بعد أربعة أيام على حصول كارثة الزلزال الفظيع الذي ضرب مناطق واسعة من سوريا وتركيا وقتل وجرح وشرّد الآلاف على جانبي الحدود، قرّر رئيس النظام بشار الأسد وزوجته أسماء الأخرس أن ارتدادات الزلزال قد انتهت وأن الوقت حان للظهور في جولة علاقات عامّة في مدينة حلب التقطا فيها صوراً وهما يتضاحكان وقد ظهرت على وجهيهما آثار النعمة والسرور الشديد!
بدا الأمر وكأن الزلزال، في المدينة التي أخضعها النظام وحلفاؤه الروس لسنوات من القمع والغارات التي استهدفت المشافي والأسواق والمناطق المأهولة بالسكان، كان مناسبة لاحتفال الرئيس السعيد بالاتصالات الهاتفية من زعماء عرب وأجانب، تعزّيه بالمصائب الجديدة التي انهالت على شعبه، وبدعوات «فك الحصار» عن سوريا، التي تعني، بالنسبة إليه، وقف العقوبات التي طالته وكبار المسؤولين عن قائمة الاتهامات بالقصف الكيميائي للمدنيين وبارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، كما تعني، إمكانية دخول المساعدات الإنسانية من بلدان العالم، واستخدامها كوسيلة جديدة للنهب، أو للتمييز في درجات وأهمية المستحقين، وهو ما كان موضوع شكوى وتذمر على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي الموالية.
تعود قائمة العقوبات الأمريكية والأوروبية على النظام إلى فترة طويلة تمتد من 1979 حين صنّف النظام كدولة راعية للإرهاب، ومحتلة للبنان، وتصاعدت تلك العقوبات بعد حملات القمع ضد المتظاهرين منذ عام 2011،، واستخدام السلطات العسكرية والأمنية في ارتكاب مذابح مروّعة ضد المدنيين، وكان الهدف منها حرمان النظام من القدرة على تمويل قواته القمعية، وحظر الشركات الأمريكية من استيراد النفط السوري، ومصادرة أملاك المسؤولين الكبار، وصولا إلى صدور «قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا» عام 2019، والذي توسع لاستهداف الكيانات الأجنبية التي تقدم الدعم للنظام.
يكشف مقال رأي لمدير مؤسسة تدافع عن العرب والمسلمين في أمريكا، عن الخلط في فكرة ربط المساعدات الأممية والإنسانية بقضية العقوبات على النظام، مؤكدا أن لا تأثير للعقوبات على وصول المساعدات الإنسانية التي توزعها الأمم المتحدة في مناطق النظام، بل إن أمريكا نفسها ساهمت فيها بما يقدر بـ18 مليار دولار، وأن تلك المساعدات مستمرة رغم توثيق عمليات فساد، وعمل النظام على التأثير على مناطق توزيعها، ومنعها من دخول مناطق المعارضة، واستخدام روسيا، حليفة النظام، نفوذها في «مجلس الأمن» لتضييق المجال على دخول المساعدات الأممية إلى مناطق المعارضة عبر تركيا، وحصرها في معبر واحد، مع ابتزاز المنظومة الدولية بالعودة للاجتماع كل ستة أشهر لتجديد قرار دخول المساعدات.
توضّح الوقائع الآنفة أن العقوبات تستهدف النظام ومسؤوليه الكبار وتستهدف منع تمويل آليات الأمنية والعسكرية ضد السوريين، وأنها لا تمنع المساعدات بل تمنحه، بالأحرى، القدرة على ممارسة ما هو ناجح فيه، وهو تحويل الآليات الدولية للمساعدة، إلى مجال كبير للفساد، والذي كان من أمثلته البارزة، إعلان منظمة الصحة العالمية في تشرين أول/أكتوبر الماضي اتهامات كبيرة بالفساد لمديرة مكتبها في دمشق، التي قامت بتوزيع ملايين الدولارات على مسؤولي النظام السوري على شكل هدايا، بعد أن كشفت وكالة أنباء «أسوشييتدبرس» أكثر من 100 وثيقة عن تلك العمليات.
هناك أرشيف كبير يوثّق استهداف النظام لأي شكل من أشكال الدعم الطبي أو الغذائي أو الإنساني لأي منكوب أو جريح أو مصاب، وقد سجن وقتل وعذّب آلاف الناشطين لأنهم حاولوا تهريب معدات أو أدوات أو وسائل طبية، وقد تكرر عدة مرات قصف طائرات النظام وروسيا جزءا من قوافل المساعدات قادمة من تركيا باتجاه مناطق المعارضة.
ملخّص الأمر أن الحصار قائم، منذ أكثر من 10 سنوات، ضد المناطق المعارضة للنظام، التي يسكنها قرابة 4,5 مليون شخص، نصفهم من النازحين والهاربين من قمع النظام، وأن الرئيس الضاحك سيرى أن «رفع العقوبات» هو رخصة جديدة تعطى له لمتابعة قتل السوريين.
المصدر: القدس العربي