ما تزال قضية “الإغلاق” وتجميد الدعم المخصص من الخزانة تلاحق “حزب الشعوب الديمقراطي” الموالي للأكراد في تركيا، وعلى الرغم من طلبه قبل عشرة أيام تأجيل هذه الإجراءات لما بعد موعد تنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، إلا أن مساعيه قوبلت بالرفض، من جانب “المحكمة الدستورية العليا”.
ولم يتبق أمام موعد تنظيم الانتخابات سوى أقل من أربعة أشهر، وبينما حسم الحزب الحاكم وحليفه القومي اسم الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان كمرشح رئاسي وتستعد ستة أحزاب من المعارضة للكشف عن منافسها، يترقب “حزب الشعوب” أسوأ السيناريوهات، ويحاول البناء على أساسها.
وستكون انتخابات 2023 واحدة من أكثر الانتخابات التاريخية في تركيا، التي سيشتد فيها السباق وتصل التوترات السياسية إلى ذروتها، وكثيرا ما وصفها إردوغان بـ”الحاسمة والمصيرية”، وفي مقابله أحزاب المعارضة.
وذكرت وسائل إعلام تركية، الخميس، أن “المحكمة الدستورية” وهي أعلى سلطة قضائية في البلاد رفضت طلب الحزب الموالي للأكراد، بتأجيل قضية “الإغلاق إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية”.
ومع ذلك، قررت المحكمة الدستورية منح 15 يوما إضافيا له للدفاع عن إجراء حظر حساب مساعدات الخزانة الخاصة به، على أن يتم تقديمه في الرابع عشر من شهر مارس المقبل.
وكان الرئيس المشارك للحزب، ميثات سنكار قد أعلن، في السادس عشر من يناير، أن اللجنة القانونية الخاصة بـ”الشعوب الديمقراطي” تقدمت بطلب جديد إلى المحكمة الدستورية (AYM) فيما يتعلق بقضية الإغلاق.
وقال سنكار: “هذه القضية لها طابع سياسي، والغرض منها هو قمع السياسة الديمقراطية، وتنفيذ خطط تصفية حزب الشعوب الديمقراطي”.
وفي حين ألمح الزعيم المشترك للحزب الذي تتهمه الحكومة بالارتباط بـ”حزب العمال الكردستاني” المصنف على قوائم الإرهاب إلى “خطورة عملية الإغلاق” أشار من جانب آخر إلى “استعدادات يجرونها لجميع السيناريوهات الممكنة”، قائلا: “أنشأنا خياراتنا وفقا لهذه السيناريوهات”، دون أن يحددها.
“باهشتلي يضغط”
تعود قضية إغلاق ثالث أكبر حزب في البرلمان التركي بعد “العدالة والتنمية” الحاكم و”حزب الشعب الجمهوري” المعارض إلى شهر يونيو 2021، وبينما استمرت مساراتها على مدى الأشهر الماضية وصلت مؤخرا إلى مرحلة تجميد الدعم المالي المخصص له من الخزانة.
وفي الخامس من شهر يناير الحالي قضت المحكمة الدستورية العليا بتجميد الدعم المالي للحزب “مؤقتا”، في قرار اتخذ بأغلبية 8 أصوات مقابل 7 أصوات معارضة، وجاء بناء على طلب قدمه المدعي العام لمحكمة النقض، بكير شاهين، في التاسع عشر من شهر ديسمبر العام المنصرم.
وطلب شاهين، في الأيام الأخيرة من 2022 تقييد الوصول “بشكل عاجل” إلى الحسابات المصرفية لـ”حزب الشعوب”، معتبرا أن الأخير لديه “علاقات عضوية” مع “حزب العمال الكردستاني” المحظور، ويستخدم الأموال بما يتماشى مع أهداف الجماعة المسلحة.
وبعد الطلب الذي قدمه الحزب المعارض في تأجيل القضايا التي تلاحقه إلى ما بعد الانتخابات خرج حليف الرئيس التركي زعيم حزب “الحركة القومية”، دولت باهشتلي بتصريحات “حادة” انتقد فيها “المحكمة الدستورية”، وطالبها بإصدار قرار الإغلاق “في أقرب وقت ممكن”.
وقال باهشتلي: “هل تنظر المحكمة الدستورية في ترك دماء شهدائنا إلى ما بعد الانتخابات؟ يجب طي كتابه القانوني وتعليق القفل على بابه”، في إشارة إلى “الشعوب الديمقراطي”، مضيفا: “ليس من المناسب للمحكمة تخفيف القضية. محاولة المحكمة الدستورية للعب مع الوقت هي كمن يجلب الماء إلى طاحونة الإرهاب”.
وتشير معظم تصريحات الحزب الموالي للأكراد إلى أن الدفع بقضية الإغلاق يتم بشكل أساسي من حزب “الحركة القومية”، فيما تؤكد الحكومة في تصريحاتها على أن القضاء في البلاد مستقل، ولا تتدخل فيه قرارات سياسية.
لكن في المقابل تتهم حكومة الرئيس إردوغان “الشعوب الديمقراطي” بوجود صلات له مع “حزب العمال الكردستاني” (pkk)، ما أدى لمحاكمة الآلاف من أعضائه وبعض قادته في السنوات الماضية، فيما ينفي الحزب الكردي وجود هذه الصلات.
“هدفان وحملة لصانع الملوك”
ومع بدء العد التنازلي لموعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا حسم اسم إردوغان كمنافس رئاسي مع تحالف حزبه مع “الحركة القومية”، بينما تنسّق ستة أحزاب من المعارضة خطواتها في محيط طاولة سداسية، ومن المقرر أن تعلن عن منافسها في الأسبوعين المقبلين.
أما “حزب الشعوب” لا يزال حتى الآن خارج هاتين الضفتين، بينما ألمحت تصريحات مسؤولين كبار فيه إلى أنه يستعد للمنافسة في الانتخابات، بمرشح خاص، وبموجب التحالف الذي أسسه مؤخرا مع خمسة أحزاب أخرى.
وأطلق على التحالف اسم “تحالف العمل والحرية”، ويضم أحزاب: “العمال التركي TİP”، “العمل EMEP”، “الحرية الاجتماعية TOP”، “الحركة العمالية EHP”، “اتحاد المجالس الاشتراكية”.
ولطالما وصف مسؤولون في “الشعوب الديمقراطي” الحزب بأنه “صانع الملوك” في البلاد، قاصدين الدور الذي يلعبه في كل انتخابات، من زاوية ترجيح الضفة التي ينضم إليها، بناء على القاعدة الشعبية الخاصة به.
وفي أول انتخابات خاضها في يونيو 2015 كان “الشعوب الديمقراطي” قد حصل على 13.1 بالمئة من الأصوات و80 مقعدا في البرلمان المكوّن من 550 مقعدا.
وفي انتخابات 2018 حصل على نسبة 11.7 بالمئة من الأصوات و67 مقعدا في البرلمان (من أصل 600 مقعد بعد التعديل الدستوري) ليكون ثالث أكبر حزب في “مجلس الأمة الكبير” (البرلمان) بعد “العدالة والتنمية” و”الشعب الجمهوري”.
أما في عام 2019 فقد أسفر الدعم الذي قدمه في الجولة الثانية من انتخابات البلدية إلى رجحان كفة المعارضة وبالتحديد “حزب الشعب الجمهوري” في الفوز برئاسة بلدتي أنقرة وإسطنبول.
وفي بيان نشره، الأربعاء، اعتبر “الشعوب الديمقراطي” أن “منع مساعدات الخزينة مخالف للدستور والقانون، وهو قرار سياسي اتخذته المحكمة الدستورية لمنع الحزب، وإطالة عمر حكومة حزب العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية”.
وأشار الحزب في بيانه إلى أنه أطلق حملة تبرع تحت عنوان “كنزنا هو شعبنا”، كخطوة ردّ من خلالها من إجراء حظر دعم الخزانة الذي يتلقاه.
وكان من المقرر هذا العام تقديم 539 مليون ليرة تركية من مساعدات الخزانة إلى الحزب 179 مليونا منها حتى 10 يناير، ومع قرار التجميد لا تعرف بالتحديد الخيارات التي قد يتبعها الأخير في المرحلة المقبلة.
وحسب وسائل إعلام تركية ينظر إلى هذه القضية التي تستهدف “حزب الشعوب” بعين الأهمية، من زاوية الخيارات التي قد يتبعها الأخير في حال تم إغلاقه، وانعكاسات ذلك على التشكيلة الانتخابية للأحزاب بالعموم.
وفي الانتخابات البلدية والرئاسية 2018 و2019، كان الحزب المذكور دعم مرشحي أحزاب المعارضة دون شروط، فيما تسود ضبابية بشأن ما إذا كان سيتبع ذات المسار في الانتخابات المقبلة أم لا، بمعنى أنه سيمضي ضمن تحالفات أو يغرد منفردا، وخاصة أنه لم يتلق أي بادرة إيجابية من أحزاب المعارضة الستة، التي شكّلت في فبراير 2022 “طاولة سداسية”.
بدورها قالت الناطقة باسم حزب “الشعوب”، إيبرو غوناي في بيان، الخميس، إن “قرار رفض طلب حزبنا لترك عملية التقاضي لما بعد الانتخابات لم يأت من المحكمة الدستورية بل من اجتماع مجموعة حزب الحركة القومية يوم الثلاثاء”.
واعتبرت غوناي أن الرفض يشير إلى “هدفين مهمين”، الأول: “يريدون خلق حالة من الغموض من خلال تأرجح قضية الإغلاق على حزب الشعوب الديمقراطي”، والثاني: “من خلال منع مساعدات الخزينة فإنهم يهدفون إلى جعل العمل الانتخابي مستحيلا، باغتنام الفرص المالية التي حصل عليها حزبنا كحق”، حسب قولها.
ما المتوقع؟
ولا تعرف الخيارات التي قد يسلكها حزب “الشعوب” بدقة، في حال صدر قرار قضائي بحقه بالحظر قبل موعد الانتخابات، فيما أشار مراقبون ومسؤولي أحزاب يتحالف معهم الأخير إلى مسار قد يتم اتخاذه، مثل ترشيح شخصيات مستقلة أو عدد من الشخصيات في قوائم أحزاب أخرى.
ورجّح الكاتب محمد تيزكان في مقالة له على موقع “هالك تي في”، الخميس أن تقدم المحكمة الدستورية على إغلاق الحزب “عشية الانتخابات”، حسب تعبيره. وقال إن الأمر يأتي “بناء على طلب من دولت باهشتلي”.
ويضيف تيزكان أن طلب “الشعوب الديمقراطي” بتأجيل القضايا التي تلاحقه إلى ما بعد الانتخابات تتعلق بـ”قياس النبض، وبهدف عدم التنازل عن اللحظة الأخيرة”، مشيرا في المقابل إلى “تحالف العمل والحرية”.
وقد يقدم الحزب المهدد بالحظر على “تنشيط حزبه الاحتياطي أو تسمية مرشحين برلمانيين من أحزاب أخرى متحالف معها” ضمن “العمل والحرية”، إذ يضيف الكاتب: “مهما فعل باهشتلي، سترسل قاعدة حزب الشعوب الديمقراطي نوابا إلى البرلمان”.
بدوره قال إركومنت أكدنيز زعيم “حزب العمل” في رده على سؤال حول كيفية إجراء الانتخابات إذا تم إغلاق “حزب الشعوب”: “لا نريد التفكير في أسوأ سيناريو. لكن إذا حدث ذلك ستدخل ثلاثة من الأحزاب الأربعة (ضمن تحالف العمل والحرية) الانتخابات، ولن تترك الشعب بدون خيارات”، مضيفا: “يمكن لأعضاء حزب الشعوب أيضا تقديم قوائمهم من هذه الأحزاب الأخرى المتحالف معها”.
وسبق أن حظرت محاكم تركية أحزابا كردية، لاتهامها بالتعامل مع “العمال الكردستاني”، لكن أحزابا كردية أخرى سرعان ما عادت إلى المشهد السياسي، من خلال إعلانات جديدة عن تشكيلها، ولو بأسماء مختلفة.
المصدر: الحرة. نت