تسبب الصراع المتواصل على مدار العقد الأخير في نزوح أكثر من 6.6 ملايين شخص في أنحاء سورية، ويحتاج نحو 68 في المائة منهم إلى مساعدات إغاثية، ودعم الوصول إلى الخدمات الأساسية، كما أن 55 في المائة منهم يحتاجون إلى الغذاء. وفي منطقة شمال غربي سورية وحدها، أكثر من 4.1 ملايين شخص يعتمدون على المساعدات الإنسانية، ويعيش 97 في المائة من السكان في “فقر مدقع”، وأكثر من 80 في المائة منهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي.
تقدر منظمة الهجرة الدولية احتياجاتها الإضافية للعمل الإنساني في سورية، خلال عام 2023، بنحو 98 مليون دولار لمساعدة نحو مليوني شخص، في حين يتوقع تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية “أوتشا”، أن يحتاج 15.3 مليون سوري من إجمالي عدد السكان البالغ 22.1 مليون نسمة، إلى مساعدات إنسانية، مقارنة بـ14.6 مليون شخص في عام 2022.
وتشير الإحصائيات الدولية إلى ارتفاع أعداد المحتاجين في عموم مناطق سورية خلال الأشهر المقبلة، على اختلاف سلطات الأمر الواقع، مع ضرورة بذل جهود أكبر لتفادي حدوث كوارث بخصوص توفير المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة، ويبرز عدم توزيع المساعدات الإنسانية في مناطق سيطرة النظام وفق آليات الحياد الخاصة بالأمم المتحدة.
في مناطق الساحل السوري بكل من محافظتي طرطوس واللاذقية، توزع المساعدات عبر “الهلال الأحمر السوري”، ويؤكد الناشط الإعلامي حسام الجبلاوي أن التوزيع لا يتم وفق شروط النزاهة والحياد المعتمدة من الأمم المتحدة، موضحاً لـ”العربي الجديد” أن “المساعدات توزع عن طريق الهلال الأحمر وجمعيات محلية مثل جمعية الأمانة العامة وجمعية بستان الباشا، وغالبها مساعدات أممية يفترض أن توزع وفق قوائم يطلق عليها (عائلات الشهداء)، وهم من قتلهم النظام، وهي مستمرة بلا انقطاع، لكن جزءا محدودا من هذه المساعدات يصل إلى العائلات المحتاجة، وهناك شكاوى متكررة من التمييز، ومعظم المساعدات التي يوزعها الهلال الأحمر تمنح وفق المحسوبيات، ويتحكم مسؤولو الأجهزة الأمنية في آليات التوزيع، وهم يقحمون أسماء ضمن قوائم المساعدات، وبالتالي لا تصل المساعدات إلى غالبية العائلات المحتاجة في اللاذقية”.
ويضيف جبلاوي أنه “من بين أسباب التمييز وتهميش العائلات الفقيرة تدّخل أجهزة الأمن في آليات التوزيع، وبالتالي فإن المساعدات يستفيد منها بالدرجة الأولى غير المستحقين، وهم عائلات قتلى النظام السوري وعائلات قوات الأمن والجيش وفق تسميات مثل شهيد الوطن، وجريح الوطن وغيرها، كما توزع بعض المساعدات وفق تقسيمات مناطقية، وهذا يساهم فيه مسؤولو النظام ومتنفذون تابعون له، وكل هذا مرتبط بالفساد في آليات التوزيع، وعدم وجود رقابة”.
فساد وتمييز في توزيع المساعدات الإنسانية بمناطق سيطرة النظام
ويحاصر الفقر ما يزيد عن خمسين في المائة من سكان محافظة السويداء، ويعيش هؤلاء معتمدين على رواتب لا تتجاوز 12 دولارا، أو على دخلهم من الأعمال الحرة والزراعة، فضلاً عن المساعدات المقدمة من الجمعيات الخيرية والهلال الأحمر، في حين يعتمد بعض السكان على حوالات تصل إليهم من أبنائهم الذين تمكنوا من مغادرة البلاد والنجاة من كوارث الحرب والتجويع التي افتعلها النظام السوري.
ويزيد من معاناة سكان السويداء نزوح آلاف السوريين نحو المحافظة خلال السنوات الماضية، وكان عدد النازحين 90 ألفاً في عام 2013، ووصل لاحقا إلى نحو 300 ألف، بحسب إحصاءات الهلال الأحمر، ثم تناقص العدد في نهاية 2018، وجعلت موجات النزوح كافة المساعدات الإنسانية القادمة عبر الصليب والهلال الأحمر الدوليين تذهب إلى النازحين، والقاطنين في المخيمات، ما زاد من حجم الفقر بين متوسطي الدخل الذين تضائل حجم السلال الغذائية المقدمة لهم.
يقول أديب حمزة، القاطن في غرب مدينة السويداء، لـ”العربي الجديد”، إن “المساعدات كانت محدودة في الأصل، وكانت نقاط الهلال الأحمر توزعها على الفقراء وفق قوائم، ولم تُحدّث تلك القوائم رغم حاجة آلاف العائلات الماسة التي ضربها الفقر. المتداول عن محافظة السويداء أنها مشهورة بكثرة مغتربيها، وهذا يجعل المنظمات تقلل من حجم المساعدات، كما أن الفساد والتدخلات الأمنية تمنع مساعدة البعض، وتمنح آخرين بغير وجه حق”.
وتعج أسواق السويداء بالبضائع المقدمة من الهلال الأحمر السوري، ويؤكد محمد رافع حصوله على نصف سلة غذائية مرة واحدة، موضحاً لـ”العربي الجديد” أن “المحال والبسطات، وحتى سيارات متنقلة، تبيع المساعدات الغذائية، بما في ذلك المنظفات والفرش، في الشوارع، فكيف وصلت المساعدات إلى هؤلاء فيما مئات الأرامل والأطفال لا يتلقون إلا جزءاً يسيراً منها؟”.
وكشف أحد أصحاب البسطات في مدينة السويداء، لـ”العربي الجديد”، أنه يحصل على بضاعته من الناس، ومن أشخاص يعملون في الأجهزة الأمنية التابعة للنظام، ولكنه لا يعرف إن كانت مسروقة أو نظامية، كما لا يهمه أن يعرف.
يقيم عبد الحق أبو أحمد في ريف حماة، ولديه أرض زراعية تعينه على مواجهة المصاريف، ويوضح لـ”العربي الجديد”: “الجميع يحتاجون إلى مساعدات، لكن الفقراء لا يحصلون على أية مساعدات في حماة. لا أستطيع شراء اللحوم، وأعتمد على ما أزرعه في أرضي من الملفوف والقرنبيط وبعض الخضراوات التي تفي بغرض سد الجوع، والدجاج يوفر لنا البيض، ونحاول الاكتفاء ذاتياً. نسمع عن توزيع مساعدات من قبل الهلال الأحمر، لكننا لا نرى أي شيء، ولا نعرف ما هي معاييرهم، أو كيف يمكن أن نحصل على مساعدات”.
يبيع سوريون جزء من مواد سلة المساعدات لشراء مواد أخرى
يتوقع مدير “فريق منسقو استجابة سورية”، محمد حلاج، أن تزيد أعداد المحتاجين إلى مساعدات، خلال الأشهر المقبلة، بنحو 200 ألف شخص، ويضيف لـ”العربي الجديد”: “ارتفع عدد المحتاجين إلى 15.3 مليونا، بزيادة 700 ألف شخص عن العام الماضي. المشاكل تتمثل في الفساد في مناطق النظام، وبيع المساعدات، وعدم وصولها إلى المحتاجين، إضافة إلى عدم كفاية السلة المقدمة، وفي بعض مناطق الشمال السوري، يلجأ المستفيد إلى بيع جزء من مواد السلة لشراء مواد أخرى مثل اللحوم”.
ويوضح حلاج: “هناك مشكلة مهمة يجب التركيز عليها، تتمثل في الإتاوات التي يفرضها النظام السوري على المساعدات الواصلة من الوكالات الأممية، وهذه الإتاوات تشمل تخصيص جزء من المساعدات لجيش النظام، ووفق تقديراتنا، فإن 27 في المائة من المساعدات الإنسانية الأممية في مناطق سيطرة النظام تذهب إلى جيشه عبر شركاء يعملون مع الأمم المتحدة”.
ويتابع: “الانهيار الاقتصادي يؤثر أيضاً على الواقع المعيشي، ويزيد من حجم المساعدات الإنسانية المطلوبة. في نهاية العام الماضي، وصل سعر صرف الدولار إلى 7100 ليرة، وانخفض مؤخراً بعد تدخل البنك المركزي إلى نحو 6000. الطبقة الفقيرة سحقت بالفعل، ويجرى حالياً سحق الطبقة الوسطى، والأمر الذي يزيد من أعداد المحتاجين هو الفروقات بين الدخل والإنفاق، والبالغة نحو 60 في المائة، ومن بين أبرز المشاكل التي يواجهها المدنيون تخفيض حجم المساعدات، وعدم التزام المانحين بما يتعهدون به بشكل عام”.
ورداً على سؤال حول خطط وآليات عمل المنظمات الإنسانية خلال الفترة المقبلة، يقول حلاج: “لا توجد خطط، والكل يسير على نسق يرفضون التخلي عنه، فالمنظمات تدافع عن آلية إنفاق هاجمناها سابقاً نتيجة تكرار الأخطاء، وهي آلية لترسيخ الفساد، سواء في مناطق النظام، أو في مناطق شمال غرب سورية، ونتوقع قفزة جديدة في أعداد المحتاجين، وقد يتجاوز الرقم 15.5 مليون محتاج سوري”.
في 21 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، تحدث وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية منسق الإغاثة في حالات الطوارئ، مارتن غريفيث، خلال جلسة لمجلس الأمن، عن 12 مليون سوري يكافحون من أجل وضع الطعام على الطاولة يومياً، وأنّ الشتاء سيكون قاسياً على مليوني سوري يعيشون في المخيمات والملاجئ المؤقتة.
وأشار غريفيث إلى أن الإستجابة لفصل الشتاء ممولة بنسبة 21 في المائة فقط، في حين أن خطة الاستجابة للمساعدات الإنسانية لعام 2022 كانت ممولة بنسبة 43 في المائة فقط، مشدداً على ضرورة إيصال المساعدات إلى المحتاجين، كما حذر من أن عدم تجديد قرار مجلس الأمن رقم 2642 سيعرض إيصال المساعدات الإنسانية إلى شمال غرب سورية للخطر عندما يكون الناس في أمس الحاجة إليها في منتصف فصل الشتاء.
المصدر: العربي الجديد