أما وقد أدرك الجميع في تونس، ما عدا شخص واحد، أن الانتخابات التشريعية الأخيرة، والعزوف التاريخي عن المشاركة فيها، ما هي إلا نهاية طريق مسدود حذّر منه كثيرون دون فائدة..ها هي دوائر مختلفة تتجه اليوم للبحث عن مخرج ما من مأزق دمّر السياسة والاقتصاد معا، فعادت كلمة «خريطة طريق» للتداول من جديد.
«جبهة الخلاص الوطني» المعارضة التي أكدت مؤخرا أن «نهاية الانقلاب وشيكة» وأن «جل المؤشرات تبين أن غلق قوس مرحلة حكم الفرد قريب»، لم تقدّم إلى حد الآن تصورا محددا ومفصلا للمخرج عدا ما اقترحه مؤخرا رئيسها أحمد نجيب الشابي من ضرورة تعيين قاض مؤقتا على رأس الدولة بعد رحيل قيس سعيّد بغرض المضي في حوار وطني يقود إلى انتخابات رئاسية وتشريعية جديدة.
أما الاتحاد العام التونسي للشغل الذي تحدث عن ضرورة «إنقاذ الوطن» فلديه على ما يبدو تصوره الخاص لخريطة الحل بعد أن ظل يراهن على الرئيس حتى آخر لحظة قبل أن يدرك السراب الذي يلهث وراءه. ما زال الاتحاد، الذي كان أيّد انقلاب سعيّد وحله للبرلمان، يبحث عن «خريطته الخاصة» مركّزا بالأساس على المنظمات الوطنية الكبرى في البلاد «بعيدا عن الأحزاب والجبهات التي مثلت أصل المشكل» في إشارة واضحة إلى المعارضة الحالية والحاكمة سابقا.. مما يعني اقصاء مسبقا لن يساعد في أي حل.
ثم إنه ليس من الأكيد أن هذه المنظمات الوطنية تشاطر بالكامل ما يقترحه اتحاد الشغل، من ذلك أن رئيس «الهيئة الوطنية للمحامين» قال إن العمادة نسّقت مع عدد من مكونات المجتمع المدني لإطلاق مبادرة حوار وطني «لا يستثني الأحزاب والطيف السياسي» وهو بذلك يختلف في هذه النقطة الجوهرية مع الاتحاد.
وبين هذه التصورات التي يجري تداولها، ولم تتضح معالمها بعد، خرجت مجموعة من الشخصيات الإعلامية والسياسية المنضوية تحت ما يعرف بـ»حراك مواطنين ضد الانقلاب» ببيان كان الأكثر دقة ووضوحا في بلورة ما يراه تصورا للخروج من المأزق الحالي إذ يرى أن «الإطار الأمثل للحوار الوطني حول خريطة طريق من أجل إغلاق قوس الانقلاب يجب أن يكون محلّ إجماع. ولا نرى في القيادة الحالية للمنظمة الشغيلة ولا غيرها من منظمّات المجتمع المدني إطارا راعيا للحوار باعتبارها كانت طرفا في الصراع. وندعو جبهة الخلاص الوطني باعتبارها تمثل أكبر تجمع سياسي ومدني مناهض للانقلاب أن تتمسّك بضرورة توفير الإطار التوافقي لتنظيم الحوار الوطني حول خارطة الطريق والاستحقاقات العاجلة للمرحلة القادمة».
يرى البيان وجوب أن تكون خريطة الطريق «على قاعدة الانتصار لدستور 2014 وللمؤسسات الديمقراطية تأكيدا على أنّ جوهر الصراع هو بين الديمقراطية والانقلاب» و»أن تكون الشرعيّة الدستوريّة مرجعيّة لكلّ حلّ وطنيّ تشاركي». وبناء على ذلك يرى أنّ «كلّ التوافقات والحلول الوطنية للخروج من الأزمة التي وضع فيها الانقلاب البلاد يجب أن تكون في إطار دستور 27 جانفي (يناير/ كانون الثاني) 2014 باعتباره الدستور الوحيد والشرعي للبلاد».
ويفصّل البيان أكثر فيرى أن البرلمان الذي حلّه سعيّد هو البرلمان الشرعي وما زال هو القائم وأن جلسته التي عقدها عن بعد في مارس آذار الماضي شرعية وقانونية وهي التي تم فيها إسقاط كل ما قام به وأعلنه سعيّد منذ يوليو/ تموز 2021. وبناءً على ما سبق عاد البيان إلى الفصل 84 من دستور 2014 الذي يقضي في حالة الشغور النهائي لمنصب رئيس الجمهورية بأن يتولّى رئيسُ مجلس النواب مهامّ رئاسة الدولة بصفة مؤقتة لمدّة أدناها 45 يوما وأقصاها 90 يوما يتمّ فيها انتخاب رئيس جديد للبلاد يتولى، بعد ذلك، حلّ مجلس النواب والدعوة إلى انتخابات رئاسيّة مبكرة. وحتى يتم إغلاق الباب أمام كل المذعورين من أن هذا الطريق يعني تبوؤ راشد الغنوشي هذه الرئاسة المؤقتة للبلاد، أشار البيان إلى أنه «يمكن للتفاوض الوطني أن يُجري ما أراد من تسويات سياسية ملائمة لتعديل تركيبة البرلمان الشرعي والتصرّف بمقتضى ذلك التعديل بما ينسجم مع روح الدستور» مما يشير إلى إمكانية تغيير رئاسة البرلمان وهو ما ألمح الغنوشي بنفسه إلى استعداده المبدئي للقبول به.
الكل في تونس يبحث حاليا عن مسار ما للخروج من الوضع الحالي، مع ضائقة اقتصادية ومالية وتدهور في الخدمات ونقص في السلع لم يسبق لتونس أن عرفته من قبل، إلا قيس سعيّد، غير العابئ بأي شيء، معلنا أن الدور الثاني من انتخاباته التشريعية سيتم كما هو مقرر، مكررا دون أي حرج أن الشعب سيقول كلمته مع أنه قالها صارخة وبكل وضوح ولكنه لا يريد أن يستمع. ربما كان على قيس سعيّد أن يكرر ما قاله قبل أشهر للباحثين وقتها عن «خريطة طريق» للخروج من أزمة كانت أقل حلكة واستعصاء مما تعرفه البلاد اليوم، وذلك حين قال لهم أن يذهبوا للبحث عنها في كتب الجغرافيا!!
المصدر: القدس العربي