تكتسب جولة وزير الخارجية الصيني في مصر وبعض الدول الافريقية أهمية خاصة لهذه المرحلة، ولنا على هذا الموضوع الملاحظات الآتية:
الملاحظة الأولى: أن الصين قطعت شوطا طويلا في الوصول إلى مناطق النفوذ الأمريكية والغربية، خاصة في افريقيا والعالم العربي، فقد أصبحت الصين تحل محل الغرب عموما في افريقيا ويرجع ذلك إلى أن الصين لا تدخل الشروط السياسية كالديمقراطية وحقوق الإنسان في تعاملاتها الدولية، لسبب مفهوم وهو أن الغرب يأخذ على الصين انتهاكها للحقوق والحريات وديكتاتوريتها داخل أراضيها، بينما تركز الصين على التنمية والمصالح الموضوعية المشتركة، ولذلك كسبت افريقيا وتراجع النفوذ الغربي في افريقيا.
الملاحظة الثانية: أن الغرب يتراجع والصين تتقدم، ولكن تراجع الغرب لا تحل محله الصين، فالصين لا يمكن ان تكون بديلا للولايات المتحدة مثلا، وإنما تعول إسرائيل على الصين تعويضا عن تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة، ويعتبر التعاون الصيني الإسرائيلي من الظواهر الجديدة، وكان لابد أن يدرك العالم العربي ذلك فقد كانت الصين تسمى الحليف الطبيعي للمنطقة العربية، أما الآن فإن إسرائيل منعت الحلفاء الطبيعيين من التواصل مع العالم العربي مثل الصين والهند وغيرهما بسبب عجز العالم العربي عن مد الخطوط النافعة معهما.
الملاحظة الثالثة: أن الصين لا تركز على إسرائيل وحدها، وإنما تأمل أن تكون إسرائيل ضمن ترسانة الصداقة الصينية في المنطقة، وتدرك الصين قطعا أن إسرائيل تعتمد اعتمادا مطلقا على الولايات المتحدة، وأن الأخيرة يتراجع نفوذها في المجال الدولي، ولكن إقبال إسرائيل على الصين بدأ مبكرا، لأنها تضع بدائل ولو غير كاملة للنفوذ الغربي، والمطلوب من الصين أن تحدد موقفها النهائي من إسرائيل. وقد جرت العادة أن العرب في الماضي كانوا يريدون الولاء الكامل للدول الكبرى لقضيتهم والعداء الكامل لإسرائيل، ولكن الموازين والقواعد تغيرت، ذلك أن الصين تزحف ببطء، ولكن بثبات نحو النفوذ الدولي حتى دخلت إلى العرين التقليدي للولايات المتحدة وهو، إسرائيل والمنطقة العربية وافريقيا. فقد تغيرت الخريطة السياسية لافريقيا وأصبحنا نجد لاعبين جددا غير الغرب وأهمهم روسيا وإيران وتركيا.
الملاحظة الرابعة: أن العلاقات الصينية المصرية تغيرت بتغير القاهرة ووزنها في الإطار الإقليمي والدولي فقد كانت مصر في الخمسينيات من القرن الماضي عصب القارة الافريقية والعرب، ولذلك أدى اعتراف مصر بالصين الشعبية لظروف طارئة، وكانت القاهرة هي البوابة الرئيسية للصين للدخول إلى افريقيا والعالم العربي. ووجدت الصين مصر هذا العام مختلفة بعد أن تآكل رصيدها العربي والافريقي، بل ويتردد أن للصين دورا في سد النهضة. ولذلك لا يمكن الاعتماد الكلي على سجل الاقتصاد المتبادل بين مصر والصين، ففي مصر تعمل 140 شركة في البناء والخدمات وبلغت الاستثمارات الصينية في مصر منذ عدة سنوات حوالي 30 مليار دولار، ولكن مقارنة الاستثمارات الصينية الحالية بالماضي لا تعكس تغير نظرة الصين إلى مصر.
الملاحظة الخامسة: أن الصين في هذه المرحلة تهدف أساسا إلى تحدي النفوذ الغربي وكانت الولايات المتحدة قد أفصحت عن مخاوفها منذ أكثر من 20 عاما من تقدم الصين، ولكن في هذه المرحلة يتشكل معسكر مضاد للغرب يهدف إلى تعديل المعادلة الحالية التي يتربع الغرب على الهيمنة العالمية فيها، وهذا المعسكر يضم الصين وروسيا وإيران، ولذلك يجب على الصين أن تحدد موقفها من إسرائيل والعرب على أساس المعطيات الآتية:
*إسرائيل أعلنت موقفها النهائي بمناسبة الأزمة الأوكرانية وهي، أنها جزء من الغرب وأنها يمكن أن تستخدم كمخلب قط ضد الصين وروسيا، ولا يمكن أن يظل الموقف الصيني من إسرائيل منسجما مع هذه المعطيات.
*إسرائيل أعلنت إنها ضد روسيا وربما تساهم في الحرب مع أوكرانيا ضد الروس ولذلك لا بد من أن تلتحم القوة الصينية مع القوة الروسية في سياق واحد.
* الصين قامت بحركة جريئة في العرين التقليدي للولايات المتحدة، عندما عقدت القمة الصينية السعودية والصينية العربية والصينية الخليجية، كما كانت قد عقدت القمة الصينية الافريقية، التي حضرها كل الرؤساء الافارقة، وكان ذلك مؤشرا دالا إلى رغبة الأفارقة في الميل نحو الصين على حساب الغرب.
والخلاصة أن الصين في الوقت الراهن ترسم سياستها اتجاه إسرائيل على ضوء هذه المعطيات ويجب على العالم العربي أن ينتهز الفرصة لكي يكسب الصين وروسيا إلى قضيته، ولكن المشكلة أن العالم العربي ليس مجمعا على قضية معينة فليس كل العرب ضد إسرائيل وليس كل العرب مع فلسطين. ولا يكفى أن يدين وزير خارجية الصين ما سماه بالاستفزازات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والمطلوب من الصين أن تبلور سياسة حاسمة اتجاه القضية الفلسطينية واتجاه إسرائيل ولكي تفلت الصين من الانقسامات العربية فإننا ننصحها أن تعتبر فلسطين للفلسطينيين ويتحول اليهود إلى أقلية داخل الدولة العربية الديمقراطية وللخروج من هذا المأزق والتراوح بين الجانبين، ننصح الصين بالتمسك بالسلام العادل المستند إلى قرار التقسيم مع تعديله بحيث نمكن الفلسطينيين من العيش معا في حدود آمنة في دولتين تقتسمان أرض فلسطين بالتساوي وهذا هو مضمون سياسة الدولتين الذي يتبناه المجتمع الدولي.
أستاذ القانون الدولي والعلاقات الدولية ـ جامعة القاهرة
المصدر: القدس العربي