الزلزال العنيف المدمر الذي ضرب 10 مدن جنوب تركية ومدن عديدة شمال سورية لم ينته بعد، فما يقال عن هزات ارتدادية هي زلازل بكل معنى الكلمة لأنها دمرت وقتلت وجرحت وخربت بعد ذلك الزلزال المدمر في 6 شباط/فبراير ومن المتوقع أن تستمر التداعيات والزلازل المرافقة لفترة لايعملها إلا الله فالتوقع في هذه الحالات أشبه بالتنجيم وقد كذب المنجمون ولو صدقوا، فلا يجوز الركون إلى هذه التوقعات لأنها فقط تزيد من هلع الناس وتخريب حياتهم، فإلى الآن الكثير من الناس وفي هذا الطقس الشتوي الصعب تنام في الطرقات نتيجة ما يشاع من أن هناك زلازل قادمة. ولكننا وبعد ما تم من تدمير وتخريب وضحايا نلتفت اليوم إلى لملمة الجراح على الجانبين التركي والسوري التي وحدتهم المصيبة وتجاوروا في الخيام ومراكز الإيواء.
لقد ضرب هذا الزلزال بنية ضعيفة غير مهيأة لمثل هذه الكوارث خصوصًا في سورية التي تتعرض منذ اثني عشر عامًا لإجرام نظام الحكم فيها فمن تحت قصف النظام المستمر الذي أضعف البنية التحتية والمساكن التي بنيت في مناطق النزوح دون أي اعتبار وتقيد بالمبادئ الهندسية وبمواد غير مأمونة والتي سرعان ما انهارت على ساكنيها بالجملة، ففي مدينة مثل جنديرس انهار حي كامل بناه نازحون من الغوطة الشرقية من مدينة حرستا وقتل تحت أنقاضه حوالي 250 شخص، لقد خسرنا في هذا الزلزال الآلاف من النساء والأطفال والشباب والكبار، عوائل بكاملها بقيت تحت الأنقاض لم يطالها الإنقاذ وبقيت مدفونة في بيوتها، ومن المعروف أن الشمال السوري بقي خارج معادلة الإنقاذ من قبل الجميع أولهم الأمم المتحدة التي هرعت لإنقاذ نظام الإجرام وهمشت الشمال السوري الذي كان وقع الزلزال عليه أقوى بما لايقاس، ومع أننا نتمنى السلامة لأهلنا في سورية وأولوية إنقاذهم إلا أن مايقلقنا ويزعجنا أن المساعدات السخية التي وصلت للنظام تباع في الطرقات وتخزن عند المحاسيب ولا ينال المتضررون والضحايا إلا الفتات، هذا هو نظام الإجرام والمخدرات ولا نتوقع منه غير ذلك. يقال في هذا السياق أن مسؤولاً جزائريًا رافق طائرة مساعدات ولدى وصوله أخبر مستقبليه أن التعليمات لديه أن يقوم بالإشراف على التوزيع، فاحتجزوه في المطار لحين أفرغوا الطائرة وأبلغوه أنهم قاموا بالتوزيع، ولم ينفعه الاحتجاج والاستنكار. لم يجد السوريون خارج مناطق سيطرة النظام إلا دفاعهم المدني( الخوذ البيضاء) وبعض المتطوعين من الأفراد والمجموعات الذين قاموا بجهود أسطورية أثناء الإنقاذ وأثناء الانتشال وبمعدات متواضعة أمام ذلك الزلزال المدمر، والمبهر بالأمر أيضًا مشاهدة القوافل التي تقاطرت من العشائر والأهل في الدير والجزيرة ومناطق كردستان. والتي كانت أضعاف ماقدمته الأمم المتحدة ومنظماتها الاغاثية. بالمقابل نرى في هذه الأيام جشع بعض التجار واحتكارهم وتعيشهم على أزمة المنكوبين برفعهم الأسعار والتي لاطاقة لأهلنا بتحملها، فالخيمة والتي أصبحت من مستلزمات الحياة اليوم ارتفع سعرها من حوالي 100 دولار إلى 250 دولار ومع أن المساعدات بدأت تتوارد على الشمال من قطر وغيرها فلا شك بأن الكارثة أكبر من طاقة الجميع ولو أن المواد متوفره فاتساع بقعة الزلزال تؤخر عمليات الإغاثة أيضًا.
وإذا ذهبا إلى الجنوب التركي فالمناطق العشر التي ضربها الزلزال يسكن فيها أكثر من نصف اللاجئين السوريين في تركيا لكونها الأقرب إلى بلدانهم ولتشابه بيئتها مع البيئة السورية، فنظرة سريعة على ماجرى تبين أن أكثر من 20% من السوريين القاطنين في هذه المناطق قد خسروا فردًا أو أكثر من عوائلهم وأن 50% من هؤلاء كانوا بولاية هاتاي ومدينة أنطاكيا. ضحايا الزلزال في الجنوب التركي وصلوا حوالي 40 ألف ومنهم أكثر من ستة آلاف سوري اختلطت الدماء واشتركوا أتراكًا وسوريين بالخيام ومراكز الإيواء بمصير واحد وإذا كان البعض من السياسيين الأتراك مازالوا يعزفون على وتر اللاجئين واللجوء حتى أن البعض اتهم الصفيحة العربية في أعماق الأرض بدفع صفيحة الأناضول، في إشارة إلى مسؤولية السوريين عن الزلزال الذي ضرب سورية، بينما الأتراك بشكل عام كانوا ضد هذا المنطق، وكانوا متعاطفين مع السوريين والسوريين أيضًا لم يقصروا مع الأتراك والجانبان يتلقيان المساعدات من الجهات الحكومية. تعبر النعوش كل يوم من المعابر إلى الشمال السوري ولاندري متى ستتوقف هذه المأساة في وقت يحاول النظام استثمار الكارثة لمصلحته بعيدًا عن مصالح الشعب السوري، وخدمة لأجندته الخاصة مع روسيا وإيران في إعادة تأهيله ومن المؤسف انضمام الكثير من الدول لبروباغندا التأهيل بحجة الزلزال الذي لم يستقبله رأس النظام إلا بالضحك والترحيب. ومانسمعه من مبادرات هنا وهناك نرجو أن لاتصب في هذا المنحى وليتمسك الجميع بالقرار الأممي 2254 ولو أنه الحد الأدنى ولا يتجاوزوه لمكاسب آنية مع محاور روسية إيرانية ومناكفة لبعض الدول ليصبح شعبنا وتصبح قضيتنا كرة تتقاذفها الأهواء والمصالح مع نظام الإجرام في دمشق.
نكرر عزاءنا لأهلنا فالكارثة وحدتنا ونرجو أن نخرج منها أقوى تصميمًا وإرادة في تحقيق مطالب شعبنا المحقة في الحرية وخلاصنا من نظام الإجرام والمخدرات.
المصدر: إشراق