مراقبون يرون رفضها السريع من مجلسي النواب والدولة في الشرق والغرب كان متوقعاً لتهديدها نفوذهما وموقف الرعاة الأجانب يفاقم الانقسام.
فور إعلان المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي أمام مجلس الأمن خطته القاضية بإجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية العام الحالي، تباينت حولها ردود الفعل السياسية في البلاد الغنية بالنفط، التي تمزقها الفوضى منذ عام 2011.
وسارعت سلطات الشرق إلى رفضها، فيما أعلنت السلطات في غرب البلاد انفتاحها على الخطة. في هذا الوقت، لا تزال مواقف الرعاة الأجانب لطرفي النزاع بعيدة عن التوافق، وتتراوح بين الرفض والقبول، لتزيد من حالة الانقسام في ليبيا وتعكس فداحة تأثير التدخل الأجنبي في شؤون البلاد.
وقدم المبعوث الأممي إلى ليبيا عبدالله باتيلي في إحاطته أمام مجلس الأمن في نيويورك في 27 فبراير (شباط)، ما سماها مبادرة تهدف إلى “تمكين إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية خلال عام 2023”. وتنص على إنشاء لجنة رفيعة المستوى لتنظيم الانتخابات واعتماد إطار قانوني وجدول زمني لإجرائها.
كما سيتم من خلال الخطة الدولية، جمع ممثلين عن القوى السياسية وزعماء القبائل والأطراف الأمنية الفاعلة ومنظمات المجتمع المدني وبعض الشخصيات النسائية والشبابية، لمحاولة التوصل إلى توافق في شأن الانتخابات.
ومنذ سقوط نظام معمر القذافي عام 2011، تعاني ليبيا انقسامات ونزاعات مسلحة وصراعاً سياسياً، وتتنافس حالياً فيها حكومتان على السلطة: واحدة مقرها طرابلس (غرب) برئاسة عبدالحميد الدبيبة منذ مطلع عام 2021، وأخرى برئاسة فتحي باشاغا عينها مجلس النواب في مارس (آذار) الماضي ويدعمها الرجل القوي في الشرق المشير خليفة حفتر.
وكان مقرراً أن تشهد ليبيا انتخابات رئاسية وتشريعية في ديسمبر (كانون الأول) 2021، لكنها أرجئت بسبب خلافات سياسية وقانونية وأمنية.
ويرى أستاذ العلاقات الدولية خالد المنتصر أن “الرفض السريع” من طرف مجلس النواب (مقره في الشرق)، ومجلس الدولة (الغرفة الثانية في البرلمان ومقرها في طرابلس) جاء “متوقعاً”، كون الخطة ستعمل على إنهاء وجودهما وتحضر لانتخابات بمعزل عن الجسمين التشريعيين الحاليين، علماً أنهما متهمان إلى حد ما بالوقوف وراء تأجيل الانتخابات عام 2021.
ويضيف “شهدنا سريعاً انتقاد مجلس النواب لإعلان المبعوث الدولي، كما أن رئيس المجلس الأعلى للدولة وعدد كبير من أعضائه، عبروا عن رفضهم ما وصفوه بالتدخل في القرار السيادي الوطني ومحاولة فرض الإرادة الدولية على الليبيين”.
وكان البرلمان بغرفتيه صوت، في عملية تعرضت لانتقادات وتشكيك، في الثامن من فبراير، على “التعديل الـ13” للإعلان الدستوري، وهو بمثابة دستور مؤقت، معتبراً أنه يشكل قاعدة قانونية لإجراء الانتخابات.
ويعتقد المحلل السياسي عبدالله الرايس أن خطة المبعوث الدولي وسيلة ضغط لدفع وإحراج الأطراف الليبية، عن طريق تسريع تنظيم الانتخابات.
ويشير الرايس إلى أن “المجتمع الدولي أطلق خطته حول ليبيا لإحراج مجلسي النواب والدولة اللذين يتفننان في إهدار الوقت والدخول في مزاد سياسي مفتوح، لذلك الأرجح أن الخطة تهدف إلى منحهم فرصة أخيرة للتدارك أو ستنظم الانتخابات من دونهما”.
موقف الرعاة الدوليين
وفور إعلان المبعوث السنغالي باتيلي خطته، سارعت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى إعلان دعمهما لها. وحضت السفارة الأميركية في بيان “القادة الليبيين” على أخذ خطة الممثل الخاص للأمم المتحدة في ليبيا “بروح بناءة”.
وأكدت سفارة بريطانيا لدى طرابلس دعمها الخطة الهادفة إلى الاتفاق على الخطوات التالية لإجراء انتخابات “حرة ونزيهة”.
وطالبت السفارة في بيانها الموجودين في السلطة الليبية بـ”تقديم التنازلات لإنجاح العملية الانتخابية”.
ويرى المنتصر أن “المبادرة الأممية ربما تحمل الحل وتؤدي إلى الانتخابات، لكنها لا تزال بحاجة إلى إجماع دولي لا يزال مفقوداً، خصوصاً أن روسيا، اللاعب الأبرز في ليبيا، اعتبرت أنه لا ضرورة للتعجيل بالانتخابات، ما يؤكد غياب التوافق الدولي حولها حتى اللحظة”.
ويشير إلى أن “الدعم الأميركي والبريطاني للخطة لا يكفي، لأن موسكو لاعب قوي في ليبيا ولديها قوات فاغنر في شرق وجنوب البلاد، ولها تأثير على المشير حفتر حليفها الذي يفرض سلطة عسكرية واسعة في مناطق نفوذه”.
وتوجد قوات شركة “فاغنر” الأمنية الروسية في قواعد عسكرية في شرق وجنوب ليبيا، وهي مناطق خاضعة لسيطرة قوات حفتر.
في طرابلس، أعلن عبدالحميد الدبيبة استعداده للتعاون مع خطة باتيلي.
وقال الدبيبة من جهة أخرى في كلمة متلفزة على هامش مشاركته في احتفال عسكري بالعاصمة، السبت، “لا يوجد أمامنا سوى الدستور، ويجب أن نتفاهم بشأنه جميعاً، ويصوت عليه الليبيون بنعم أو لا”.
وأردف “لا نكيف الدستور من أجلي أو من أجل شخص آخر”.
وفي إشارة إلى رفض ترشيح حفتر الذي يحظى بدعم رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، إلى الرئاسة الليبية، طالب من يرغب بالوصول إلى رأس السلطة بـ”خلع بزته العسكرية”.
المصدر: أ ف ب/اندبندنت عربية