عن دار موزاييك للدراسات والنشر في اسطنبول صدرت رواية ملاذ العتمة للكاتب السوري المنتمي للثورة السورية ضاهر العيطة، وهذا أول عمل روائي اقرؤه له.
ملاذ العتمة رواية تعتمد على تعدد أصوات السرد بلغة المتكلم لشخصياتها المحورية الثلاثة سيلينا وغفران وعاطف… مكان الرواية إحدى المقاطعات الألمانية، حيث يعيش هؤلاء الثلاثة. اما زمانها فهو بعد مضي سنوات على الثورة السورية التي حصلت في ربيع ٢٠١١م…
تبدأ الرواية بالخطف خلفا حيث تعيش سيلينا والشيخ عاطف في ألمانيا وقد شاهدت بالصدفة غفران التي كان من المفترض أنها ماتت في سوريا إبان الثورة في السنوات السابقة…
نعود الى سيلينا الصحفية الألمانية التي كانت قد قررت أن تذهب لمتابعة أحداث الثورة السورية منذ البدء وترصدها وتكتب تقاريرها وتنشرها الصحافة الألمانية وتطل على ما يحصل في سوريا. سينا جدتها يونانية تلم بقايا الغرقى لتعرضهم لوسائل الاعلام وكشاهد على مأساة السوريين، تعلمت سيلينا اللغة العربية ودرستها لسنوات في دمشق، وصلت سيلينا إلى اليونان الى عند جدتها ، وهناك تعرفت على ابو سرحان الرجل الكهل وحفيدته سلوى الهاربين من جحيم النظام السوري وبطشه بالشعب، هناك تعلقت سلوى بسيلينا وطلبت منها ان تعود معهم الى المانيا وتؤمن لهم هروبا آمنا، لكنها لم تستجب وتركتهم لمصيرهم حيث غرق بهم القارب وكانوا من بين الغرقى، مثل كثير من السوريين. وقبل افتراق سيلينا عن ابو سرحان اعطاها امانة منديلا لتوصله الى الشيخ عاطف في دمشق. تابعت سيلينا رحلتها الى دمشق التي كانت مع اغلب البلدات السورية ومدنها قد بدأت تظاهراتها بالتوسع مطالبة بإسقاط النظام وتحقيق الحرية والعدالة والديمقراطية واسترداد الكرامة الانسانية المسلوبة ، وكان النظام المجرم قد اعتمد أسلوب العنف العاري واطلاق النار على المتظاهرين وسقوط الشهداء، وتطور بعد ذلك عنفه ليعتمد جميع انواع الاسلحة ، يقصف البلدات الثائرة ويحضر الميليشيات الطائفية حزب الله وغيره وكذلك الايرانيين والروس الذين دعموا النظام بالقصف الجوى وإمداد السلاح…
كل ذلك جعل السوريين في دمشق يعيشون هول ما يحصل حولهم وفي بعض الأحياء في دمشق نفسها. كان الشيخ عاطف من ابناء دمشق ينتمي الى مشايخ النظام، من الذين يسبحون بحمده ويمجدون افعاله. يتحدث عن الثوار كإرهابيين ويتحدث عن المؤامرة على سوريا، كان بوقا للنظام. لم يكن غريبا ذلك فلا حضور لأي رجل دين رسميا في سوريا قبل الثورة الا وان يكون صامتا عن فعل النظام المستبد القمعي الظالم، تقية او مصلحة وهو منهم…
وصلت سيلينا الى دمشق بحثت عن الشيخ عاطف ووصلت إليه، لفت نظرها، اعجبت به، تأملته كثيرا وتمنت لو يحصل بينهما علاقة جسدية، وهو بالمقابل أعجب بها وتجاوب مع محاولتها التواصل معه، بدعوى متابعة ما يحصل في سوريا وأخذ المعلومات منه. أعطت سلينا المنديل الامانة للشيخ عاطف والذي كان يحوي صورة ابن ابو سرحان الذي تسببت وشاية الشيخ عاطف عنه الى مقتله وأنه من المتظاهرين لان يعتقله النظام ويقتله لاحقا، كانت الصورة رسالة تعني ان الله يمهل ولا يهمل ولا بد من انتقام الله ينصب على الشيخ عاطف. أهمل الشيخ عاطف المنديل لكنه تجاوب مع اغراءات سيلينا وبدأ يلتقي معها بالسر وحصلت بينهما علاقة جسدية سرية، لانه كان حريصا على صورته الاجتماعية، لكون هذه العلاقات محرمة شرعا ومرفوضة مجتمعيا…
لم تستطع سيلينا أن تستخلص الشيخ عاطف لها. صحيح انها حصلت على جسده لكثير من المرات، تعلقت به ووعدته ان تأخذه معها إلى ألمانيا ويعيشا هناك كزوجين حياة هانئة. لكن روح عاطف كانت قد ارتبطت بغفران… تلك الفتاة التي تسكن بجواره في دمشق على ضفاف بردى، والتي كانت تعجبه منذ طفولتها، وفي بداية مراهقتها كان يراقبها وهي تسبح بالسر عن اهلها. يراقبها بشغف ويتمناها جنسيا. كان يتقرب منها ويداعبها بعض الوقت بالسر عن أهلها والمحيط، كانت تستطيب تقربه منها وحتى محاولة تقبيلها. تتمنع وتهرب ولا تجعله يتجاوز المداعبات الخارجية. ..
كان والد غفران معارضا للنظام أعطى ابنته الكثير من الثقة بالنفس وحرية التصرف لكنها افتقدته باكرا عندما تم اعتقاله لكونه كتب ديوانا من الشعر ينتقد به النظام، اعتقل وقتل في معتقله. لذلك نشأت غفران وفي أعماقها رفض القهر والظلم والاستبداد، وعندما حدثت الثورة السورية كانت غفران من أولى الناشطات وكان أخاها عكسها فقد التحق بركب النظام وأصبح من شبيحته. حرصت غفران على أن تجعل الشيخ عاطف الذي يحبها وهي تبادله العواطف ايضا ان يكون مع الثورة ويقوم بدوره، لكنه لم يستجب لذلك وكانت الثورة هي سبب الفرقة النهائية بينهم. لكن المشاعر في أعماقهم استمرت جمر تحت رماد. ارادت سيلينا ان تستحوذ على عاطف كاملا، لذلك حاولت أن تتصرف وتلبس وتمارس حركات تشبه ما تفعله غفران، وفكرت أن تأخذه إلى ألمانيا وتبعده عن غفران ليبقى لها جسدا ونفسا وعواطف. كما حاول عاطف ابعاد سيلينا عن التفكير بغفران واصطنع كذبة حول مقتل غفران لكي يخرج من نفس سيلينا أي غيرة اتجاهها…
غادر الشيخ عاطف مع سيلينا إلى ألمانيا بعدما تفاقمت الأوضاع وانتقلت لتكون حرب من النظام وحلفاؤه على الشعب السوري وأصبحت الحياة في سوريا جحيما. غادر الشيخ عاطف مع سيلينا، وغادرت غفران ايضا بعد ان اصبحت مطلوبة للاجهزة الامنية ولم تعد آمنة على نفسها. وهناك في ألمانيا يلتقي عاطف وسيلينا بغفران بالصدفة وتبدأ مطاردة بينهم جميعا…
غفران لكي تضع حدا لمشاعرها تجاه الشيخ عاطف وتلفظه نهائيا وتخوّنه وتتهمه بالمساهمة بقتل الناس وخيانة الشعب السوري وتميته داخلها…
عاطف يحاول الوصول إلى غفران لعله يقنعها انها حبه الاول وان سيلينا ليست أكثر من خشبة خلاص لعلها تغفر له أخطاؤه وتعيش معه…
سيلينا تريد إبعاد عاطف عن غفران خوفا أن تخسره خاصة بعدما حاولت بكل طاقتها أن تحرره من غفران وتبقيه لها جسدا وعواطف، خاصة انها تعلقت به كثيرا…
التقت غفران بعاطف اخيرا وحاسبته على الماضي وان حبه مات في نفسها، وأن افضل شيء يحدث معه هو أن يموت انتقاما للسوريين الذين كان احد اسباب ظلمهم ومأساتهم…
وهكذا ينتحر الشيخ عاطف في الغابة المجاورة لمنزله ويسدل الستار على حياته، وتبدأ غفران حياتها بتعلم الالمانية وتصنع حياة جديدة…
أما سيلينا فقد فجعت بانتحار الشيخ عاطف واكتشاف أن غفران لم تمت وهي في المانيا. عادت لحياتها واكتشفت ان جدتها اليونانية التي كانت تلم ما يتركه الغرقى في البحر على الساحل اليوناني قد حولت مقتنياتها الى سلع للبيع وشريكها اخو غفران الشبيح الانتهازي الذي غادر ايضا من سوريا وبدأ يتاجر بـ مأساتهم وما تبقى من متاعهم بعد غرقهم في البحر…
هنا تنتهي الرواية.
في التعقيب عليها اقول:
نحن أمام رواية أخرى من روايات الثورة السورية، تتحدث ضمنا عن الثورة وانتشارها وعن الانتهازيين الذين دافعوا عن النظام و عن مصالحهم. تحدثت الرواية عن الغرب من خلال نموذج الصحفية التي لم ترى في واقع السوريين ومأساتهم الا اقتناص رجل للجنس والحياة المشتركة، والحقيقة أن هناك الكثير من الصحفيين والصحفيات أخلصوا في نقل حقيقة الثورة السورية إلى العالم.
أغرقت الرواية بالجنس واستدعائه وممارسته والتفنن في طرحه، إلى درجة اخلّت برسالة الرواية. صحيح أن الجنس أساسي في الحياة لكنّ هذا الهوس في استدعائه جعله هو الأساس والثورة وحياة ابطال الرواية هو الهامش…
كما أن الرواية أطلت على واقع السوريين الذين وصلوا إلى أوروبا وهنا المانيا وكيف بدأوا يبنون حياتهم وينغرسون فيها. الحياة مستمرة و مأساة السوريين قد تكون بعد حين فرصة تغيير الأقدار لبعضهم كما كانت منيّة الكثير على الطريق في البر والبحر، كما تشردهم وضياعهم في بلاد الله الواسعة…
لا تغيب الإشارة عن الانتهازيين اعداء الثورة الذين لبسوا لبوسها بعدما خرجوا من سوريا ودعوا انهم من انصارها وتاجروا بها وكان نموذجهم في الرواية اخو غفران التاجر…
اخيرا ولدت الثورة السورية وولد معها تجارب كثيرة مختلفة لكل السوريين التواقين للحرية والكرامة والعدالة والديمقراطية والذين ضحوا حتى يصلوا لمبتغاهم…
حصلت متغيرات كثيرة ومازال حراك الواقع السوري مستمرا ومستقبل سوريا والسوريين مجهولا…