“وداعاً للفيسبوك” بهذه العبارة عنون الناشط العلوي السوري أمين صقر حسن أحدث منشوراته على الموقع، بعد غيابه لمدة يومين بسبب استدعائه من قبل مخابرات النظام السوري من أجل التحقيق معه.
ومنذ إعلان الحسن استدعاءه إلى فرع الأمن العسكري في اللاذقية، تفاعل الكثيرون مع منشوره الذي هاجم فيه بشدة رئيس النظام بشار الأسد، حيث اعتبره المسؤول عما لحق بسوريا من دمار وما سال فيها من دماء، كما اتهمه بالمسؤولية عن وضع الطائفة العلوية في مواجهة السوريين واستنزاف شبابها في الحرب التي يشنها النظام ضد الثورة الشعبية منذ عام 2011.
هجوم ضد بشار
استدعاء حسن من قبل الاستخبارات جاء على خلفية نشر الناشطة السورية المعارضة ميسون بيرقدار حديثاً معه على اليوتيوب، تحدث خلاله عن الأوضاع السياسية والاقتصادية في سوريا، وهاجم فيه بشدة النظام ورئيسه، لكنه أكد أن بيرقدار لم تخبره بأن الحديث مسجل وسيتم نشره، معتبراً أنها “ورطته” وإن كان قد أبدى التمسك بكل ما ورد فيه.
وعلى مدى الأشهر الماضية، بدا لافتاً تصاعد الأصوات من داخل الطائفة العلوية للتنديد بالنظام والمطالبة بإيجاد حلول لما تعيشه البلاد، حيث كان الحسن أحد أبرز هؤلاء. وهو ناشط سياسي معروف، من مواليد ريف مدينة جبلة في الساحل السوري عام 1953، حاصل على دبلوم التربية الرياضية، ويعمل مدرساً في مدينة جبلة التي يقيم فيها.
كما أنه معروف بانتقاده المستمر للنظام ولعائلة الأسد بشكل محدد، الأمر الذي عرضه للاعتقال مرات عدة قبل عام 2011، رغم أنه لم ينتسب لأي من الأحزاب والتيارات السياسية التي كان من المعتاد أن ينخرط فيها الناشطون العلويون المعارضون، وخاصة رابطة العمل الشيوعي.
ومع ذلك فقد تخوف الكثيرون على مصير الحسن هذه المرة، خاصة بعد تصعيده الكبير في الحديث المسجل مع الناشطة بيرقدار، وكذلك في المنشور الأخير الذي كتبه قبل تسليم نفسه للمخابرات يوم الخميس، والذي حمل عنوان: “الرسالة الأخيرة لرئيس هذا النظام الأشد اجراماً في تاريخ البشرية.. بشار ابن حافظ الأسد”.
واعتبر حسن في المنشور أنه “لدى أجهزة مخابرات النظام، وعن طريق وكالة المخابرات الأميركية، وأجهزة المخابرات الإسرائيلية، يوجد السر الأعمق لوصول الأسد لهذه السلطة، والسند الرئيسي الداعم لبقائه على صدر هذا الشعب العظيم بمختلف ألوانه منذ عام 1970 حتى اليوم”.
وأضاف تعليقاً على استدعائه من قبل فرع الأمن العسكري: “أنا لست إلا واحداً من هذا التجمع السكاني في ريف الساحل السوري، والمسمى بلغة العقل المغلق المتخلف الطائفة العلوية.. أشرف وأطهر وأطيب وأبسط وأذكى ناس مروا على سوريا قبل، وصولكم السلطة”.
وتابع موجهاً كلامه لبشار الأسد: “لقد قامرت وقتلت زهرة شباب هذه الطائفة، وحولت قراها إلى مقابر، وأمهات وآباء هؤلاء الفقراء المسحوقين عبر التاريخ، حولتهم إلى مفجوعين باكين فوق قبور أبنائهم..من أجل ماذا ؟..من أجل حماية سرقاتكم ونهبكم لهذه الدولة وليس أبداً من أجل حماية الوطن”.
وأضاف كذلك: “لقد حولتم هذا التجمع البشري المبدع الخلاق، من خلال غياب القانون، إلى دريئة للتهم، فصرنا بنظر المجتمع لصوصاً وقتلة وزناة ومغتصبين وقطاع طرق..أما نحن فلا زالت غالبيتنا بريئة كل البراءة من هذا.. لقد وضعت رقابنا على حد السكين، وخلقت بنا إحساساً بالذنب تجاه جرائم فظيعة لاعلاقة لنا بها”.
تفاعل وتضامن
وشهدت وسائل التواصل الاجتماعي تفاعلاً كبيراً مع هذا المنشور، وحملات تضامن تطالب سلطات النظام بضمان سلامة الحسن وإطلاق سراحه، وبالفعل فقد ظهر مساء الجمعة ليعلن الإفراج عنه من خلال المنشور الذي قال إنه سيكون الأخير له.
مصدر سوري علوي معارض أكد ل”المدن” أن التضامن مع حسن كان كبيراً في الأوساط الشعبية في الساحل السوري، حيث تتسع دائرة المؤمنين بما يقوله هو وبقية ناشطي الطائفة، بعد أن نجح النظام بتخويف العلويين وإقناعهم بأن الثورة السورية هي ثورة طائفية تستهدف إبادتهم، ما أدى لزجهم في حرب فقدوا خلالها عشرات الآلاف من الشباب، مع ازدياد معدلات الفقر والبطالة والقمع، في الوقت الذي يشاهد فيه الجميع كيف يثرى رجالات النظام وتتوالد طبقات من أمراء الحرب على حساب الجميع.
المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أكد أن هذا التفاعل الكبير مع قضية الحسن، هو الذي أجبر النظام على إطلاق سراحه، لكن الجميع يتخوف من قيام مخابراته بالانتقام منه بشكل غير مباشر لاحقاً من أجل تخويف الآخرين وتكميم أفواه الناشطين العلويين للتوقف عن انتقاده ومهاجمته.
“أنا عاجز عن شكر كل صديق ومحب ومعلق داخل وخارج سوريا، وكل من خط حرفاً أو بعث رسالة”، كلمات كتبها الناشط الحسن بعد مغادرته فرع الأمن العسكري في اللاذقية، تؤكد ما ذهب إليه المصدر حول الدور الذي لعبه التفاعل مع قضيته في الإفراج عنه.
لكن يبقى السؤال الأهم الذي يطرحه الكثيرون حول تصاعد الأصوات العلوية المعارضة للنظام هو إلى أي حد يمكن أن تؤدي هذه الأصوات إلى إحداث تحول مؤثر في مسار القضية السورية بالفعل.
المصدر: المدن