بعيداً عن الجانب الإنساني العصيب الذي سببته كارثة القرن كما سماها العلماء، وعشناها حقيقة وواقعاً ورعباً لا مثيل له، وما نزال نعيش هزاتها الارتدادية وانعكاسها الارتدادي على الواقع الصحي والإغاثي والاجتماعي إلى اليوم، فأصلاً كنا نعاني من أكثر من سبعين ألف إصابة كوليرا في الشمال السوري عموماً أغلبها في شمال غربي سوريا، إضافة إلى تدهور البنى التحتية وتأمين المياه النظيفة منذ قطع النظام المياه عن مدينة الباب، فكانت محناً متتالية بعضها فوق بعض.
لكن ما الدروس والعبر التي ينبغي تعلمها من هذه المحنة الكبيرة والتي بلغ عدد ضحايا الزلزال من السوريين قرابة سبعة آلاف إنسان سوري في سوريا وتركيا، وفق الشبكة السورية لحقوق الإنسان، لكن رغم كل ذلك فقد أثبت السوريون القدرة الجبارة في لملمة الجراح وتضميد جراحهم بأنفسهم في موقف عصيب جداً، وبظل تأخر وتعثر أية مساعدة دولية إسعافية جادة بوقت المحنة في أيامها الأولى، لكن هذا النجاح والتلاحم بين فئات الشعب لإنقاذ أنفسهم وإصرارهم على الحياة من جديد يشي بصورة الشجاعة والصبر والتغلب على الصعاب لهذا الشعب الذي صقلته الأزمات والمحن وعلمته التجارب الصعبة الكثير، وكما يقولون الضربة التي لا تقتلك ستجعلك أقوى.
واليوم ينبغي أن نمتلك الجرأة بالتفكير والعمل، لكسر هذا الانسداد في الأفق السياسي والانحشار الذي حشرنا إياه المجتمع الدولي وتكريس شعور اليأس والانتظار بظل محاولات تعويم النظام وإعادة العلاقات معه والتي هي اليوم متعثرة وقد تكون غداً غير ذلك.
وبظل التعثر الإداري والقيادي الذي نعيشه بالانفصال عن الواقع الميداني، رغم كل تلك المحن.
شباب كالزهور ما إن تقول لهم هناك عمل إسعافي هنا وهناك حتى يهب دون تردد أو تفكير، رغم كل الظروف المناخية والمادية وشظف العيش
عشنا وما زلنا نعيش كارثة القرن وانعكاسها العنيف، وشاهدنا جميعا روح الإيجابية والفزعة وآخرها فزعة العشائر السورية والتي كانت قافلة كبيرة لأهلنا المنكوبين في مناطق الزلزال، والسعي الحثيث بين السوريين لإنقاذ أنفسهم بأنفسهم، وتراكض الناس ولهفتهم وإيثارهم على أنفسهم ذوي الحاجة ومن فقد بيته أو أفراد عائلته، وشباب كالزهور ما إن تقول لهم هناك عمل إسعافي هنا وهناك حتى يهب دون تردد أو تفكير، رغم كل الظروف المناخية والمادية وشظف العيش، فالذي عشناه ورأيناه واقعاً في صلب المحنة من النجدة والشهامة بقيت هي السمة الغالبة.
هذا الشعب يستحق حياة أفضل، فهو شعب حي ينبض بالحياة والذي خوّف العالم من حراك هذا الشعب ونضاله، وألصق به تهماً شتى هو طرف ماكر مخادع، فهذا الشعب رغم محنته صابر ويحترم أي دولة تقدر هدفه ونضاله وتعينه بأي شيء في محنته التي تجاوزت العقد من الزمن، ولا ينسى السوريون المعروف، كما أثبت الشباب السوري تميزه الأكاديمي في جامعات العالم، ونجاحه التجاري والصناعي، لكنه بحاجة اليوم لأن ينظّم صفوفه ويفرز قيادته ليعيد نسق عمله وجمع طاقاته في نضاله التحرري الديمقراطي، فالفوضى لا تصنع واقعاً جيداً ولا تحقق نصراً، وكما يقولون: أفراد بوعي وتنظيم خير من جيش تائه.
علّمنا الزلزال أننا نستطيع أن نكون وأن نحيا وأن نتجاوز المحن رغم كل الظروف، وأن النخوة والنجدة ما تزال فينا ولم يغيرنا سوء الأحوال، ولو أهمل العالم ودول المركز قضيتنا، فنحن شعب كما يقول باتريك سيل عمره أكثر من عشرة آلاف عام فيمتلك إرثاً حضارياً عريقاً، يستطيع بعزم وتصميم أن يعود من جديد ويثبت ذاته وقدرته وهو الذي كسر طوق الدولة البوليسية المفروضة عليه يوماً ما، قادر على أن يكسر طوق اليأس والفوضى والاستسلام، على أسس صحيحة، فانتظارنا للحل لن يأتي بالحل مالم نصنعه نحن.
خرجنا من كارثة القرن للحياة من جديد، كما خرجت المنطقة من زلزال كبير مشهور تاريخياً عام 1138م ضرب حلب وإدلب باتجاه الساحل، وكانت ضحاياه كبيرة جداً تدمرت أغلب المدن ثم نهضت وتعافت وازدهرت من جديد، ونحن أحوج ما نكون للنهوض والتعافي والتحرر، بظل واقع من الصراع والتهجير تجاوز العقد من الزمن، وينبغي أن نخرج من دائرة الانتظار والانسداد في الأفق السياسي والإهمال الدولي، لشعب عانى ويعاني وهو يرتقب لحظة تاريخية تنصفه، لكن مالم نصنع حياتنا نحن فلن يصنعها لنا أحد.
لم تنقصنا الشجاعة يوماً ولا الصبر ولا التصميم، لكن ينقصنا التنظيم والعمل وفق قواعد صحيحة، لنصنع حياتنا ونحقق أهداف نضالنا.
أردنا حياة كالحياة لكن أرادوا لنا شيئاً آخر، وكما خرجنا من محنة الزلزال سنخرج من الانسداد السياسي لنحقق حلماً انتظرناه طويلاً وسيتحقق بإذن الله..
المصدر: موقع تلفزيون سوريا