تشير عدة معطيات إلى حالة عدم انسجام مواقف بين تركيا والنظام السوري، رغم وصف أنقرة للقاء الذي جرى في موسكو، أواخر كانون الأول 2022، بمشاركة وزراء الأطراف الثلاثة بأنه جرى في “جوّ بناء”.
ما يعكس هذه المعطيات بوضوح، حديث وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، اليوم الثلاثاء، 3 من كانون الثاني، عن عدم تطبيع بلاده علاقاتها مع النظام رغمًا عن المعارضة السورية، مؤكدًا أن تركيا هي “الضامن للمعارضة”، إلى جانب لقاءه قادة المعارضة اليوم الثلاثاء.
الوزير التركي أبدى أيضًا عدم جاهزية أنقرة للقاء الجانب السوري (على مستوى وزراء الخارجية) في المواعيد التي اقترحتها روسيا.
كما خفّض سقف التوقعات من اللقاء المرتقب للرئيس التركي، رجب طيب أدروغان، ورئيس النظام السوري، بشار الأسد، مشيرًا إلى احتمالية ألا يجري في الاجتماع الثلاثي (بحضور الرئيس الروسي) اتخاذ جمع القرارات المتعلقة بسوريا، بالإضافة إلى عدم إمكانية تحديد موعد دقيق للقاء المتوقف أصلًا على تقييم وزير الخارجية.
لا قرارات خرجت من موسكو
نقلت موقع “ميدل إيست آي” أمس الاثنين، عن مصدر تركي وصفه بـ”المطلع”، دون تسميته، أن اللقاء في موسكو لم ينتج أي قرارات، كما أن تركيا رفضت خلاله أحد مطالب النظام الأساسية، والتي تتجلى بتصنيف جميع فصائل المعارضة السورية كـ”جماعات إرهابية”.
وفي الوقت نفسه، طالب النظام بإعلان المناطق التي تسيطر عليها تركيا “مناطق إرهاب”، الأمر الذي رفضه الجانب التركي.
المصدر تحدّث عن عدم استعداد النظام للعمل ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، التي تعتبرها أنقرة امتدادًا عسكريًا وأيديولوجيًا لقوات “حزب العمال الكردستاني”، المصنف إرهابيًا من قبلها.
ورغم تقديم صحيفة “الوطن” المقربة من النظام لمباحثات وزراء الدفاع في موسكو، كانتصار للنظام وأنها أنتجت استجابة تركية لشرطه الذي ينص على الانسحاب التركي من الشمال السوري قبل المباحثات، لكن مصادر “ميدل إيست آي” تحدثت عن ضغوط روسية “شديدة” على النظام السوري، للتواصل مع أنقرة.
ونفى مصدر تركي آخر لـ”ميدل إيست آي” صحة ما نقلته “الوطن”، متهمًا الصحيفة بإخراج تصريحات وزير الخارجية التركي من سياقها.
وقال المصدر، “لم نقل إننا سنضم الأراضي السورية، قلنا دائمًا إننا سننسحب بمجرد التوصل إلى حل سياسي هناك”.
“الوطن”: “دولة معتدية”
تتجه وسائل إعلام النظام الرسمية وغير الرسمية منها لإظهار نفسها بصورة “المتأني”، في نقل والتعامل مع أخبار التقارب التركي مع النظام السوري.
ونشرت صحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الثلاثاء، مادتين تناولت خلالها تركيا ومسألة التقارب، بشكل مباشر أو غير مباشر.
وبمادة حملت عنوان “تركيا بنسختها الجديدة”، هاجمت الصحيفة تركيا ووصفتها بـ”المعتدية والمحتلة”.
وجاء في المادة أن الجانب السوري طلب منع التقاط أي صورة تجمع وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، بوزير الدفاع في حكومة النظام، علي محمود عباس، خلال لقاء جمعهما بوزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، في 28 من كانون الأول 2022.
الصحيفة بررت هذا الطلب بأن “القيادة السورية تعتبر تركيا دولة معتدية ومحتلة للأراضي السورية”.
كما وصفت المادة التقارب التركي بأنه تحول في الموقف التركي تجاه سوريا، وتحديدًا نحو “الرئيس بشار الأسد”، معتبرة أن الموقف تحوّل إلى الإقرار بأن “التقارب والتفاهم مع الرئيس الأسد ضرورة، وأن وجوده على رأس الحكم في سوريا هو ضمانة للدولة السورية ولوحدة أراضيها”، كما جاء في “الوطن”.
وأيضًا، وصفت الصحيفة في مادة أخرى “الجيش الوطني السوري”، بأنه “ميليشيات تركيا”، معتبرة أن أنقرة هي التي تشغّله، واستخدمت لفظين مختلفين للحديث عن أنقرة بوصفها “إدارة الرئيس التركي”، بينما يقابلها في دمشق “القيادة السورية”.
ولم تنشر صحيفة “تشرين” الحكومية، أو الوكالة السورية للأنباء “سانا” خلال اليومين الماضيين موادًا تتناول المسألة، وفق ما رصدته عنب بلدي.
الخارجية بعد الدفاع
وفي 31 من كانون الأول 2022، قال وزير الخارجية التركي، جاويش أوغلو، إن الاجتماع المرتقب بنظيره، فيصل المقداد، قد يجري في النصف الثاني من كانون الثاني الحالي.
هذا التصريح سبقه في 28 من كانون الأول الحالي، إعلان وزارة الدفاع التركية عقد لقاء ثلاثي جمع وزراء الدفاع التركي والروسي والسوري، في موسكو.
وقال بيان الوزارة، إنه نتيجة للاجتماع الذي جرى في “جو بنّاء”، تم الاتفاق على استمرار اللقاءات الثلاثية، لضمان الاستقرار، والحفاظ عليه في سوريا والمنطقة ككل.
وفي 15 من كانون الأول 2022، أعلن الرئيس التركي، عرضه على الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إجراء لقاء ثلاثي على مستوى الزعماء سيضم أيضًا رئيس النظام السوري.
وقال أردوغان حينها، “نريد أن نتخذ خطوة كثلاثي سوريا وتركيا وروسيا”، مضيفًا أنه يجب أن تتفق الاستخبارات أولًا، ليجتمع بعدها وزراء الدفاع، ثم يجب أن يجتمع وزراء الخارجية، وبعد هذه الخطوات سيجتمع مع بوتين والأسد كقادة، موضحًا أن بوتين نظر إلى هذا العرض بـ”إيجابية”، مؤكدًا بدء سلسلة من المفاوضات.
التحركات التركية قوبلت بمظاهرات في الشمال السوري تحت شعار “نموت ولا نصالح الأسد”، وذلك تلبية لدعوات أطلقها ناشطون بعنوان “انتفضوا لنعيدها سيرتها الأولى”، في إشارة إلى إعادة الحراك الشعبي للشارع مثلما انطلق عام 2011.
المصدر: عنب بلدي