لم ينجح اعتصام سلميّ دعت إليه فعاليات محلية في مدينة السويداء، جنوبي سورية، أمس الأحد، على خلفية الأحوال المعيشية، وتراجع مستوى الخدمات الأساسية التي يقدمها النظام للسوريين في المناطق الخاضعة لسيطرته بسبب أزمته الاقتصادية التي تتفاقم. وقد لبى الدعوة العشرات فقط من ناشطي المحافظة، الذين طالبوا بـ”إسقاط النظام”، وحثّوا في بيان، المحافظات السورية على الخروج معهم لـ”إنقاذ ما يمكن إنقاذه من البلاد، بعد الانهيار الاقتصادي المتوالي”.
خشية من مخططات النظام
وكان يأمل الداعون إلى اعتصام السويداء أمس، حضور عدد كبير من أبناء المحافظة إلى ساحة الكرامة في مدينة السويداء، للخروج في تظاهرات حاشدة منددة بالنظام وبسياسته التي “أوصلت البلاد إلى حافة الانهيار الاقتصادي”، بحسب ماهر مسعود، وهو أحد المشاركين في الاعتصام. لكن العديد من القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني لم تلب الدعوة، لخشيتها من إقدام الأجهزة الأمنية التابعة للنظام على إطلاق النار بهدف قتل متظاهرين.
وقال مسعود، في حديث لـ”العربي الجديد”، إن “النظام خطّط لارتكاب مجزرة في حال خروج تظاهرة كبيرة ضده، الأحد، ولاتهام الداعين إلى الاعتصام بالقيام بها”. وشرح الناشط المشارك في الاعتصام، أن عدم حضور الفعاليات السياسية والمجتمعية كان لقطع الطريق أمام الأجهزة الأمنية التابعة للنظام. مطالبنا في التغيير لا تزال مستمرة، ولن تتوقف بسبب البطش الذي تمارسه الأجهزة الأمنية بحق المحتجين”.
من جهته، أكد الشيخ سليمان عبد الباقي، الذي كان أحد المحركين للاحتجاجات، في حديث لـ”العربي الجديد”، أن “عدم خروجنا ليس خوفاً من أحد”، مضيفاً أن “قرارنا بعدم الحضور إلى ساحة الاعتصام نابع من حرصنا على حياة الناس”. وأشار إلى أن “النظام كان يريد ارتكاب مجزرة تُنهي الاحتجاجات بشكل كامل”. وأكد أن “القناصين التابعين للأجهزة الأمنية انتشروا، منذ فجر أمس الأحد، حول ساحة الكرامة، وتمركزوا على أسطح الأبنية المحيطة بلباس مدني”. ولفت إلى أنه “كان واضحاً أن النظام سيستخدم كل الطرق، بما فيها القتل، من أجل عدم اتساع نطاق الاحتجاجات في محافظة السويداء”.
وفي السياق، دعا حزب “اللواء” السوري المعارض، في بيان له، أعضاءه، إلى عدم المشاركة في احتجاجات أمس الأحد “حتى لا يتم تقديم أي حجة بممارسة العنف ضد المتظاهرين”، وفق البيان. وتوقع الحزب حدوث “انفجار لا محالة نتيجة الفساد وسرقة حقوق المواطنين”، مؤكداً أن “الطرق السلمية هي نهجه في التعبير عن الرأي ورفض سياسة الفساد”.
وأشارت مصادر كانت حاضرةً في الاعتصام، في حديث لـ”العربي الجديد”، إلى أن بعض أعضاء مجلس المحافظة “طالبوا المحتجين بالصبر لتحقيق مطالبهم، فيما يتعلق بالمحروقات والكهرباء، مؤكدين أنهم سيستقيلون في حال عدم تمكنهم من تنفيذ هذه المطالب”.
تظاهرات السويداء وإحراق مبنى المحافظة
وكانت مدينة السويداء شهدت، يوم الأحد 4 ديسمبر/كانون الأول الحالي، تظاهرات واحتجاجات واسعة النطاق شارك فيها عدد كبير من أبناء المحافظة، للمطالبة بتحسين الأوضاع المعيشية، تخللها دخول متظاهرين إلى “دار المحافظة” التي تضم الدوائر الحكومية، وإحراق صورة لرأس النظام السوري بشار الأسد كانت معلقة على واجهة المبنى. كما أحرق المحتجون مصفحة تابعة لقوات النظام كانت موجودة أمام مبنى المحافظة. ورفع المتظاهرون لافتات سياسية دعت إلى إسقاط النظام الذي يعاني من أزمة اقتصادية خانقة، تكاد تشل الحياة العامة في مناطق سيطرته، وخصوصاً في المدن الكبرى.
من جهتها، عمدت قوات النظام إلى إطلاق النار بشكل كثيف على المتظاهرين، ما أدى إلى مقتل شخص وإصابة آخرين، بهدف تفريق التظاهرة وإبعاد المحتجين عن مبنى المحافظة الذي احترق جانب منه. وهاجم لؤي الأطرش، والذي يعد من أبرز الوجهاء في محافظة السويداء، مسؤولي المحافظة التابعين للنظام، مشيراً في بيان، إلى أن “الأولوية اليوم هي لجمع تبرعات للعائلات المحتاجة وليس لترميم مبنى المحافظة”، الذي احترق أثناء احتجاجات 4 ديسمبر/كانون الأول.
وفي تعليقه على العدد القليل الذي شارك في تظاهرة أمس، اعتبر الصحافي السوري نورس عزيز (وهو من أبناء السويداء)، في حديث مع “العربي الجديد”، أنه “كان من المتوقع ألا يحضر عدد كبير من المواطنين الاعتصام (أمس)”، مضيفاً أن “هناك خوفا لدى الناس من تكرار سيناريو الأحد قبل الماضي، وإطلاق النار بشكل مباشر على محتجين سلميين”. وأشار إلى أن “هناك لغة تخوين وانقساما داخل الشارع في محافظة السويداء”، موضحاً أنّ “كلّ هذه الأسباب كانت وراء عدم نجاح الاعتصام”. رغم ذلك، اعتبر عزيز أن “الدعوة إلى هذا الاعتصام، تشكل خطوة مهمة في طريق الحراك السلمي المناهض للنظام في المحافظة”، بحسب رأيه.
وكانت محافظة السويداء ذات الموارد الاقتصادية المحدودة، شهدت مطلع عام 2020 حركة احتجاج، حملت عنوان: “بدنا نعيش لا فساد ولا تهميش”، إلا أن النظام سرعان ما استطاع تطويقها، على غرار ما يفعل كلّ مرة، من خلال فعاليات ومليشيات محلية موالية له.
المصدر: العربي الجديد