رغم مواجهة تركيا أسوأ أزمة تضخم منذ عقود، حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية وفواتير الطاقة بشكل كبير، إلا أن شعبية الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” تشهد ارتفاعاً قبل أشهر قليلة من انتخابات الرئاسة.
ففيما يشعر كثير من الناس بالإحباط جراء التضخم، إلا أن كثير منهم لا يزال مواليا للرئيس لأسباب أخرى، بعضها سياسي والآخر اقتصادي، وهو ما ظهر جليا في مقر أنصار “أردوغان” في مدينة غازي عنتاب، حسبما أوردت وكالة “بلومبرج”.
ونقلت الوكالة الأمريكية، في تقرير لها، عن “مصطفى كوبان”، بائع الفستق في المحافظة التي تقع جنوبي تركيا، قوله إن تركيا بحاجة إلى “رجل دولة” ولهذا فهو سيصوت العام المقبل لـ”أردوغان”، للمرة الثالثة على التوالي.
وأورد التقرير أن حظوظ “أردوغان” السياسية بدت آخذة في التناقص، إلا أن 3 عوامل عززت من أسهمه مجددا، وهي: الحرب في أوكرانيا، والمساعدات الحكومية المقدمة للأسر والشركات الصغيرة، والفوضى التي تعاني منها المعارضة، مشيرا إلى أن مناطق مثل “غازي عنتاب” تعتبر حاسمة بالنسبة لنتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتوقع إجراؤها في أواخر الربيع.
ولا يستطيع خصوم “أردوغان” حتى الآن التوحد خلف منافس يمكنه كسب ثقة الناخبين الأوسع والبناء على انتصارات الانتخابات المحلية قبل 3 سنوات في أكبر مدينتين، إسطنبول وأنقرة.
وحث، “كمال كيليتشدار أوغلو”، الذي يرأس حزب الشعب الجمهوري، أكبر حزب معارض، الناخبين على دعمه، لكن من غير الواضح ما إذا كان حلفاؤه من 5 مجموعات أخرى سيوافقون على دعمه.
وفي المقابل، يعد “أردوغان” وحزبه العدالة والتنمية بتخصيص ما يعادل 32 مليار دولار للمساعدات في دعم فواتير الطاقة، فضلا عن عشرات المليارات للإسكان الاجتماعي والعفو الضريبي والقروض الرخيصة، والتقاعد المبكر لملايين الأشخاص.
وساعدت سياسات “أردوغان” الاقتصادية العديد من الشركات الصغيرة على تجنب الإفلاس بعد الوباء، كما اكتسبت سياساته الخارجية شهرة لاستقلالها بشكل متزايد عن دول حلف شمال الأطلسي؛ حيث يوازن بين الدعم لأوكرانيا، التي تواجه الغزو الروسي، وبين تنمية العلاقات مع موسكو.
وزار “أردوغان” غازي عنتاب في 5 نوفمبر/تشرين الثاني لافتتاح عشرات المصانع وخط للسكك الحديدية، وقال أمام حشد من أنصاره إن حكومته استثمرت 52.5 مليار ليرة (2.8 مليار دولار) خلال فترة وجوده في السلطة وبناء المدارس والطرق والمنازل والمستشفيات والجامعات فضلا عن ملعب لكرة القدم في المنطقة.
وأضاف: “أولئك الذين يريدون أن يروا ما هو برنامج الاقتصاد التركي يجب أن ينظروا إلى غازي عنتاب”.
وإزاء ذلك، أظهر استطلاع للرأي، أجرته شركة متروبول، في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أن نسبة تأييد “أردوغان” ارتفعت إلى 47.6% من 39% قبل نحو عام، فيما بلغت نسبة التأييد لحزب العدالة والتنمية 32%، باستثناء الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم، ارتفاعا من حوالي 26% في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي.
وأشارت “متروبول” إلى أن هذا هو أعلى تأييد لـ”أردوغان” وحزبه في استطلاع للرأي منذ عام 2020، رغم أن سياسة “دعم النمو مهما كانت التكاليف” أدت إلى تصاعد التضخم وانهيار الليرة مقابل الدولار بأكثر من أي عملة أخرى في الأسواق الناشئة في العالم.
ويقول معارضو “أردوغان” (68 عاما) إنه تسبب بتسريع زيادات الأسعار من خلال الاعتماد على البنك المركزي لخفض تكاليف الاقتراض قبل الانتخابات، لكن الإعلام الموالي للرئيس التركي يركز على اعتماد الرئيس على علاقته مع نظيره الروسي “فلاديمير بوتين”، للحصول على خصومات لزيادة واردات الطاقة من روسيا وتوفير طاقة رخيصة في البلاد.
وفي 12 نوفمبر/تشرين الثاني، قال “أردوغان” إن الدعم لفواتير الطاقة سيكون ضعف ما كان عليه العام الماضي. وقال إن حكومته تغطي 75% من تكاليف الغاز الطبيعي و 50% من تكاليف الكهرباء.
ولذا قال “كوبان” بائع الفتسق وهو يتلقى مدفوعات من عميل متذمر بسبب ارتفاع الأسعار: “أداء المعارضة كارثي. المهم بالنسبة لي هو أن يكون لدي زعيم قوي يمكنه مقاومة القوى الأجنبية. وأردوغان هو ذلك الزعيم دون سؤال. ليس هناك بديل”.
وفي السياق ذاته، قال “عمر عاصم مازيوغلو”، أحمد المشترين من المتجر: “التضخم مشكلة عالمية. ربما تمر بلادنا بأوقات عصيبة، ولكن لا يوجد أحد غير أردوغان يمكنه قيادة البلاد”.
وبينما أبدى مشتر آخر يدعى “محمد ديفيشي” استياءه من سماح “أردوغان” للسوريين بالسكن والتوظيف بأعداد كبيرة في تركيا، إلا أنه استدرك قائلا: “هذا مجرد القليل من النقد. أنا مستعد للتصويت له”.
أما طالبة الفلسفة “تونا كارالار”، التي تعمل كصرافة في سوبر ماركت، فهي من بين الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم من تصويت الانتخابات بعد، لكنها صرحت بحسم قائلة: “إذا أصبح كيليجدار أوغلو مرشح المعارضة، فسأصوت لأردوغان”.
المصدر | بلومبرج – ترجمة وتحرير الخليج الجديد