للمرة السادسة منذ بداية عام 2023، قصفت إسرائيل فجر الأربعاء أهدافا في سوريا، ما جدد تساؤلات بشأن أسباب عدم رد حلفاء رئيس النظام السوري بشار الأسد، روسيا وإيران، على تلك الهجمات.
وأعلن النظام السوري تعرض مطار حلب الدولي (شمال)، الأربعاء، لأضرار مادية جراء هجوم إسرائيلي بالصواريخ من اتجاه البحر المتوسط غرب محافظة اللاذقية، وفقا لما نقلته وكالة أنباء “سانا” عن مصدر عسكري لم تسمه.
فيما أفاد مدير الطيران المدني السوري باسم منصور، في تصريح صحفي، بأن القصف أدى إلى خروج المطار من الخدمة جراء أضرار في مدرجاته. وهذا المطار وجهة رئيسية لطائرات المساعدات التي تصل سوريا منذ زلزال تركيا سوريا المدمر في 6 فبراير/ شباط الماضي.
وبحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، فقد استهدف القصف مستودع أسلحة لمجموعات موالية لإيران قرب المطار؛ مما أدى إلى تدميره بالكامل، وخروج المطار مؤقتا عن الخدمة.
وهذه هي المرة الثالثة التي تقصف فيها إسرائيل مطار حلب خلال 6 أشهر، والثانية في مارس/ آذار الجاري، بعد قصف في السابع من الشهر الجاري أخرج هذا المرفق الحيوي عن الخدمة لأيام.
وآنذاك، نقلت “رويترز” عن مصدرين استخباراتيين قولهما إن الضربة الإسرائيلية أصابت مستودع ذخيرة تحت الأرض، حيث يتم تخزين أنظمة موجهة بالصواريخ على متن طائرات عسكرية إيرانية.
وفي 19 فبراير/ شباط الماضي، قُتل 15 شخصا جراء قصف إسرائيلي استهدف مبنى في حي كفرسوسة السكني بدمشق، وقال المرصد حينها إنه دمر مستودعا لمجموعات موالية لإيران وجماعة “حزب الله” اللبناني.
145 هجوما
وعلى مدار سنوات، شنّت إسرائيل ضربات جوّية عديدة في سوريا شملت مواقع للجيش وأهدافا أخرى قالت تل أبيب إنها إيرانية وأخرى لـ”حزب الله”، بينها مستودعات أسلحة وذخائر في مناطق متفرقة.
وبالأرقام، شهد عاما 2018 و2019 من 18 إلى 22 هجوما إسرائيليا كل عام، بينما في 2020 و2021 و 2022 كان هناك بين 32 و36 هجوما سنويا، بمتوسط ثلاثة في الشهر، وإجمالا شنت تل أبيب حوالي 145 غارة بين 2018 و2022، بحسب الباحث في الشؤون الإسرائيلية عدنان أبو عامر في تقرير نشره موقع “ميدل إيست مونيتور” البريطاني (Middle East Monitor).
وبشكل أكبر، بات تركيز إسرائيل في الفترة الأخيرة منصبا على تعطيل خطوط الإمداد الجوي التي تقول إن طهران تستخدمها على نحو متزايد لإيصال السلاح إلى ميليشياتها في سوريا ولبنان، وبينها “حزب الله”، وفقا لما نقلته “رويترز” في وقت سابق عن مصادر دبلوماسية واستخباراتية.
ونادرا ما تؤكد تل أبيب تنفيذ ضربات في سوريا، لكنها تكرر أنها ستواصل تصديها لما تصفها بمحاولات طهران لترسيخ وجودها العسكري في الجوار السوري. وتعتبر كل من إيران وإسرائيل بعضهما البعض العدو الأول لها.
سوريا مقابل أوكرانيا
وفي عمليات القصف السابقة، عادة ما تكتفي روسيا، الداعم الرئيسي لنظام الأسد، بإدانة الهجمات الإسرائيلية وتشدد على أنها “انتهاك صارخ للقانون الدولي”.
ومنذ 2011، تشهد سوريا نزاعا داميا تسبب بمقتل حوالى نصف مليون شخص وألحق دمارا هائلا بالبنى التحتيّة وأدى إلى تهجير ملايين السكان داخل البلاد وخارجها، منذ أن بدأ الأسد في قمع عسكري لاحتجاجات شعبية مناهضة له طالبت بتداول سلمي للسلطة.
ووفقا لوسائل إعلام إسرائيلية، بينها “تايمز أو إسرائيل” (Times of Israel)، فإن ثمة تفاهم بين تل أبيب وموسكو مفاده أن لا تعترض روسيا، المسيطرة إلى حد كبير على المجال الجوي السوري، الضربات الإسرائيلية، مقابل إحجام إسرائيل عن تزويد أوكرانيا بأنظمة تسليح، بينها “القبة الحديدية” المضادة للصواريخ.
وللحفاظ على حرية الحركة في سماء سوريا، ترفض إسرائيل، حتى الآن، ضغوطا من حليفتها الولايات المتحدة لتقديم أسلحة لأوكرانيا التي تشن عليها روسيا حربا منذ 24 فبراير/ شباط 2022، حيث تكتفي تل أبيب بتقديم مساعدات إنسانية للأوكرانيين.
ولتخفيف مخاوف إسرائيل ومنع تصعيد أكبر مع إيران، عارضت روسيا فكرة نشر أنظمة دفاع جوي إيرانية الصنع في سوريا، وفقا لحميد رضا عزيزي، زميل المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية ببرلين، في تحليل نشره موقع “أمواج ميديا”.
وأوضح عزيزي أن الشراكة الإيرانية الروسية في سوريا اقتصرت على العمليات المشتركة ضد الجماعات المسلحة المعارضة لنظام الأسد، مضيفا أن موسكو تتردد في توسيع التعاون العسكري مع طهران في سوريا إلى أبعاد أكثر تقدما.
وفي ظل اتهامات لطهران بتزويد روسيا بأسلحة، بينها طائرات بدون طيار، تستخدمها في أوكرانيا، كانت ثمة مخاوف في إسرائيل من تداعيات على التعاون؛ لكن “التنسيق العملياتي بين روسيا وإسرائيل لا يزال جيدا”، بحسب عامر.
ولطالما كان التعاون رفيع المستوى بين روسيا وإيران في سوريا محدودا إلى حد كبير، وفقا لجاريد زوبا في تقرير نشره موقع “المونيتور” (Al Monitor) الأمريكي؛ بسبب المصالح المتنافسة لموسكو وطهران في سوريا، وبينها السيطرة على القواعد الرئيسية والأصول الاقتصادية، فضلا عن رغبة موسكو في الحفاظ على يدها العليا في التأثير على نظام الأسد.
إيران والأسد
وضمن ضربات متبادلة غير معلنة ولا تبلغ مستوى الحرب الشاملة، تفضل إيران الرد بالمثل على إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة، إذ اتهمت تل أبيب مرارا طهران باستهدافها بهجمات سيبرانية وأخرى بحرية ومحاولة اغتيال مسؤولين إسرائيليين فضلا عن أنشطة تجسس.
كما استهدفت الجماعات المدعومة من إيران قوات التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة في سوريا، بهجمات بصواريخ وطائرات بدون طيار، في رد واضح على الضربات الإسرائيلية ضد أهداف إيرانية في سوريا، ولا شك أن طهران على علم بتاريخ الدعم الأمريكي لعمليات إسرائيل، بحسب زوبا.
وكذاك لا يرغب نظام الأسد، وفقا لعامر، في تصعيد إيراني إسرائيلي على أراضيه، ولهذا تنوعت ردود أفعاله بين إنكار وقوع بعض الهجمات واستخدام البطاريات المضادة للصواريخ لإحباط هجمات أخرى.
ومنذ حرب 5 يونيو/ حزيران 1967، تحتل إسرائيل مرتفعات الجولان السورية، وضمتها لاحقا في خطوة لم تلق اعترافا دوليا، وتخشى تل أبيب من أن يسمح الأسد لحلفائه من إيران و”حزب الله” بالتمركز قرب خطوط إسرائيل، التي لا تزال تحتل أيضا مناطق جنوبي لبنان.
المصدر: الخليج الجديد