التوقعات تشير إلى خريطة تحالفات جديدة بشرق المتوسط تقوم على المصالح المشتركة والفوائد المتبادلة.
تتابع إسرائيل جيداً التطورات الجارية في إقليم شرق المتوسط، بخاصة التحركات المصرية انطلاقاً من أن القاهرة تعيد ترسيم الضوابط الحاكمة لإدارة الأوضاع في إقليم شرق المتوسط، وقد اتضح ذلك في جملة ردود الفعل التي تباشرها الأطراف المختلفة في الإقليم –وكل وفقاً لمصالحه العليا– ومن ثم، فإن مساحات التوافق والتجاذب واردة.
مخطط مدروس
اتضح جلياً خلال الفترة الأخيرة حرص القاهرة على التحرك العاجل منذ إعلانها عن ترسيم حدودها البحرية مع ليبيا في البحر المتوسط، واتجهت إلى طرح مزايدة عالمية للبحث والتنقيب في 12 منطقة، في إشارة إلى أن القاهرة تترجم خطواتها القانونية التي أقدمت عليها إلى واقع عملي في ظل تحركات دول الجوار الإقليمي، وعلى رأسها تركيا، التي تتحرك في مناطق التماس، بما يمثل أهمية للأمن القومي المصري، يتطلب معه تحركاً مباشراً على رغم التقارب المشوب بحذر من قبل القاهرة للتعامل مع الجانب التركي الذي يسعي لمصالحة شاملة، وإتمام تقارب مصري – تركي على غرار ما تم مع إسرائيل، وإن كانت هناك ملفات عدة لم تحسم بعد، بصرف النظر عما جرى من خلال الوسيط القطري، والمصافحة السياسية بين الرئيسين عبد الفتاح السيسي ورجب طيب أردوغان.
متطلبات القاهرة معلومة ومعروفة تجاه تركيا ثنائياً وإقليمياً، ولعل هذا الأمر يفسر رد الفعل التركي الهادئ تجاه خطوة رسم الحدود البحرية مع ليبيا، ودعوة تركيا الطرفين لإجراء مفاوضات ثنائية حول الموضوع مع إدراك أنقرة أنه لا يوجد طرف رسمي، وأن القاهرة لديها حساباتها السياسية في عدم التعامل مع حكومة منتهية الصلاحيات، إضافة إلى حرص القاهرة على مصالحها الكبرى، ومواردها الطبيعية بمقتضي اتفاقية أعالي البحار، التي صدرت في الأمم المتحدة عام 1982 ما يشير إلى أن خريطة التحرك المصري مخطط لها جيداً، وأنها تمضي في إطارها.
خطوات استباقية
سبق الإعلان المصري عن طرح مزايدات جديدة إقدام القاهرة في فبراير (شباط) 2021 على مزايدة عالمية للتنقيب عن الغاز والبترول في 24 منطقة بخليج السويس وشرق وغرب المتوسط والصحراء الغربية كما نفذت القاهرة تقريباً 27 مشروعاً لتنمية الغاز باستثمارات تقدر بنحو 21 مليار دولار، كما بدأت فعلياً خطة تستثمر حتى منتصف 2025 لحفر 45 بئراً للبحث عن الغاز، ويجري كل هذا في ظل منظومة مهمة ومستمرة تراقبها كل الأطراف وعلى رأسها إسرائيل، التي تدخل على خط الشراكة الكبرى في إقليم المتوسط وعضويتها في منتدي غاز شرق المتوسط والمنظمة الإقليمية لغاز المتوسط، واتجاهها المستجد للتعامل مع دول المتوسط، وعلى رأسها لبنان بعد ترسيم الحدود البحرية، ومتابعة كل الأطراف الأخرى.
هناك أطراف مهمة مثل سوريا لم تلتحق بعد بالمنظومة الراهنة ولا يزال الغاز السوري بعيداً من الأعين، وإن كان وجود الطرف الروسي سيؤكد على ثوابت مختلفة ومهمة يمكن البناء عليها لاحقاً على كل الأطراف، وفي ظل رهانات على أن مصر باتت مركزاً إقليمياً للطاقة بالفعل على رغم تمني كل من إسرائيل واليونان أن يتحولا إلى ذلك، بخاصة أن شركات الطاقة الكبرى، ومن بينها “إيني” الإيطالية و”بي بي” البريطانية وغيرهما يعملان في الإقليم، كما تحظى عمليات التنقيب بدعم ومساندة من الجانبين الأميركي والأوروبي.
وفي ظل توقعات باستمرار أزمة الطاقة والإمدادات الحالية والبديلة التي خطط لها الجانب الأوروبي طوال الأشهر الأخيرة تخوفاً من إطالة أمد الحرب الروسية – الأوكرانية، وتأثر الدول الأوروبية بما يجري، ومع توقيع اتفاقيات الغاز في الشرق الأوسط، التي كانت مصر وإسرائيل طرفين رئيسين فيها، يجعل لتنسيقهما أهمية كبرى في الوقت الراهن والمنتظر.
مسارات عاجلة
في إطار ما يجري من تطورات في إقليم شرق المتوسط وبحثاً عن احتياطيات الغاز في مصر وإسرائيل، تخطط شركة “كابريكورن إنرجي”، للاندماج مع شركة “نيوميد” الإسرائيلية في صفقة شاملة للأسهم، بعد دفع أرباح خاصة بقيمة 620 مليون دولار ومعلوم أن الشركة البريطانية بدأت أعمالها رسمياً في مصر خلال عام 2021 بصفقة استحواذ على أصول شركة “شل” بالصحراء الغربية مناصفة مع شركة شيرون، باستثمارات قدرت بـ323 مليون دولار لكل منهما، ونحت خيار الاندماج مع شركة “توللو”.
تستهدف صفقة الاندماج بين “كابريكورن” و”نيوميد” التركيز على حقول الغاز في مصر وإسرائيل، بما في ذلك حصة نيوميد في حقل ليفاثيان الإسرائيلي في وقت تبحث فيه أوروبا عن إمدادات طاقة غير روسية. وجرى تداول أسهم كابريكورن بأكثر من 10 في المئة بعد إعلان صفقة الاندماج، لتصل إلى أعلى مستوى لها منذ عام 2018، في حين تراجعت أسهم “تويللو أويل” بنحو 3.6 في المئة، وانخفضت أسهم نيوميد بما يقل قليلاً عن 1 في المئة. والواضح أن هناك مخططاً يسعى لزيادة إنتاجها لأكثر من 200 ألف برميل من المكافئ النفطي يومياً، والعمل على إنشاء شركة تسمح للمرة الأولى للمستثمرين الدوليين بالاستغلال المباشر لاحتياطيات الغاز في شرق البحر المتوسط، وفي حقل ليفاثيان وستكون شركة “نيوميد” أول شركة إسرائيلية تمتلك أصولاً للنفط والغاز في مصر.
خيارات وبدائل
المعروف أن إسرائيل بدأت تصدير الغاز إلى مصر العام الماضي 2021، وصدرت خمسة مليارات متر مكعب سنوياً عبر خط أنابيب غاز شرق البحر الأبيض المتوسط عسقلان-العريش. وواقعياً فإن شركة “نيوميد” لا تزال تدرس خياراتها لمواصلة تطوير حقل ليفاثيان ولدى الشركة خيارات عدة، منها بناء محطة عائمة للغاز الوطني المسال، والتي تحظى بدعم من الحكومة الإسرائيلية والخيار الثاني الربط مع محطات إسالة الغاز في مصر عبر خط الأنابيب البحري. ومن المتوقع أن يزيد عدد الشحنات التي ستصدرها مصر، ومن المنتظر أن يسهم بدء التشغيل الوشيك لحقل كاريش، في دعم تلك الصادرات.
يعمل هذا التطور في ظل تحرك وإعلان مصري عن استمرار الاكتشافات الكبيرة ومنها الاكتشاف الغازي الضخم الذي أعلنته مصر أخيراً في منطقة النرجس التي لا تزال في مرحلة التقييم، مع التوقع بأن البئر يحتوي على 3.5 تريليون قدم مكعبة من الغاز الطبيعي، وتلك المنطقة واحدة من أربعة مواقع بحرية تمتلك فيها شركة شيفرون الأميركية العملاقة للطاقة حقول تشغيل.
ترى إسرائيل أنه مع استمرار تحالفها مع مصر بمقتضى توقيع صفقة شركة “ديلك دريلينج” الإسرائيلية وشريكتها الأميركية “نوبل إنرجي” لنقل الغاز الطبيعي هناك، ومن ثم فإن الاكتشافات الأخيرة ستفتح الباب أمام مزيد من التعاون بين البلدين بخاصة مع التسليم الإسرائيلي بأن القاهرة باتت مركزاً للطاقة.
معلوم أن “شيفرون” هي أيضاً أحد الشركاء في حقل تمارا الإسرائيلي الذي يقع على بعد نحو 90 كيلومتراً غرب حيفا، وأعلن الشركاء التشغيليون موافقتهم على قرار استثمار نهائي للمضي قدماً في المرحلة الأولى لتوسيع إنتاج الغاز الطبيعي من الحقل لتلبية الطلب المحلي المتزايد وتعزيز الصادرات الإسرائيلية لمصر. وقدمت شركة شيفرون تفاصيل خطة من مرحلتين تستهدف توسيع الإنتاج إلى نحو 1.6 مليار قدم مكعبة من الغاز الطبيعي لتلبية الحاجات داخلياً وخارجياً بما في ذلك لدول الاتحاد الأوروبي، وفقاً لمذكرة التفاهم المبرمة بين الأطراف الثلاث.
الخلاصات الأخيرة
من المتوقع إذن تطور العلاقات المصرية – الإسرائيلية في مقاربتها الاقتصادية استكمالاً لما تم وهو ما يؤكد تفاعل المصالح العليا للبلدين في إطار شراكة الغاز ومن خلال منتدى غاز المتوسط واستمرار اتفاقية الكويز، وفي ظل مسعى كل طرف لتأكيد حضوره السياسي والاقتصادي اللافت، ومسعى كل الأطراف للإقدام على إيجاد تسويات اقتصادية، وفي ظل وجود مجموعة من الدول الساحلية المتقابلة في مياه محدودة كما هي الحال في شرق المتوسط، ففي هذه الحالة يتم تحديد المناطق الاقتصادية الخالصة من خلال البلدين أصحاب أقصر مسافة بين سواحلها ويكون لها الحق في امتلاك المناطق الاقتصادية الخالصة مناصفة بينهما، وهنا يمكن تفهم حجم التعقيدات بعملية ترسيم الحدود في شرق المتوسط، لا سيما أن المنطقة تشهد نزاعات تاريخية بين تركيا واليونان وقبرص، وتكفي الإشارة إلى أن أغلب دول شرق المتوسط لم ترسم حدودها البحرية بصرف النظر عما جرى بين مصر واليونان ومصر وقبرص، وما جرى مع الحالة الليبية أخيراً ومن ثم فإن التوقعات تشير إلى خريطة تحالفات جديدة في مجال الغاز تقوم على المصالح المشتركة، والفوائد المتبادلة، وهو ما يجري على قدم وساق ومن خلال أعمال البحث والتنقيب الكبيرة، التي تباشرها الشركات الدولية في الإقليم.
المصدر: اندبندنت عربية