مضت ثمانية أعوام على مجزرة الحولة، التي ارتكبتها مليشيات طائفية موالية للنظام السوري في 25 مايو/ أيار عام 2012 شمالي غرب حمص (وسط سورية)، وما يزال مرتكبو المجزرة طلقاء من دون محاسبة حالهم حال مرتكبي مئات المجازر بحق السوريين من النظام السوري والمليشيات التابعة له.
عائلات بأكملها اختفت وقطع نسلها بعد قتل رجالها ونسائها وأطفالها بدم بارد خلال المجزرة التي بدأت بخداع الأهالي والقول لهم “لا تقلقوا هذا جيش الوطن ولا داعي للخوف في حضوره”، ليتبين أنه جيش جاء بهدف القتل فقط، وبأبشع الطرق، وفق ما ذكره ناجون وشاهدون على المجزرة.
أم محمد ذات الـ35 عاما والتي شهدت على ضحايا المجزرة ونجت بأطفالها الثلاثة عقب سماعهم صراخ النساء القادمات هلعا من حارة طريق السد بعد اقتحام الشبيحة للمنازل، قالت لـ “العربي الجديد”: “كان المشهد لا يوصف في مسجد المدينة هناك على الحصير الأطفال مصطفون كالخراف المذبوحة، بعضهم غابت ملامحهم بسبب التنكيل بجثامينهم، هناك أطفال كانت الرضّاعة ما تزال عالقة بأفواههم، ونساء كنّ بلباسهن المنزلي”.
ووفق أم محمد، فإن أبشع ما قام به “شبيحة” النظام السوري يتمثل في قتل النساء الحوامل طعنا بالحراب، مستعرضة أن بعض العائلات بقيت في الحي الجنوبي على الطريق الرئيسي حمص تلدو ولم تخرج منه، حيث دخلت قوات النظام والشبيحة ليلا لتكمل الجريمة وتقتل ثلاث عائلات من آل السيد لم ينجُ منهم سوى طفل واحد.
وأوضحت أن هذه العائلة منها ضابط في شرطة النظام وقريبهم أيضا كان عضوا في مجلس الشعب وعضوا في ما يعرف بـ”القيادة القطرية” لحزب “البعث”، ولم يشفع لهم ذلك، وذلك يشير، حسبها، إلى أن هذه المجزرة دافعها “طائفي” وهدفها قتل وترويع الناس وكفهم في بدايات الثورة السورية عن الخروج ضد رأس النظام، بشار الأسد.
بدوره، قال أسامة، وهو من أهالي المنطقة، إن الجريمة لم تتكشف معالمها تماما حتى صباح اليوم التالي حيث وجد الأطفال والنساء مذبوحين بأدوات حادة ومرميين على الأرض، موضحا أنه بعد جمع الضحايا في المسجد رفض الأهالي دفن الضحايا قبل دخول بعثة الأمم المتحدة لتشهد على المجزرة.
وأكد أسامة أن مراقبي الأمم المتحدة كانوا قد أتوا بعد صدور أنباء عن المجزرة على وسائل الإعلام، إلا أن النظام حاول منعهم من الدخول وتأخير الأهالي في دفن الضحايا حال دون ذلك، حيث دخلت البعثة وشهدت على الضحايا، إلا أن ذلك لم يثنِ النظام عن مواصلة القصف على المنطقة.
أعداد الضحايا الذين تم توثيقهم بلغت 108 ضحايا وفق قول أسامة، جلهم من آل السيد وآل عبد الرزاق، بينما هناك مفقودون لم يتم التعرف على مصيرهم حتى اليوم.
وخضعت منطقة الحولة أخيرا لسيطرة النظام السوري بشكل كامل عقب عمليات التهجير التي تمت برعاية روسية في مايو/ أيار من عام 2018 وأفضت إلى نقل المعارضين للنظام وذويهم والرافضين للبقاء تحت حكم النظام السوري إلى شمالي البلاد.
وبحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان فإن مجزرة الحولة “هي المجزرة الأكثر وحشية منذ دخول المراقبين الدوليين إلى سورية، حدثت في مدينة تلدو بمنطقة سهل الحولة بريف حمص الشمالي في الخامس والعشرين من شهر أيار عام 2012، حيث بدأت بقصف عشوائي طاول قرى وسهول الحولة، تركز على مدينة تلدو بشكل كبير، التي هي مدخل الحولة من الجهة الغربية والمحاطة بقرى موالية للنظام”.
وقالت الشبكة في تقرير لها في ذكرى المجزرة إن القصف الذي استمر 14 ساعة خلف 11 شهيداً وعشرات الجرحى، تبعه اقتحام عناصر قوات النظام (الجيش والأمن والمليشيات الطائفية المحلية والأجنبية) مدعومة بعناصر من الشبيحة من قرى فلة والقبو لعدد كبير من المنازل الواقعة على أطراف تلدو.
وأضافت: “اقتحامات وإعدامات ميدانية قامت بها الشبيحة وعناصر الأمن بحق كل من وجدوه ساكناً على أطراف المدينة، حيث تم تكبيل أيدي الأطفال وتجميع النساء والرجال ومن ثم الذبح بحراب البنادق والسكاكين ورميهم بالرصاص بعد ذبحهم في أفعال تعود في وحشيتها إلى عصور الظلام وشريعة الغاب”.
ووفق الشبكة فإن 107 من القتلى هم ما تمكنت من توثيقهم بالاسم الثلاثي والصور، مؤكدة أنه من بين الضحايا 49 طفلاً دون العاشرة من العمر، و32 امرأة.
يذكر أن النظام السوري ارتكب منذ بداية الثورة في مارس/ آذار 2011 عشرات المجازر بحق الأهالي في المناطق التي شهدت مظاهرات ضده، ووقع تلك المجازر بغض النظر عن كون من يقتلهم من المعارضين له أم هم فقط يسكنون في تلك المناطق التي شهدت مظاهرات وحركات ضد النظام.
المصدر: العربي الجديد