لماذا لجأ أردوغان إلى “التنسيق” مع روسيا؟ وإلى أين وصل “التعاون” في سورية؟

أعلن الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان”، الخميس، عن انتقال مُحتمل للتنسيق مع روسيا إلى بُعد غير مسبوق ربما، في مثلث العلاقات الذي تشكل سوريا أحد أضلاعه، مؤكداً أنه عرض على نظيره الروسي “فلاديمير بوتين”، إجراء لقاء ثلاثي يجمعهما مع “بشار اﻷسد”، على أن تليه لقاءات بين مسؤولين من مستويات مختلفة؛ دفاع وخارجية. وأتى ذلك بعد تصريح كشف فيه “أردوغان” أمس أنه طلب من نظيره الروسي التعاون في ملف شمال سوريا، بينما أكد وزير خارجيته، منذ أيام، استعداد بلاده “للعمل المشترك مع نظام الأسد لمكافحة الإرهاب والعملية السياسية وعودة السوريين”. وأكد الرئيس التركي في ردّه على سؤال صحفي أنه عندما يقرّر أن يقابل شخصاً ما فإنه “لا يكترث ﻷحد”، في إشارة إلى الموقف اﻷمريكي المتحفظ على التفاهمات التركية مع روسيا وتلك التي تتحدث أنقرة عن احتمالية التوصل إليها مع نظام اﻷسد. لماذا اختارت تركيا التنسيق مع روسيا عقب أزمة إسقاط الطائرة في سوريا عام 2016؟ منذ تدخل روسيا المباشر في سوريا؛ توترت العلاقات بينها و بين تركيا بشكلٍ كبير، أنذر في لحظة من اللحظات بالصدام، عندما أسقطت القوات التركية طائرةً روسية كانت تقصف ريف اللاذقية شمال غربي سوريا. ومع تصاعد التوتّر في اﻷجواء والعلاقات، اختار “أردوغان” أن يعتذر لبوتين ويطوي صفحة الخلافات، حيث جرت بينهما مصافحة شهيرة فتحت الباب لعهد جديد من العلاقات. يقول “ديمتري بريجع” الباحث في جامعة الصداقة بين الشعوب في موسكو، في إفادته لـ”حلب اليوم” إن التحولات التي مرت بها العلاقات الروسية التركية ساعدت في تقوية العلاقات الثنائية الروسية التركية كون كل طرف يريد أن يحافظ على العلاقات الاقتصادية، وهذه التحولات طبيعية بسبب التغيرات التي حدثت في المنطقة واختلاف الرؤية التركية عن الرؤية الروسية في الكثير من الملفات التي تخص منطقة الشرق الأوسط. ويضيف: “سيُسجل في التاريخ أنه على ‘عهد بوتين وأردوغان’ أي عهد العلاقات المستقرة، والذي يمكن مقارنته بالفعل بالعلاقات السوفيتية التركية في الفترة الأولى (حتى عام 1938)، كان أتاتورك بمثابة رمز لطبيعة ومعنى العلاقات الثنائية بين الجمهورية التركية و الاتحاد السوفيتي التي وضعها مؤسس الجمهورية التركية وأول رئيس لها وبنفس الطريقة، فإن المقاربة الحتمية لنهاية ‘عهد بوتين – أردوغان’ من الواضح بأن التبادل التجارية و الاتفاقيات التي تم توقيعها بين الطرفين تلعب دوراً مهماً في هذا التعاون الثنائي الذي يتطور مع الزمان بسبب أخطاء السياسات الأمريكية في المنطقة والتدخل الأوروبي في الشؤون التركية الداخلية منذ زمن طويل ودعمها للمعارضة التركية وهذا التصرفات التي تغضب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان”. أما الكاتب “أحمد مظهر سعدو” فقد قال لـ”حلب اليوم” إنه يعتبر أن أسباب التقارب تعود إلى “إدراك تركيا وعبر تفهمها للسياسات الأميركية الخاصة بسوريا أن الملف السوري كان قد تم تسليمه للجانب الروسي بعد تفاهمات معروفة بين الأميركان والروس في حينها، ومن ثم فإن من تهمه المسألة السورية وله مصالح داخلها لابد من أن ينسق بالضرورة مع الاتحاد الروسي وهذا ماكان منذ ذلك الوقت وحتى الآن”. هل وصلت العلاقات إلى شكل من أشكال التحالف؟ يستبعد الكاتب “سعدو” أن تكون العلاقات بين روسيا وتركيا تحت صيغة التحالف، خاصة وأن “تركيا هي جزء لا يتجزأ من حلف الناتو الذي لا يمكن أن يتوافق مع السياسات الروسية لاسابقاً ولا لاحقاً”، لافتاً إلى أن مابين روسيا وتركيا يمكن تسميته بـ”الشراكة الاستراتيجية” التي تخدم مصالح البلدين في العديد من الملفات. أما “بريجع” فيرى أن العلاقات ترقى إلى “نوع من التحالف الاقتصادي والسياسي في الوقت الحالي”، وذلك بسبب ضعف الموقف الغربي وتغيير الموقف التركي تجاه الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية. ولفت إلى أن الحوار بين برلماني روسيا وتركيا لعب دوراً مهماً في العلاقات الثنائية، وخاصةً في عام 2019، حيث زار رئيس الجمعية الوطنية التركية الكبرى، “مصطفى شنتوب”، موسكو، وشارك في تطوير منتدى البرلمان وعُقدت خلال الزيارة اجتماعات مع الرئيس الروسي ورئيسة مجلس الاتحاد “فالنتينا ماتفينكو”، ورئيس مجلس دوما الدولة “فياتشيسلاف فولودين”، كما قام وفد من البرلمانيين برئاسته بزيارة إلى “إسطنبول” والتقى خلالها بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وهو ما تكرر يوم الثلاثاء الماضي. وقال “فولودين” منذ يومين إنه يحاول إقناع أنقرة بالمشاركة في اجتماع لبحث “محاربة اﻹرهاب” بموسكو، تحضره إيران والصين ونظام اﻷسد و”أطراف أخرى”. إلى جانب الاتصالات على أعلى المستويات – يضيف بريجع – هناك تفاعل نشط بين الوزارات والإدارات الروسية والتركية الرئيسية، حيث يجتمع قادتها سنوياً في إطار الآليات العاملة في إطار مجلس التعاون رفيع المستوى (SWCO) – اللجنة الحكومية الدولية المشتركة للتجارة والتعاون الاقتصادي والمنتدى العام الروسي التركي، وتحتل المشكلة السورية مكانة مركزية. هل كان انعكاس التفاهم الروسي – التركي على سوريا بشكل عام والشمال بشكل خاص إيجابياً أم سلبياً؟ أوقف اتفاق آذار الهجوم الواسع لقوات النظام وميليشيات إيران بدعم روسي، منذ أكثر من عامين، لتبقى المنطقة في حالة من الهدوء الحذر والجمود حتى اليوم. وسبق ذلك جملةٌ من الاتفاقات في أستانا أثارت الجدل بين السوريين، بين من رأى في تركيا طرفاً “ضامنا” حال دون مجزرة كانت ستحل بالملايين، وبين من يراها طرفاً حاكماً للفصائل ومقيداً لها بالاتفاقات مع روسيا. ويرى الباحث الروسي أن روسيا تريد إعادة علاقة أنقرة بنظام اﻷسد، وبذلك يمكنها تأمين المنطقة من المجموعات في الشمال السوري و شمال شرق سوريا، فالهدف الروسي واضح، وهو أن يستعيد النظام كامل الأراضي السورية، عبر تسليم مناطق قوات سوريا الديمقراطية لمناطقها، وعودة الأجهزة الأمنية للنظام. ولكن – يستدرك الباحث – كل الاحتمالات مفتوحة بسبب التفاهمات الروسية التركية و”يمكن أن يتم إغلاق الموضوع على حساب موضوع آخر يخص الاقتصاد التركي أو الروسي لأننا نعيش في زمن يلعب فيه الاقتصاد دوراً مهماً بالسياسة”، لافتاً إلى اتفاقيات كثير وقعت بين روسيا وتركيا من عهد “بوريس يلتسين” إلى عهد “فلاديمير بوتين”، بما يُساعد في حل المشاكل العالقة بين البلديين. وكجزء من التسوية السورية، أطلقت تركيا وروسيا وإيران عملية أستانا، مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي، وبالتالي خلق الظروف لتكثيف عملية التسوية السياسية بناءً على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 من بين القضايا الدولية الأخرى، تم إيلاء الكثير من الاهتمام تقليديًا للوضع في الشرق الأوسط ومنطقة القوقاز وآسيا الوسطى، في أوكرانيا وما حولها. ولفت “سعدو” إلى أن طبيعة العلاقة البينية والاستراتيجية ضمن مصالح الدولتين كانت قد أنجزت ملف بروتوكول التفاهم بخصوص إدلب في 5 آذار 2020، والذي “مازال صامداً رغم الانتهاكات والخروقات الكثيرة من قبل النظام والروس وكذلك الميليشيات الطائفية المدعومة إيرانياً، ومن ثم فإن الإيجاب النسبي هو الذي يقترب من الفعل الآني إذا استثنينا الخربشات الروسية ضد السوريين والأتراك بين الفينة والأخرى”. واستبعد أن تدفع “السياسة التركية الذكية والهادئة الواقع التركي إلى تهور لا تحمد عقباه وليس بمقدور أحد أن يتوقع مصائره السلبية على الأتراك والأمن القومي التركي أولا وعلى القضية السورية برمتها بشكل أوسع ثانياً”. واعتبر أن “العقل الاستراتيجي التركي على أرضية مصالح الدولة التركية أولاً هو الذي تنصبّ عليه السياسات التركية عبر مرحلة زمنية جاوزت العقد ونيف”. هل يستخدم أردوغان علاقاته مع بوتين كوسيلة للضغط على الغرب؟ أم أنها علاقات استراتيجية؟ لا يبدو أن تركيا – وفقاً للعديد من الخبراء – لديها خيارات واسعة بشأن استعداء روسيا وقواتها في سوريا، خصوصاً وأن الولايات المتحدة أحجمت عن دعمها مراراً، بما في ذلك أمام هجوم الروس واﻹيرانيين ونظام اﻷسد على الشمال السوري عام 2020، حيث طالب “أردوغان” مراراً حلف الناتو والولايات المتحدة بدعم جوي دون استجابة. ويستبعد “بريجع” إمكانية حدوث خلافات حقيقية بين تركيا وروسيا في الوقت الحالي، “لأن هناك تفاهمات أمريكية – تركية وتركية – روسية”، ولكن “إذا استمر التهديد ضد الأراضي التركية فقد تضطر أنقرة للذهاب لعملية شاملة على الأراضي السورية”. وحول العلاقات بين الرئيسين فيرى الباحث الروسي أنها “إستراتيجية” وليست لمجرد الضغط على الغرب، فـ”أردوغان يثق بروسيا أكثر من الغرب في الكثير من الملفات”، واﻷخير مع أنه يحافظ على علاقته بـ”أردوغان” لكنّه “يدعم المعارضة التركية” و”قسد”. من جانبه؛ اعتبر “سعدو” أن “أردوغان ليس بصدد الضغط على الغرب عبر انجاز علاقات متينة مع الروس، لكنه الدور التركي المتمدد في المنطقة والذي يأخذ طابعه الاستقلالي باتجاه إعادة الاعتبار لدور تركيا الكبير في غير ملف من ملفات المنطقة في الشرق الأوسط وكذلك في أوربا وعلى أطراف آسيا، حيث تتقاطع المصالح العسكرية والجيوسياسية وكذلك الاقتصادية وصولاً إلى الاتكاء الروسي والأميركي على الدور التركي الكبير اشتغالاً في الملف الشائك الروسي – الأوكراني”. وفي النهاية فإن الملف السوري عموماً، والشمال خصوصاً يبقى على درجة من السيولة والتعقيد؛ لا يمكن معها الجزم بمستقبل العلاقات بين مختلف اﻷطراف، خصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار الاستحقاق الانتخابي الذي يواجه تركيا في 2023.

المصدر: موقع حلب اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى