ينتاب معظم السوريين إحساس بالمرارة والخيبة ساهم به خذلان إخوتهم في العروبة والإسلام والإنسانية في مصابهم على يد منظومة إبادية إجرامها محسوس وموثق؛ ولكن ما قامت به الأمم المتحدة مؤخراً، بخصوص كارثة الزلزال التي أصابتهم، كان أشد مرارةً وخيبةً عليهم.
فبعد الزلزال الأسدي الذي حلّ بهم وامتد لنصف قرن، واشتد في العقد الماضي؛ يأتي زلزال الطبيعة الكشّاف ليعرّي زيف ونفاق الكثيرين، وعلى رأس هؤلاء الأمم المتحدة التي يستجير بها أي مظلوم؛ حيث كان استئذان قاتلهم كي تصلهم الإغاثة، أمرَّ إهانة توجهها لهم هذه المنظمة.
يستطيع السوريون توثيق وتقديم ما فعلته بهم لا لهم هذه “الأمم المتحدة”؛ حيث كانت رهينة بيد الإجرام البوتيني، وشاهداً على التنسيق الروسي-الأميركي على حساب دمائهم وأرواحهم؛ وأداةً لتمرير قرارات بلا أنياب لا تحل قضايا ولا تنصف مظلوما. وهي مَن أرسل مبعوثين خاصين لا ضمير فيهم؛ ومَن أبقى على تمثيل “نظام” مجرم موصّف في هيئتها؛ وهي مَن يستهلك موظفوها معظم المساعدات المخصصة للسوريين برواتب ومصاريف ورُشى لشبيحة الأسد؛ وهي التي أخضعت منذ شهرين لقمة عيش السوريين للتجاذبات السياسية بين أعضاء يريدون تصفية حسابات سياسية على حساب مأساة السوريين، فمنّنتهم بفتح معبر لستة أشهر، وكأن ذلك إنجازٌ تاريخي.
والآن، كما رأت عصابة الأسد بالكارثة التي حلّت بالسوريين فرصة لمنجز سياسي يتمثّل برفع العقوبات، وجمع الأموال، وسحق الآخر، وإعادة تكرير نفسها؛ وكأن شيئًا لم يكن؛ كذلك فعلت الأمم المتحدة. فهي رأت بذلك الفرصة نفسها كُرمى لروسيا، ولمنظومة الاستبداد والإبادة؛ وكان الأخطر بما فعلت أن تذكّرت “السيادة السورية”، ومَن يمثلها، وتمترست عند هذه النقطة مقدِّمَةً بشار الأسد قائداً ذا سيادة يطعم ويحرم؛ فطلبت منه السماح بعبور المساعدة وشكرته.. بكل وقاحة.
ومعروف أنه حسب قانونها لا معنى للحدود أو للسيادات في حالات الكوارث. وزاد في الطنبور نغماً بعد هذا الانكشاف وهذه الفضيحة أن يأتي وفدها، مخاطباً مَن حَفَرَ ركام الإسمنت بأصابعه كي ينقذ السوريين، أن يحدد موقفه، ويهدده بقطع المساعدات.
يعرف السوريون، عبر تجارب مريرة، وبالحقائق والوثائق، أن هذه المنظمة منخورة وفاسدة؛ وتشبه النُظم الفاسدة التي تشكلها، وأن آخر اهتماماتها الشعوب، تماماً كالحكومات التي تعتبر شعوبها آخر اهتماماتها. أما الحقيقة الأمر، التي وقف السوريون عليها، فتتمثل بموقفها الأخير تجاه كارثة الزلزال، حيث أفسحت في المجال لمنظومة الاستبداد أن تستعيد أنفاسها؛ وأن يتجرأ كل مَن كان يسعى في الخفاء أن يساهم بإعادة تكريرها بالتقرب منها، حيث شَرَعَ بالقيام بذلك علناً، ودون حياء أو وجل. ومثال بعض “البرلمانيين العرب” الصغار، ووزير خارجية السيسي أمثلة فاقعة على الصِغَر واللامسؤولية.
في ضوء كل ذلك، ماذا نحن فاعلون كسوريين يعيشون كل تلك الخيبات؟ هل نستطيع، وهل مِن صالحنا معاداة أو مقاضاة هذه المنظمة على تقصيرها في إيصال الإغاثة والمساعدة لأهلنا المنكوبين؟ أليس هناك مَن ربما ينتظر مواجهة كهذه، أكان نظام الإبادة الأسدي، أو مَن يدعمه، أو حتى عصابات ضمن الهيئة الأممية ذاتها؟ وماذا يمكن أن تكون النتائج سوى وضع التقصير أو الخطأ في عنق موظف هنا أو هناك، وتأنيبهم أو فصلهم؛ ثم الانتقام من شعبنا الذي هو بأمس الحاجة لأي شكل من المساعدة والإغاثة؟!
ما لا نستطيع تمريره أو السكوت عنه، على أي حال، هو الأمر السياسي المتمثل بامتطاء كارثة الزلزال لطي صفحة الإجرام الأسدي بحق سوريا وشعبها. لا هروب لأحد من آلاف صور ضحايا التعذيب التي نقلها “قيصر”، ولا مفر من القانون الذي صدر بهذا الخصوص. وما قانون “الكبتاغون” إشارة عابرة، بل وصمة عار أبدية خطرها عالمي. ولا جريمة الكيماوي بأمر يمكن أن تغطيه زيارة أو غزل مع الإجرام الذي يقوم به نذل هنا أو هناك من محميات الخِسَّة.
ليعلم الجميع، والمتآمر يُعلم القاصر، والمُطَبِّع يُعلم المتربع، أن الحق السوري حق شخصي؛ لا يملك أحد القدرة أو التفويض أو الصلاحية للتنازل عنه، أو طيّ صفحة ما حدث؛ وكأن شيئاً لم يكن. ولا مبادرات تحت أي ذرائع زائفة وحجج واهية يمكن أن ترى النور. حتى ولو فُتِحَت كل الأبواب أمام المجرم الموصّف، ولو أرادوا توقيع أي وثيقة تخص سوريا عامة، وبإشراف تلك الأمم المتحدة؛ فلن تنجح، وملايين السوريين بيدهم حق الفيتو عليها. طريق الخلاص واضحة، والوباء واضح، ومغناطيس الإرهاب لازال هناك؛ ومن يريد حلاً حقيقياً، فمن عند أهل الحق يمر الطريق، لا من عند أهل الباطل، حتى ولو كان برعاية الأمم المتحدة.
المصدر: موقع تلفزيون سوريا