لن تقتصر على طرف واحد الأضاحي التي ستدفع ثمن لقاء اردوغان الأسد الذي تتكثف في الأيام الأخيرة توقعات عقده. إضافة إلى الكرد الذين يدفعون الثمن الأكبر لكل حدث في الشرق الأوسط، يبقى السؤال عن نصيب كل من سوريا وأوكرانيا في ما سيترتب عليه هذا الحدث، وكيف سيتعامل كل منهما مع عواقبه. فالإلتفافة التركية نحو الأسد لم تفاجىء أحداً، خاصة بعد مصافحة أردوغان مع السيسي على هامش الإحتفال في إفتتاح المونديال في قطر ولقاءاته السابقة مع ولي العهد السعودي وزميله الإماراتي. الأوكران لن يختلف الأمر عليهم كثيراً، فهم يخوضون حرباً شرسة ضد الروس، ولن تشكل فارقا طائرة أو سفينة أو وحدة عسكرية روسية إضافية يسمح أردوغان بعبورها مضائقه إلى جبهة القتال، بعد تفرغ بوتين، ولو جزئياً، من إنهماكه العسكري في سوريا. أما السوريون، وكما تشير كل الأحوال المزرية لمعارضتهم، فعلى الأغلب سوف تقع على كاهلهم المرهق أوخم العواقب بعد أن يتفرغ الأسد من الهم التركي، سيما إذا نجح بوتين في دفع الكرد إلى حضنه.
الحديث عن لقاء أردوغان الأسد ليس جديداً، بل يتم التداول به منذ الصيف، وإن كانت دمشق نفت حينها إمكانية حدوثه. وسائل إعلام روسية عديدة نشرت في آب/أغسطس المنصرم أنباء احتمال عقد مثل هذا اللقاء، ولم يخف الإعلام الموالي ترحيبه بهذا الإحتمال الذي يحقق ما يدفع إليه بوتين منذ زمن. فقد نشرت صحيفة NG في العاشر من ذلك الشهر نصاً بعنوان ” يبحثون عن نقطة إرتكاز للتقارب بين أردوغان والأسد”، وأردفته بآخر ثانوي “التقارب السوري التركي يضع التشكيلات الكردية تحت الضربة”. تحدث كاتب النص عن توقعات ظهرت في وسائل إعلام عربية بشأن إحتمال تعديل إتفاقية أضنة العام 1998، قد تتمخض عنها إستعادة قنوات الإتصال بين أنقرة ودمشق، بعد أن ظهرت في قمة بوتين إردوغان حينها في منتجع سوتشي بوادر عدم رفض أردوغان إحياء هذه القنوات. ويشير الكاتب إلى أن مصادر صحيفة عربية أكدت أن موسكو وأـنقرة بحثتا فعلا في القمة حينها مثل هذا التعديل للإتفاقية.
يشير الكاتب إلى ما نصت عليه الإتفاقية من تعهد دمشق بعدم السماح بأي نشاط لحزب العمال الكردستاني على الأراضي السورية، والسماح لأنقرة بعبور قواتها الحدود السورية على عمق 5 كلم لتحييد اليساريين الأكراد الراديكاليين. وواصل الكاتب نقله عن مصادر الصحيفة العربية التي قالت أن تعديل الإتفاقية يجب أن يعكس الحقائق السياسية الجديدة ويتيح للأجهزة السورية والتركية فرصة توسيع رقعة تعاونها. لكن عكس الحقائق الجديدة تعبير فضفاض لا يتيح معرفة منحى تعديل الإتفاقية.
في تواصل مع كاتب النص في الصحيفة إيغور سوبوتين، سألته “المدن” عن رأيه في ما يتداوله الإعلام هذه الأيام عن إحتمال اللقاء بين أردوغان والأسد. قال سوبوتين بأن التقارير الواردة في الصحافة التركية تفيد بأن الضربات الأخيرة لأنقرة في شمال سوريا بدأت بعد تنسيق ضمني مع نظام الأسد. ويقال أن دورًا خاصًا لعبه الاجتماع الأخير لرئيس جهاز المخابرات الوطني التركي هاكان فيدان مع الرجل الأول في جهاز المخابرات السورية علي مملوك. والشائعات عن مثل هذه الإتصالات بين الرجلين تجول منذ زمن، وهو يعتقد أن العلاقات راسخة بين أجهزة المخابرات في البلدين.
ويرى سوبوتين أن موضوع التقارب مع الأسد يرتبط في تركيا باقتراب موعد الانتخابات العامة. فالتقارب، حسب فهم الساسة الأتراك، يفتح المجال أمام العودة “الطوعية الإجبارية” إلى سوريا لجميع اللاجئين السوريين الذين استقروا في تركيا خلال الحرب الأهلية. ويعتقد أن المحادثات رفيعة المستوى ممكنة بين أنقرة ودمشق، وسوف “تعطي ثمارها” في الداخل التركي. لكنه “موضوع آخر” كيف ستفسر تركيا هذه الخطوة لقادة المعارضة السورية.
موقع zerkalo الأذري الناطق بالروسية نقل عن الناطق الصحافي بإسم الكرملين قوله لوكالة تاس بأن لقاء الرئيسين التركي والسوري قد يعقد في روسيا بوساطة من الرئيس الروسي بوتين، لكن مثل هذه الإتفاقات ليست متوفرة بعد.
موقع الأعمال الإلكتروني الروسي BFM نشر في 23 الجاري نصاً قال فيه بأن أردوغان إفترض إمكانية حدوث لقاء مع الأسد، والصحافة التركية تكتب أن روسيا قد تكون مكان التواصل بين الرجلين. وينقل الموقع عن أردوغان قوله في رد على سؤال صحافيي وكالة نوفوستي عن إمكانية حصول مثل هذا اللقاء “ممكن. ليس في السياسة زعل. بوسعنا القيام بمثل هذه الخطوة في ظروف ملائمة”. وينقل عن الصحافة التركية قولها بأن اللقاء قد يجري العام القادم، وأن روسيا تريد أن تكون مكان عقده.
ينقل الموقع عن كبير الباحثين في معهد بريماكوف للإقتصاد العالمي والعلاقات الدولية ألكسي مالاشنكو قوله بأنه، حتى لو كانت تقارير الصحافة ليست شائعات، فإن الإحتمال ضعيف لعقد مثل هذا اللقاء. وقال بأن مثل هذا اللقاء “تقريباً مستحيل” بعد ما حدث الآن من قصف تركي لسوريا بسبب حزب العمال الكردستاني. ورأى أن الوقت ليس الأفضل للقاء، ولا يعرف هل هي مبادرة أردوغان أم “همس أحد بأذن الأسد”، “لكن الأمر ليس جدياً الآن”. وبدا الرجل وكأنه قد صدم بسؤال لم يتوقعه فجاءت تعابيره متقطعة، قصيرة ولاهثة وهو يقول بأن اردوغان شخص غير متوقع “إطلاقاً، فإذا قرر، لسبب نجهله، أن يذهب إلى اللقاء، فسوف يذهب. لكن هل سيذهب الأسد، 95% سيذهب، إلا أن الأمر كله متوقف على أردوغان الذي “لايمكن توقعه”.
هيئة تحرير الصحيفة NG المذكورة نشرت في 24 الجاري نصاً جديداً بعنوان “لماذا أردوغان مستعد لتخطي عقد من القطيعة مع الأسد”، وأرفقه بآخر ثانوي “التبادل الجيوسياسي يتيح لروسيا نقل المجموعة السورية إلى الإتجاه الأوكراني”.
تقول هيئة التحرير أن أردوغان والأسد كانت تربط بينهما يوماً ما صداقات أسرية، لكن الخصومة وقعت بينهما مع الحرب الأهلية السورية، ويتبادلان منذ العام 2012 التهم بالتصعيد في إراقة الدماء. في 23 الجاري صرح أردوغان أنه مع المصالحة، وقال “لا توجد في السياسة خلافات أبدية. يحل وقت حين يتعين تقييم الأمور جيداً والتمعن وتغيير المقاربة. مسترشدين بمصالح تركيا، نحن على إستعداد لإعادة النظر في العلاقات مع البلدان التي لدينا مصاعب معها في عدد من القضايا”.
بعد أن تستعرض هيئة التحرير المراحل التي مر بها الصراع بين دمشق وأنقرة، تختتم نصها بالتوقف عند إجتماع منصة أستانا الأخير، وتعتبر أن الإجتماع أثبت إنتهاء مهمتها، وآن الأوان للحوار المباشر بين أنقرة ودمشق. ورأت أن المنصة تعقد منذ العام 2017 لقاءاتها بحضور الرؤساء، لكن اللقاء 19 الأخير مثّل إيران فيه مستشار وزير، ومثل تركيا سفير، أما روسيا فمثلها مبعوث خاص. تركيا قيمت عالياً التقدم الذي تحقق، لكنها تتهم موسكو في عدم تنفيذ إلتزامات العام 2019 في إبعاد الفصائل الكردية من تل عفر ومنبج. أستانا لعبت دورها، لكن إمكانياتها قد استنفذت، والمستقبل هو للحوار المباشر بين أنقرة ودمشق. وترى أن الإسلاميين والفصائل الكردية يمكن للجيش السوري أن يقضي عليهم، والحكومة المركزية توحد سوريا. وهذا سيتيح لروسيا تخفيض وجودها العسكري، وبموافقة تركيا، يمكنها نقل سفن حربية من المتوسط إلى البحر الأسود لتعزيز الضغط على أوكرانيا.
المصدر: المدن