نشر موقع “بوليتكو” تقريرا حذر فيه من التغير الدنماركي تجاه اللاجئين. وقالت ماري جول باترسون ونيكولاس فيتن تان الباحثان بالمعهد الدنماركي لحقوق الإنسان إن السلطات الدنماركية تنظر إلى العاصمة السورية وما حولها كمنطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلا أن الممارسة في إعادة النظر بإقامة اللاجئين تمثل تحديا محفوفا بالمخاطر.
ونقلا عن المرأة السورية الشابة مريم شعورها عندما أعلمتها خدمات الهجرة الدنماركية بأنه تم سحب إقامتها في الدنمارك، ولم تكن وحيدة في هذا إلا أن ردها السريع: “كان الأمر مثل أن تبني بيتاً وينهار في دقيقة”.
وكان قرار الدنمارك سحب الحماية المؤقتة التي منحتها للاجئين في 2015 -وهو أول قرار يتخذه برلمان أوروبي لتقديم الحماية للاجئين ولم يكن موجودا بالحقيقة في أي بلد- يعني الآن أنه لو تحسنت حقوق الإنسان ولو قليلا في بلدهم فهناك غطاء سياسي يعطي الحكومة المبرر لسحب الحق بالحماية، حتى لو ظلت الظروف في البلاد “خطيرة وهشة ولا يمكن التكهن بها”.
وأضافا أن البرلمان قام في عام 2019 بتعديلات أخرى على الحماية المؤقتة للاجئين. وبناء على النهج الجديد فإن السلطات الدنماركية تستطيع سحب الحماية عن اللاجئين إلا في حالة نظر إليها بأنها تقوم بخرق القانون الدولي.
وتعرف هذه التغييرات التشريعية في الدنمارك بأنها تغيير في المعيار الذي حرف السياسة الدنماركية عن اللاجئين وأبعدها عن الحماية الدائمة والاندماج وباتجاه حماية مؤقتة مرتبطة بعودة الأفراد اللاجئين لبلدهم في أسرع وقت ممكن. وفي النهاية تترك هذه السياسة تداعيات على الأفراد ودول الاتحاد الأوروبي.
ومنذ عام 2019 تم النظر في حاجة أكثر من ألف سوري جاءوا من دمشق وريفها، وتم سحب الحماية حتى الآن من 100 شخص. ويتوقع أن يعاد النظر في وضع الحماية المؤقتة للسوريين من مناطق أخرى في سوريا ومن بلدان أخرى في المستقبل القريب.
وقالت ليلى، 23 عاما “أخي يمكنه البقاء ولكن كيف سأتركه؟ وكيف سيبقى وحيدا وهو يعرف أن عائلته عادت إلى سوريا؟”. وتم منح شقيقها (18 عاما) حق اللجوء نظرا لأنه معرض للخدمة العسكرية الإلزامية في سوريا. أما ليلى وبقية عائلتها فقد سحبت منهم الحماية وعليهم العودة إلى دمشق.
وبات الخوف من تمزق العائلة قلقاً مشروعاً لدى اللاجئين السوريين، وهناك مخاطر من خرق الدنمارك بهذه الممارسة التزاماتها في الميثاق الأوروبي لحقوق الإنسان وتحديدا خصوصية العائلة والحياة العائلية بناء على بند 8. كما أن عمليات السحب لا تأخذ بعين الاعتبار الروابط العائلية والرابطة للدنمارك أثناء مرحلة الاستئناف، وهي شرط رئيسي لأي عملية صحيحة بناء على قانون حقوق الإنسان. وبدلا من ذلك فإن مجلس اللاجئين يقوم بإعادة النظر في الحماية أمام مجلس الاستئناف فيقوم بالنظر في القضايا العائلية وبطريقة منفصلة.
كما أن التعامل وبطريقة ضيقة مع ما يمكن اعتباره “حياة عائلية” يتجاهل حقيقة اعتماد الآباء الكبار على أبنائهم المراهقين أو أن الأبناء المراهقين مرتبطون جدا بآبائهم. وتتجاهل السلطات الدنماركية أن الحياة العائلية ربما كانت محمية بناء على ميثاق حقوق الإنسان. كما أن عملية التقييم لأوضاع اللاجئين طويلة ومعقدة وتستغرق أكثر من عام لتقرير وضع اللاجئ. مثلا، نجحت مريم بإعادة فتح قضيتها رغم سحب سلطات الهجرة إقامتها وتأكيد مجلس استئناف اللاجئين له. وبعد أكثر من عامين فقد استطاعت الحصول على حق الإقامة في الدنمارك.
لكن مريم تعيش حالة الكآبة وتعاني من مشاكل في النوم “نعم، خرجت من هذا، ولكن هناك الكثير من الأمور التي لا تزال تلاحقني”. وبالنسبة للآخرين فالأمور معقدة ومتعبة حتى يحصلوا على قرار نهائي من السلطات. وهناك مئات اللاجئين السوريين الذين غادروا الدنمارك بحثا عن لجوء في دول أوروبية أخرى. وعادت عايدة وعائلتها بعد فترة قصيرة من تلقيها قرار خدمات الهجرة وبدون انتظار مجلس الاستئناف: “فكرنا أنه مضيعة للوقت، ولو لم تصدقنا السلطات في المقام الأول فلماذا ستصدقنا في المرة الثانية؟”، ولكن عندما قدمت عائلتها اللجوء في دول أخرى رفض الطلب وأعيدت إلى الدنمارك حيث ستبدأ من نقطة الصفر في نظام اللجوء.
ويعلق الكاتبان أنه في ظل التداعيات الناجمة عن التغير في المعيار وأثره على اللاجئين وكذا إمكانية خرق الدنمارك للقانون الدولي في حقوق الإنسان، فمن المهم تذكر أن تركيز البلد على سحب إقامة اللاجئ هو أمر استثنائي في أوروبا. فقواعد اللجوء في الدنمارك تقدم مستوى متدنيا من الحماية للاجئين مقارنة مع بقية الدول الأوروبية. ومن هنا فممارسة كهذه تمثل مخاطر على التضامن في الاتحاد الأوروبي عندما يتعلق الأمر باللجوء كما أنها تثير أسئلة حول الفعالية.
فرغم سحب إقامة 100 لاجئ سوري في الدنمارك، لم يتم إجبار أي منهم على العودة نظرا لعدم وجود علاقات دبلوماسية مع النظام السوري. وهو ما يعني أن العودة الإجبارية لم تطبق، كما أن النهج الدنماركي أدى بدفع مئات اللاجئين السوريين السابقين للدول الأخرى في كتلة الاتحاد الأوروبي. وهو ما يحرف المسؤولية عن الدنمارك إلى جاراتها التي لا تستطيع إعادتهم إلى وطنهم. والأخبار السعيدة هي أن الحكومة الثلاثية في الدنمارك ستحاول مع بدء عملها رسم عدد من الاستثناءات للتغير في المعيار، فقد نص الاتفاق الحكومي على السماح للاجئين السوريين الحفاظ على إقامتهم إن كانوا يدرسون في مجال يعاني المجتمع الدنماركي فيه من نقص. ولكن الدنمارك تواجه سؤالا ملحا حول استمرار هذه السياسة القاسية في عملية سحب الإقامات.
المصدر: “القدس العربي”