سلط الرئيس السابق للجنة العلاقات الخارجية والأمن القومي بالبرلمان الإيراني، سيد حسين موسويان، الضوء على الاتفاق الإيراني السعودي على إعادة العلاقات الدبلوماسية وتداعياته السياسية، واصفا إياها بأنها تمثل “فصلا جديدا للمنطقة”، جاء بمثابة ثمرة يحصدها المحافظون من غرس سابق لـ “المعتدلين”.
وذكر موسويان، في مقال نشره بموقع “ميدل إيست آي” وترجمه “الخليج الجديد”، أن الأنباء بشأن الاتفاق كانت بمثابة مفاجأة للمراقبين الدوليين، حيث كانت العداوة بين الخصمين في الشرق الأوسط من بين العداوات الأكثر استمرارًا وخطورة في المنطقة.
وأضاف أن الاتفاق جاء بعد عامين من المفاوضات بين الرياض وطهران في بغداد، ولعب فيه الرئيس الصيني، شي جين بينغ، دورًا مهمًا، متضمنا موافقة السعودية وإيران على تنفيذ اتفاقية التعاون الأمني لعام 2001 واتفاق عام 1998 لتعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية والتكنولوجية.
ونوه إلى أن الاتفاق مبني على آخر سبق أن توصل إليه البلدان في منتصف التسعينيات وظل ساري المفعول حتى عام 2005، لافتا إلى أنه شارك في مفاوضات هذا الاتفاق بين الرئيس الإيراني آنذاك، هاشمي رفسنجاني، مع ولي العهد السعودي، الأمير عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، في الرياض.
وذكر موسويان أن رفسنجاني كلفه، بصفته مبعوثًا خاصًا للرئيس، لمناقشة صفقة إحياء العلاقات مع ولي العهد السعودي، مشيرا إلى أن المفاوضات استمرت 4 ليال طويلة في قصر الملك عبد الله في جدة، وانتهت إلى خطة عمل.
وبعد عودة الوفد الإيراني إلى طهران، وافق رفسنجاني والزعيم الإيراني الأعلى، علي خامنئي، على الاتفاقية، وتم تنفيذها بالكامل خلال ولاية الرئيس السابق محمد خاتمي (1997-2005). وأضاف موسويان أن مسؤول سعودي رفيع المستوى أخبره بأن ولي العهد السعودي آنذاك، عبد الله بن عبدالعزيز، ينظر إلى خاتمي على أنه استمرار لسياسات رفسنجاني.
وفي عام 1997، زار ولي العهد السعودي طهران، وتم التوقيع على اتفاقيات التعاون والأمن فيما بعد.
وأشار موسويان إلى أن القضايا الأمنية كانت هي الشغل الشاغل للسعوديين في المفاوضات، حيث كانت الرياض قلقة من دعم طهران للأقلية الشيعية في السعودية، خاصة بعد مظاهرات نظمها حجاج إيرانيون، واعتبرتها الرياض تهديد أمنيا.
وفي المقابل، أعربت طهران عن قلقها من دعم السعودية للأقلية السنية في إيران ونشر الأصولية الوهابية، وجاء الاتفاق الأمني الثنائي ليقلل بشكل كبير من القلق في كلا الحكومتين بشأن التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر.
انهيار الاتفاقات
لكن الاتفاقات انهارت، بعد أن تولى الرئيس الإيراني، محمود أحمدي نجاد، منصبه في أغسطس/آب 2005، واستأنفت إيران برنامج التخصيب النووي، وتبنى مجلس الأمن الدولي قرارات تفرض عقوبات على إيران، فيما حث عبد الله – الذي أصبح ملك السعودية آنذاك – الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا على “قطع رأس الأفعى”، في إشارة إلى شن ضربات عسكرية لتدمير برنامج إيران النووي.
وفي يناير/ كانون الثاني 2016، أعدمت السعودية رجل دين شيعي بارز، الشيخ نمر النمر، إلى جانب 46 معارضا شيعيا آخر، ما أثار احتجاجات أمام السفارة السعودية في طهران.
وتصاعدت الحرب بالوكالة بين إيران والسعودية في اليمن، حيث استخدم الحوثيون طائرات مسيرة وصواريخ لمهاجمة المنشآت النفطية السعودية. ودعمت إيران الرئيس السوري، بشار الأسد، ضد المساعي الداخلية والخارجية للإطاحة به.
وإزاء ذلك، رحبت السعودية بقرار الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني ، ودعمت إعادة فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، لكنها أدركت أن ذلك لم يؤد سوى إلى تخصيب إيران لليورانيوم بمستويات قريبة من التسلح النووي، حسبما يرى موسويان.
وأشار المسؤول الإيراني السابق إلى أن حملة ضغط ترامب القصوى والعقوبات ضد إيران كان قاسية على المستوى الاجتماعي، إذ واجه الإيرانيون العاديون ارتفاعًا هائلاً في الأسعار وانخفاض قيمة العملة إلى حد كبير.
واجتاحت إيران، الخريف الماضي، موجة من الاحتجاجات المناهضة للحكومة بعد وفاة مهسا أميني في حجز الشرطة. ردت الحكومة الإيرانية بتعزيز تحالفها العسكري والسياسي مع روسيا، كما يتضح من تزويد إيران بطائرات بدون طيار لروسيا وسط غزوها لأوكرانيا.
كانت حصيلة هذه التطورات بمثابة خسارة لكل من الرياض وطهران، بحسب موسويان، ما يدل على أن مواجهتهما لن يكون لها منتصر، مشيرا إلى أن الاتفاق الأخير في بكين يظهر أن الحكومة الإيرانية المحافظة، بقيادة الرئيس إبراهيم رئيسي، أعادت العلاقات مع السعودية بناءً على الاتفاقيتين اللتين تمت صياغتهما في عهد حكومة رفسنجاني المعتدلة ونفذتها حكومة خاتمي “الإصلاحية”.
انعدام ثقة
وهنا يشير موسويان إلى أن انعدام الثقة بين طهران والرياض عميق وخطير، ورغم إعلان كليهما مراعاة مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للطرف الآخر، إلا أن ذلك لا يعد كافيا في حد ذاته، إذ يجب استكمال الاتفاقية بالتزامات إضافية لضمان علاقات ودية مستدامة بين طهران والرياض.
ويرى موسويان إلى أن كلا من السعودية وإيران، بصفتهما أقوى الدول الإقليمية والإسلامية، عليهما الالتزام بالنظر إلى أمن الآخر كجزء لا يتجزأ من الأمن الوطني، ووضع حد لأوهام “الهيمنة الإقليمية” والعمل على خلق نظام للتعاون والأمن الجماعي بين الدول الثماني المطلة على الخليج، وتحويل المنافسة غير الصحية في البلدان التي تمزقها الأزمات، مثل اليمن وسوريا والعراق، إلى شراكة بناءة.
ودعا المسؤول الإيراني السابق إلى توحيد الجهود لتعزيز التعاون الإقليمي والدولي الفعال ضد أسلحة الدمار الشامل والتطرف والإرهاب، ومعاملة أفراد الأقليات الدينية كمواطنين كاملي الحقوق والعمل على تهدئة التوترات بين واشنطن وطهران.
وخلص موسويان إلى أن “عصر الدبلوماسية والحكمة قد حان”، بعد سنوات من العداوات المريرة والأزمات المتصاعدة في المنطقة، مؤكدا أن هذا هو وقت إيران والعراق ودول الخليج للتعاون وإنشاء منطقة قوية بشكل جماعي.
المصدر | ميدل إيست آي – ترجمة وتحرير الخليج الجديد