يعاني مئات آلاف النازحين في المخيمات الحدودية شمال غربي سوريا من شح المياه، والتي باتت عبئاً آخر يضاف إلى الأعباء المعيشية الأخرى المتردية، بدأت بالتفاقم في شهر رمضان ومع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة وتنذر بكارثة إنسانية وصحية، ما لم تُتخذ التدابير والوسائل الممكنة من قبل القائمين ومعالجتها بشكل مباشر وسريع
ويقول مزيد الحسين، أحد قاطني «مخيم الفقراء» الذي يأوي نحو 1000 أسرة نازحة من مناطق مختلفة من سوريا، في منطقة دير حسان الحدودية «بالكاد نحصل على 15 لتراً يومياً من المياه من قبل إحدى المنظمات التي تزود مخيمنا بمياه الشرب والاستعمالات الأخرى، إلا أن هذه الكمية لا تكفي حتى للشرب وتبقى الملابس لأيام دون غسل بسبب شح المياه وندرتها في كثير من الأوقات». ويضيف «مع دخول فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة، نحتاج إلى كميات أكثر من المياه سواء للشرب أو الاستحمام من العرق نتيجة ارتفاع درجات الحرارة وانتشار الغبار في المنطقة، فضلاً عن حاجتنا إلى المياه لغسيل الملابس والأواني المنزلية الخاصة بالطبخ، حيث كثيراً تضطر النساء إلى تنظيف الصحون وأواني الطبخ بقليل من الماء والتراب للتخلص من بقايا الطعام وتنظيفها بعض الشيء».
من جهتها، تقول أم خالد، التي تعيش في مخيم العودة في منطقة أطمة، إن إحدى المنظمات خصصت خزانات مشتركة وموزعة على المخيم بشكل قطاعات ولكل 10 أسر خزان سعة 10 براميل يومياً، أي ما يعادل لكل أسرة برميلاً واحداً يومياً، وبالطبع هذه الكمية لا تكفي لأسرة مؤلفة من 10 أفراد، للشرب والتنظيف والغسل والاستحمام و«ذلك حتماً يشكل صعوبة بالغة باتت تواجهنا بشكل يومي، حيث نضطر إلى البحث عن بدائل لتوفير المياه كالذهاب إلى المنازل في مزارع أطمة طلب كالون مياه من صاحب المزرعة حتى نتمكن من خلاله سد حاجتنا من المياه كل يوم». وتضيف: «ناشدنا المنظمات والمؤسسات الإنسانية بزيادة مخصصات المياه، إلا أننا لم نحصل على أي استجابة، وبالطبع إذا استمر الحال كما هو عليه الآن ستتفاقم مشاكلنا الصحية المتعلقة بالنظافة والطعام والشرب».
ووقعت مشاجرة في مخيم ديرحسان بين نازحين من بلدة رتيان بريف حلب وآخرين من بلدة حاس جنوب إدلب بسبب التزاحم على صهريج الماء لإحدى المنظمات التي تقوم بتوزيع المياه على النازحين، وتطور الأمر من مشاجرة إلى اشتباكات بالأسلحة الأتوماتيكية المباشرة بين الجانبين لتنتهي بقتيل من بلدة حاس وإصابة عدد كبير من النازحين بجروح خطيرة قبيل تدخل جهات أمنية وضبطت الوضع. ويقول أحد النازحين، إنه يراقب يومياً مشهد توزيع المياه في المخيم، وبشكل يومي تحصل مشاجرة أو أكثر حول توزيع المياه على بيوت وخيام النازحين فيما بينهم، ويخشى من تفاقم الأزمة التي ستتسبب في مزيد من الأحقاد والكراهية بين النازحين.
وتوضح أم ماجد، نازحة من ريف حلب في مخيم قريب من مدينة سرمدا الحدودية، «كل 15 يوماً فقط نستطيع الاستحمام بسبب ندرة المياه التي بدأت في التفاقم مع دخول فصل الصيف ودرجات الحرارة المرتفعة؛ الأمر الذي أدى إلى إصابة ابنتي بالجرب نتيجة قلة الاستحمام والنظافة لعدم توفر المياه بما يتناسب مع متطلباتنا اليومية لها من استحمام وغسيل ملابس. أبكي بشكل يومي مع بدء ساعات المساء مع بكاء ابنتي التي تتألم نتيجة نوبة الحكة التي تصيب جسدها يومياً حتى تغفو تعباً من شدة البكاء في نهاية الأمر، ورغم مراجعتي مركزاً صحياً في المنطقة وشدد على أهمية النظافة والاستحمام اليومي إلى جانب بعض الأدوية، فإنني لم أتمكن من تطبيق الإرشادات المتعلقة بالاستحمام والنظافة».
ولفتت إلى أنها مضطرة إلى مغادرة المخيم نحو منطقة تكثر فيها المياه وهرباً من مرض الجرب الذي بدأ يطال الكثيرين من النازحين وسط تعتيم من قبل ذويهم بدواعي الخجل والتهرب من الإعلان عن إصابتهم بمرض الجرب.
من جهته، يقول حمود الحسين، مدير مخيم الفقراء والمهجرين «قساوة طبيعة مكان وموقع المخيم الذي يبلغ عدد قاطنيه نحو 1000 أسرة، يقع ضمن منطقة جبلية ووعرة، يتطلب ذلك اهتماماً بالغاً من قبل المنظمات الإنسانية وزيادة المخصصات من مياه الشرب يومياً، ولا سيما أن درجات الحرارة بدأت في الارتفاع، وبذلك تكون حاجة النازحين إلى المياه أكثر مما سبق في فصول أخرى من العام». يتابع «تلقينا شكاوى كثيرة من النازحين حول نسبة المخصصات من المياه التي لا تكفي سوى للشرب فقط، وقمنا بدورنا برفعها للمنظمات، إلا أننا ما زلنا ننتظر تنفيذ وعودهم بزيادة المخصصات من المياه في خطط لاحقة يتم إعدادها من قبل الإدارات الخاصة بهم».
وفي حال لم تتخذ المنظمات دورها الإنساني البحث بالسرعة القصوى، والمتعلق في تزويد النازحين بكميات كافية من المياه الصالحة للشرب والاستعمال المنزلي والشخصي، «سنشهد بالطبع كارثة إنسانية وصحية، وأمراضاً وحالات تسمم وإسهالات بين النازحين بسبب اعتمادهم على مياه غير صالحة للشرب من آبار قديمة محيطة بالمخيم لسد حاجتهم»، حسب الحسين.
المصدر: الشرق الأوسط