تستمر حكومة النظام السوري في تجاهل مسببات الأزمات الخدمية والمعيشية المتفاقمة والمتواصلة، وذلك من خلال قرارات لا تخدم المواطن بقدر ما تساعد حزمة محتكري المواد الأساسية على تحقيق مكاسب مالية أكثر.
وفيما تحاول الحكومة السورية توجيه اشارة إيجابية بأنها لا تدخر جهداً في تأمين السلع الأساسية المستوردة، يرى مراقبون أنها تتجاهل المشكلة الأساسية المتمثلة بعدم توفر القطع الأجنبي اللازم لاستيرادها، لأن قنوات تأمين الدولار للقطاع الخاص هي حصراً شركات الصرافة المرخصة والمصارف في ظل انسحاب المصرف المركزي من هذه المسؤولية.
وتدرس مؤسسات النظام مشروع صك تشريعي بإعفاء عدد من المواد الأساسية المستوردة من الرسوم الإضافية لمدة سنة وهي: القمح، السكر الخام، الخميرة الجافة، الزيت النباتي الخام، وبذور فول الصويا.. وذلك “بهدف تخفيض تكاليف الاستيراد وتحقيق عامل المنافسة وتغطية حاجة السوق المحلية من مختلف المواد والسلع الأساسية وتخفيض أسعارها”، حسب ما ذكرت وسائل إعلام موالية.
ويرى المستشار الاقتصادي أسامة قاضي خلال حديث لـ”المدن” أن النظام يستمر في إبتداع وسائل جديدة من أجل إثراء التجار المحتكرين عبر إعفائهم من الرسوم في حين يمتص التدهور المتسارع للعملة السورية جميع الإجراءات التي تطاول تخفيض الأسعار.
ويضيف لـ”المدن” أن القرار الجديد سيزيد من إثراء ثلة من التجار مقابل محدودية الاستهلاك من قبل المواطن الذي يعاني من أدنى حدود قوته الشرائية منذ الحرب العالمية الأولى بعد أن كان وسطي راتب الموظف 300 دولار بينما لا يصل اليوم إلى 15 دولار. واذا استمر انهيار العملة بهذا الشكل، وذلك مرجح بشكل كبير، فإن “قيمة دخل المواطن ستنخفض إلى أقل من 10 دولار”.
قاطرجي المستفيد الأبرز
ويخدم مشروع القرار كبار محتكري المواد الأساسية مثل “الإخوة قاطرجي” وسامر فوز، وهناك معلومات تؤكد دخول قاطرجي في تجارة السكر منذ العام 2021 ليغدو التاجر الأكبر إلى جانب سامر فوز.
ويؤكد الباحث ومدير منصة “اقتصادي” يونس الكريم لـ”المدن أن “القرار الجديد يتماشى مع الامتيازات الممنوحة للإخوة قاطرجي بعد ترخيص شركة “بي إس” للمحروقات. كان القاطرجي أحد بارونات السكر المهرب خلال السنوات السابقة واليوم سوف نراه بحسب الوثائق يستورد السكر بشكل نظامي ثم يبيعه في السوق المحلية”.
ويعزز تنازل النظام عن إيرادات الخزينة من خلال رفع الرسوم الإضافية، وجود رغبة في إضفاء الشرعية على شركات قاطرجي، حسب ما يقول الكريم، “لا سيما في ظل التوافق بين المجموعة وبين أسماء الأسد”، مضيفاً أن “القرار الجديد هو تمهيد لحزمة من القوانين التي تشرعن أعمال المجموعة السابقة وتبيض أموالها بحيث تخرج من سيف الجمارك والمراقبة الأمنية بشكل رسمي”.
احتكار ومتاجرة
ولا ينسجم العمل التجاري الذي تقوم به حكومة النظام مع مبدأ عمل الدولة، فهو أقرب الى عمل الميليشيات، وفقا للباحث الاقتصادي يحيى السيد عمر، الذي يضيف لـ”المدن” أن وجود رسوم على المواد الأساسية كالقمح والسكر والزيت وغيرها يعد أمراً غير مقبول.
ويؤكد السيد عمر أنه “في ظل معدلات الفقر المرتفعة، وفي ظل مخاطر المجاعة، وتدني مؤشرات الأمن الغذائي، فمن المستغرب وجود رسوم تفرضها حكومة النظام على المواد الغذائية في وقت تدعي فيه أنها تقوم بمسؤولية اجتماعية تجاه السوريين”.
أما في ما يتعلق بإعفاء المواد الغذائية الرئيسية من رسوم الاستيراد، فيستبعد السيد عمر أن تخدم الأفراد العاديين، وذلك لسببين، الأول أن معدل الفقر المرتفع والفجوة الحادة بين الدخل والاستهلاك، لن تؤثر عليها إعفاء البضائع من الرسوم، فارتفاع الأسعار الحاد في مناطق سيطرة النظام لا تعالج بتخفيض رسوم الاستيراد، بل تحتاج إلى معالجة اقتصادية هيكلية.
والسبب الثاني أن السوريين لا يعانون فقط من ارتفاع الأسعار، بل يعانون من الاحتكار، فالحديث عن أن تخفيض الرسوم سيحسن من واقع السوريين ليس دقيقاً، بينما يكون الحل بكف أيدي المحتكرين المدعومين من قبل النظام.
ويتابع السيد عمر أن “تخفيض نسبة الرسوم سينعكس إيجاباً على المحتكرين لاستيراد السلع الغذائية، وهؤلاء المحتكرون يعملون تحت رعاية حكومة النظام، لذلك فالحديث عن تخفيض الرسوم ليس إلا تشويها وإخفاء لأسباب معاناة السوريين والتي تقف وراءها حكومة النظام نفسها، بشكل مباشر وغير مباشر”.
المصدر: المدن