“وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ”، ابتلاءات الله للبشر قد تكون مرتبطة بذنوب اقترفوها أو قد تكون اختباراً منه، فإن أشد الناس ابتلاء هم الأنبياء وأولياؤه الصالحون، ما يدل على أن الشخص المبتلى ليس بالضرورة أن يكون عاصياً ولكن إذا أراد الله لك أمراً، هَيّأ له أسبابه، وأتمّهُ.
البشر شركاء في حدوث الزلازل
مع تصاعد حدة الأنشطة البشرية وتكرار الهزات العنيفة التي ضربت تركيا وسوريا يوم الاثنين الماضي، أكد الباحثون في علوم الزلازل عن وجود علاقة علمية بينهما! بين الأنشطة البشرية والزلازل، وإن الزلازل ليست دائماً نتيجة طبيعية، ففي بعض الأحيان قد نتسبب نحن البشر بحدوثها.
ففي ظل زيادة عمليات الحفر وعمليات التكسير الهيدروليكي (هي وسيلة لاستخراج الغاز عن طريق تدفق سائل بين الصخور في باطن الأرض. حتى يسبب ضغط السائل في عمق معين من التربة إلى كسر وتشقق هذه الصخور).
وقد يؤدي استخراج كميات كبيرة من الوقود الإحفوري أو ملء الصخور المتصدعة بالسوائل، إلى الإخلال بتوازن القوى الضاغطة على القشرة الأرضية ومن ثم زيادة قوة الزلازل.
كما يتم الآن اهتمام عالمي بالطاقات النظيفة وتتوجه الدول إلى استغلال الطاقة الحرارية الجوفية في باطن الأرض بشكل متزايد عن طريق مضخات حرارية لتوليد الكهرباء، بطرق عديدة، منها استخدام البخار المنبعث من الحرارة المختزنة في الصخور في باطن الأرض. لكن في بعض الحالات، قد لا يكفي السائل في باطن الأرض لإيصال الحرارة إلى السطح في صورة بخار. ولهذا يضخ سائل في الحفرة لتكسير الصخور واستخراج الحرارة من جوف الأرض. لكن المشكلة أن الطين يتغلغل في الشقوق بدلاً من أن يصعد للأعلى، وبالتالي يزداد الضغط على الصخور وتتشقق وتتخلل التربة وتنزاح القشرة على سطح الارض مسببة الهزات الأرضية.
ومن الواضح أن المخاوف قد زادت في الآونة الآخيرة من ارتباط الهزات الأرضية بالأنشطة البشرية، ولا سيما في حالة وجود عمليات حفر أو أنشطة استغلال الطاقة الحرارية الجوفية بالقرب من مكان الزلازل.
كيف يحدث الزلزال؟
الزلزال هو عبارة عن اهتزاز مفاجئ يُصيب الأرض، والذي ينتج نتيجة مرور الموجات الزلزالية عبر صخور الأرض، حيث تنتج هذه الموجات نتيجة إطلاق إحدى أشكال الطاقة المخزنة داخل القشرة الأرضية بفعل تصدع وانزلاق كتل الصخور ضد بعضها البعض بشكلٍ مفاجئ.
وتقاس الزلازل بمقياس ريختر، وهو مقياس لوغاريتمي، بمعنى أن كل زيادة درجة واحدة على مقياس ريختر يقابلها زيادة عشرة أمثال في القوة عن الدرجة التي تسبقها.
فالدرجة 7 أقوى من الدرجة 6 بعشر مرات والدرجة 5 أقوى من الدرجة 4 بعشر مرات والدرجة 7 أقوى من الدرجة 5 بمائة مرة وهكذا الأمر بالنسبة للكسور بعد العدد الصحيح إن الزلزال بدرجة 7.7 أقوى من الزلزال بدرجة 7 أقوى منه بسبع مرات تقريباً وهكذا، علماً أن أعلى رقم عملي على سلم مقياس ريختر يمكن تسجيله هو 8.9 وهو يمثل شدة زلزال الحركة ( التكتونية ) والحركة التكتونية تسمى ( الحركة المولدة للجبال)، وفيها تتغير معالم القشرية الأرضية من سهول وجبال وأنهار.
دور الأنشطة البشرية في حدوث الزلازل
غالباً ما يُنظر إلى الزلازل على أنها قوى طبيعية تماماً، حيث لا يمكن التنبؤ بها إلى حد كبير ولكن هذا قد يتغير، إذ حددت دراسة نُشرت في مجلة علمية محكمة أن النشاط البشري ساهم في حدوث الزلازل على مدار الـ 150 عاماً الماضية، فقد فوجئ الباحثون عندما اكتشفوا أن النشاط البشري تسبب في حدوث زلازل تصل قوتها إلى 7.9 درجة، وأن عدد الزلازل آخذةً في الارتفاع بشكل واضح في بعض مناطق العالم.
ما نوع النشاط البشري الذي يسبب الزلازل؟
وفقًا للبيانات الصادرة عن إحدى التقارير والموجودة في قاعدة بيانات متاحة في الإنترنت، فإن التعدين يمثل أكبر عدد من الزلازل التي يسببها الإنسان في جميع أنحاء العالم، حيث تقوم شركات التعدين بعمليات الحفر في داخل القشرة الأرضية بشكل أعمق من أي وقت مضى، كما يتم إزالة الكثير من الصخور والمواد الأخرى من الأرض، بحيث يحدث عدم الاستقرار في الأرض، مما يؤدي إلى حدوث الزلازل، ووفقاً للمسح الجيولوجي فإنه يمكن أن يؤدي التكسير إلى نشاط زلزالي، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو نتيجة التخلص من مياه الصرف الصحي المستخدمة في العملية.
السدود ودورها في إحداث الزلازل
رغم فوائد السدود إلا أنَّ لها آثاراً سلبية على الأرض بفعل ضغط الماء على الصخور والشقوق، حيث يتراكم الإجهاد في الأرض بسبب وزن الماء فوقها مما ينتج أحيانًا هزات أرضية.
كما أيضاً التفجيرات النووية لها دور في إحداث الزلازل، بالإضافة طبعاً لعوامل أساسية أخرى مهمة وهو وجودها على الفوالق الانهدامية كما في زلزال سوريا المتواجدة على الفالق الانهدامي الأفريقي الذي يقطعها من الشمال إلى الجنوب
التصميم الهندسي المقاوم للزلازل
ولا يقتصر الأمر على مشاريع التعدين وبناء السدود والحفر والتخلص من مياه الصرف الصحي والانفجارات النووية فهناك أسباب تتعلق بشكل مباشر بوجدان المهندسين ومعرفتهم بالتصميم الهندسي المقاوم للزلازل بالإضافة لجشع بعض المقاولين في تنفيذ الأبنية والتلاعب في كميات الحديد و الإسمنت التي يؤدي نقصها إلى المساهمة مع بعض عوامل أخرى لانهيار المباني.
الأبنية المقاومة للزلازل هي أبنية تم تنفيذها لتقاوم زلزالاً بشدة معينة على سلم ريختر وهذه الشدة الزلزالية تم حسابها من إحصاء عدد الزلازل وشدة الزلزال وتاريخ حدوثه ذلك لكل الزلازل التي حدثت بالتاريخ المكتوب.
والبناء المقاوم للزلزال بدرجة 8 مثلا يقاوم الزلزال بدرجة 8.1 فيتصدع ولكن لا ينهار وذلك من أجل الزلزال الذي يحدث كل 250 سنة.
لا شك أن المبنى المنفذ وفق التصميم يكون أكثر أماناً من المبنى الذي لعب به المقاول في خيارات الأمان فقام بتعديل أقطار الحديد وخفض نسبة الإسمنت في البيتون، ما أضعف القيمة الإجمالية لمقاومة المبنى.. بالإضافة لعدم الدراسة الوافية للتربة ونتيجة جهل المصمم لما تحت الأرض… من بين المباني القليلة التي صمدت في الزلزال الذي ضرب تركيا وجميع المباني المحيطه به انهارت بالكامل هو “مبنى المهندسين المدنيين” في مدينة قهرمان مرعش، قام المهندسون ببنائه وفق أعلى المعايير الهندسية ومن بينها معايير مقاومة الزلازل، فبقي مكانه وكأن شيئاً لم يحدث، حتى الزجاج لم ينكسر.
نهاية العالم
وبالتالي إذا استمرينا على هذا المنوال من عدم احترامنا للطبيعة وعدم دراسة المشاريع دراسة علمية نزيهة وعدم احترام الإنسان وحقوقه الذي هو الهدف النهائي من هذه المشاريع، سيأتي يوم لا يوجد في سانتيمتر واحد قابل للعيش على هذه الأرض.
ربما في المستقبل سيكون بالإمكان انتقال البشر المتبقين إلى المريخ لعله يصير مكاناً مناسباً لهم ويتركوا الأرض لسكانها الأصليين ليقتاتوا ما تبقى لهم أو ليتعرضوا لزلازل جديدة ولكن ربما لا يعجب بهم كوكب المريخ ويلفظنهم مرة ثانية إلى الأرض.
المصدر: أورينت