450 كلم جنوب غرب الجزائر العاصمة). لم يعد بإمكانه إطعام أغنامه ويعود السبب إلى منح الدولة امتيازات زراعية للمستثمرين وتوسيع الحرث العشوائي. وقد صرح لتلفزيون النهار في 3 ديسمبر/كانون الأول: “تتقلص أراضي الرعي من عام إلى آخر”. كان يمتلك 600 رأس من الأغنام ولم يعد له الآن سوى 400، وهو يخشى الأسوأ. ويضيف بمرارة: “هل ترى هذا القطيع؟ اضطررت لكي أطعمه إلى بيع 120 رأس غنم”. في 2021، طالب المربون بفتح المحميات، وهي أراضي المراعي المتدهورة التي تم “تحريمها”3 لمدة أربع سنوات من قبل المحافظة السامية لتطوير السهوب.
يرى الأكاديمي عبد القادر خالدي أن الأنشطة الزراعية في مناطق السهوب تتم بطريقة فوضوية، وأن الصحراء تتقدم في كل مكان. وهو لا يتوقف عن التنديد بالإدارة غير المستدامة للسهوب. ويبدو له أن الإدارة المشتركة هي الطريقة الوحيدة لجعل السكان يشاركون في حماية الصالح الطبيعي المشترك. ويصرّ على “مبدأ تفريع السلطة، لأنه يضمن لامركزية القرار وهو فعّال، إذ يعني تفويض السلطة إلى الهيئات القاعدية في التسلسل الهرمي، الأقرب إلى المستخدمين”.
وفقًا لخالدي، يمكن إنشاء تآزر منقذ عبر “اتحاد مجتمعات مربي المواشي والمزارعين، من خلال جمعيات الدفاع عن البيئة، والسلطات البلدية والمحافظة السامية لتطوير السهوب.” وهو يشجب الدور الثانوي جدا لمربي الماشية في التعاونيات، ويقترح تقاسم السلطة بين السلطات العمومية والمجتمعات المحلية. وهكذا حديث يُسمع نادراً.
يرى هذا الأكاديمي أن الإدارة المشتركة هي وحدها التي “تجعل الأفراد والمجتمعات مسئولين، وتزيد من الميل للتعاون. كما تخفف من النزاعات بين السكان والدولة، وتقلّل من السلوكيات المنحرفة”. ويقترح خالدي إرساء قواعد جديدة لإدارة مسارات الرعي، عن طريق التشاور. وهي قواعد يمكن أن تتطور مع الخبرة المكتسبة. بالنسبة لهذا الجامعي المطّلع جيدا على هذا الوسط، “يجب على الفروع المحلية لـ ’المحافظة السامية لتطوير السهوب’، التي توفّر الموارد المالية والمادية والمهارات التقنية، إشراك ممثلي العشائر في صنع القرار”. يمكن القيام بهذه التجارب وتعميمها مع تقدم نمط الحوكمة الجديد.. “في نهاية المطاف، يعتمد نموذج إدارة الأراضي المشتركة الجديد على تحسين جودة الحوكمة العامة”.
لا وجود لزراعة بدون مشاركة المزارعين. لكن هذا الرسالة يصعب سماعها في الوقت الحالي في الجزائر العاصمة.
جمال بلعيد مهندس زراعي فرنسي جزائري متخصص في الزراعة في المناطق شبه القاحلة.
المصدر: موقع أوريان21