أسهم الظهور الأخير لزعيم “التيار” بإعادة طرح الأسئلة حول الخيارات التي سيحاول اتخاذها خلال الفترة المقبلة. لا تزال الأوساط السياسية ودوائر صناعة القرار منشغلة بما يدور في ذهن زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من تحركات خلال المرحلة المقبلة، خصوصاً مع تشكيل حكومة “الإطار التنسيقي” الموالية لإيران برئاسة محمد شياع السوداني، والحراك الذي تقوم به تلك الأطراف للسيطرة على أركان ومؤسسات الدولة.
وربما يثير ما تجريه الحكومة الجديدة من تغييرات في المناصب وصفها مراقبون بأنها تمهد لـ “اجتثاث” وجود التيار الصدري في مؤسسات الدولة، التساؤلات حول موقف زعيم التيار وما إذا كان سيستمر في حال السبات السياسي القائمة.
وفي المقابل تتحدث تسريبات عدة عن كون السوداني يتحرك بحذر شديد في سياق إجراء تغييرات تشمل موظفين صدريين في دوائر رفيعة في الدولة ضمن محاولة لعدم استفزاز التيار الصدري خلال المرحلة الحالية على رغم الحديث عن ضغوط في هذا الشأن من قبل قوى “الإطار التنسيقي”.
وعلى رغم اعتماد التيار الصدري سياسياً على القاعدة الجماهيرية الكبيرة والمنظمة التي يمتلكها، إلا أن غيابه عن المشهد السياسي في البلاد ربما يسهم إلى حد ما في إضعاف حضوره السياسي خلال المرحلة المقبلة، وهو ما قد يدفع التيار إلى العودة لتحريك الشارع مرة أخرى في سياقات عدة.
عراقيل عدة أمام تحرك التيار الصدري
وتصطدم سيناريوهات الحراك الصدري في المرحلة المقبلة بعدد من العراقيل لعل أبرزها عدم تبلور “عنوان صريح للتحرك الشعبي” خلال المرحلة الحالية على رغم النقمة من سيطرة الجماعات الموالية لإيران على السلطة في البلاد، فضلاً عن الصدام المسلح الذي جرى بين التيار الصدري والميليشيات الموالية لإيران خلال أغسطس (آب) الماضي، واعتزال المرجع كاظم الحائري الذي أفضى في النهاية إلى إعلان الصدر اعتزاله هو الآخر العمل السياسي.
وتعقد جملة العوامل هذه احتمال دخول التيار الصدري بسرعة على الخط السياسي من جديد، وهو ما يدفع عدداً من الباحثين إلى توقع انتظار الصدر تصاعد حال النقمة الجماهيرية خلال الفترة المقبلة لاستثمارها وتوجيهها وزج أنصاره خلالها.
ويصطدم هذا المسار أيضاً بإمكان حسم الخلافات بين التيار وناشطي احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) 2019، على خلفية الإشكالات الكبيرة التي حصلت بين الطرفين واتهام الناشطين للتيار بالضلوع في عمليات قمع واسعة للاحتجاجات حينها.
ظهور يثير التساؤلات
وأسهم الظهور الأخير لزعيم التيار الصدري في إعادة طرح الأسئلة حول الخيارات السياسية التي سيحاول التيار اتخاذها خلال الفترة المقبلة، إذ ظهر الصدر خلال صلاة الجمعة في الرابع من أغسطس الحالي مستذكراً وقوف والده المرجع محمد الصدر “ضد الظلم والدكتاتورية”، وعلى رغم عدم تطرقه إلى أي ملف سياسي، إلا أن مراقبين عدوا ظهوره الأخير تمهيداً للعودة إلى الأجواء السياسية في أية لحظة.
وحاولت “اندبندنت عربية” التواصل مع أطراف من التيار الصدري إلا أن أياً منها لم يعلق بشكل رسمي، في وقت تحدثت مصادر مقربة منه عن أن أركان التيار لن تصرح نتيجة إعلان الصدر السابق اعتزاله العمل السياسي.
ولفتت إلى أن الوساطات التي تجريها أطراف “الإطار التنسيقي” لا تزال جارية لاسترضاء الصدر إلا أنها لم تحظ بأي تجاوب من الأخير.
وأشارت إلى أنه لا يمكن حتى الآن توقع ما الذي ينوي الصدر خوضه خلال المرحلة المقبلة، لكن يمكن القول إنه لن يقف مكتوف الأيدي في حال حصول تحرك شعبي، مبينة أنه لا توجد حتى الآن أية إشارات أو توجيهات للتيار بالخروج إلى الشارع.
عودة مرتبطة بالتطورات
وتتصاعد التوقعات في شأن المرحلة المقبلة، خصوصاً أن إجراء الانتخابات الباكرة وحده لن يكون كافياً لدفع التيار الصدري نحو عدم اتخاذ أي مواقف، خصوصاً أن “الإطار التنسيقي” أعلن حتى قبل استقالة التيار أنه لن يسمح بالذهاب نحو انتخابات باكرة من دون إجراء تغييرات على القانون والمفوضية، وهو ما يرفضه الصدريون.
وكانت استقالة نواب “الكتلة الصدرية” وحراكه الاجتماعي ارتكزا على مسارين، يرتبط الأول بضرورة إجراء انتخابات باكرة لحسم الأزمة، أما الثاني فيتمثل في الاعتراض على ترشح السوداني الذي يصفه مراقبون بأنه يمثل رجل الظل لزعيم “ائتلاف دولة القانون” نوري المالكي.
ويرى رئيس منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة “غالوب” الدولية منقذ داغر أن معاناة الصدر خلال الفترة الحالية تتلخص في “عدم قدرته على تجاوز منهجيات الإسلام السياسي في التعاطي مع المشهد العراقي وتغليب البراغماتية السياسية”، مبيناً أن دلالة ذلك هي ما حصل من تركه العمل السياسي بعد اعتزال الحائري والدماء التي سالت في أحداث المنطقة الخضراء.
ولا يمكن استقراء تحركات التيار الصدري خلال الفترة المقبلة من دون الحديث عن المنهجية الدينية التي يتحرك فيها، بحسب داغر الذي يشير إلى أن ما يعقد توقع ما يدور في ذهن الصدر هو “الاختلاف بينه وبين بقية أحزاب الإسلام السياسي مثل الإخوان المسلمين وحزب الدعوة التي تمتلك تراثاً مكتوباً يمكنها من إيجاد التخريجات التي تبرر القفز على المنهجيات الإسلامية”.
ويرى داغر أن عودة الصدر للحراك السياسي ستكون “مرتبطة بالظروف المناسبة على الساحة السياسية والتي ربما ستدفعه إلى العودة بشكل أشد من السابق”، ولذلك فهو يختار حال “السبات السياسي والمراقبة” في الوقت الراهن.
قطع محتمل للعزلة
وعلى الجانب الآخر يبدو أن مناوئي الصدر من الجماعات الموالية لإيران “يدركون أن الصدر سيقطع العزلة السياسية في أية لحظة”، ويشير داغر إلى أن هذا الأمر هو ما دفع “الإطار” إلى “القيام بحملة اجتثاث كبيرة لمناصري الصدر والكاظمي في مؤسسات الدولة لتثبيت أيديهم على المفاصل الأساس في الحكم”.
وإضافة إلى “حملة الاجتثاث” تلك يتوقع داغر أن تسرع كتل “الإطار التنسيقي” تمرير قانون ومفوضية جديدة للانتخابات في مقابل تقديم تنازلات للكتل الكردية والسنيّة، مبيناً أن هذا الأمر “لا يعني نية إجراء انتخابات باكرة بقدر كونه استباقاً لأية تحركات صدرية قد تعرقل فرض شروطهم على الانتخابات المقبلة”.
ويختم أن “الصدر سيحاول التأثير في كل تلك التغييرات من خلال الشارع، إلا أن هذا التأثير سيعتمد بالدرجة الأساس على قوة الحراك المقبل وإمكان التيار الصدري التفاعل مع الحركات المناوئة للنفوذ الإيراني وشبان تشرين”، مؤكداً أن الوضع العراقي “لن يستقر على السناريو الحالي الذي يحاول الإطار التنسيقي فرضه”.
إعادة ترتيب الأجواء الداخلية للتيار
وفي المقابل يتوقع رئيس مركز “كلواذا” للدراسات باسل حسين عدم استمرار حال “السبات السياسي للصدر” مدة طويلة، مشيراً إلى أن ما يؤجل العودة السريعة هي “انتظار استثمار اللحظة المناسبة كي ينهي هذا السبات نحو المشاركة بقوة في المجال السياسي”.
وتعول حكومة السوداني على ملف “الانتخابات الباكرة” في عرقلة أي حراك محتمل للتيار الصدري، في حين يرى حسين أن هذا الملف لا يمكن حسمه خلال سنة كما تعهدت الحكومة الجديدة، مبيناً أن الخطوة الأولى التي ستقوم بها حكومة السوداني هي “إجراء انتخابات مجالس المحافظات التي يتطلب التحضير لها ما يقارب السنة، أما الانتخابات البرلمانية فستكون محل مماطلة أطراف الإطار ولن تجرى إلا بعد سنتين في أفضل توقع، وربما تدوم إلى حين انتهاء فترة حكومة السوداني”.
ويلفت حسين إلى أن هذا الملف إضافة إلى رغبة أطراف “الإطار التنسيقي” تغيير قانون ومفوضية الانتخابات، ربما تسهم إلى حد ما بتعجيل عودة الصدر للحراك السياسي من جديد.
وإضافة إلى ملف الانتخابات يستشعر الصدر “أخطار استهداف تياره واستخدام موارد الدولة من قبل حلفاء إيران خلال المرحلة المقبلة”، بحسب حسين الذي يستبعد أي تفاعل سريع من الصدر قبل “إعادة ترتيب الأجواء الداخلية للتيار الصدري ودرس المشهد القائم بشكل دقيق”.
وتبقى السيناريوهات مفتوحة أمام الحراك المقبل للتيار الصدري والذي سيكون مرهوناً بـ “طبيعة المتغيرات ولحظة الإعلان عن العودة للممارسة السياسية”، مبيناً أن أمام التيار خيارات عدة، “فإما أنه سيحاول صناعة الحدث أو استثمار النقمة الشعبية وتوجيهها إلا أن حتمية الصدام مع الإطار آتية لا محالة”.
مراهنات التيار الصدري
ويستبعد أستاذ العلوم السياسية إياد العنبر استسلام الصدر للواقع السياسي الحالي، مبيناً أنه سيعني “القبول بنهاية التيار الصدري سياسياً، خصوصاً مع ارتباط الحضور الجماهيري بالفاعلية السياسية في العراق”.
وعلى رغم تعهد رئيس الحكومة الحالية بإجراء انتخابات خلال عام من توليه السلطة، يرى العنبر أن “القضايا التقنية تقول عكس ذلك”، لافتاً إلى أن تحقيق هذا الأمر يتطلب سنتين على أقل تقدير.
وفي شأن شروط قوى “الإطار التنسيقي” حول الانتخابات المقبلة، رأى العنبر أنها لن تحظى بقبول الصدر، لافتاً إلى أن “الإطار” سيسعى إلى “التفاوض مع التيار قبل المضي في إجراء أية تعديلات على القانون”.
ولعل ما يقلل من فرص التيار الصدري في التأثير بشكل كبير على القانون الانتخابي المقبل يرتبط بـ “غيابه عن المشهد السياسي بعد استقالة نوابه”، كما يشير العنبر الذي يرجح أن يكون هذا الأمر سبباً في قبول التيار بـ “الحد الأدنى من اشتراطاته بهذا الشأن”.
ويتابع أن خشية التيار الرئيسة لا ترتبط باحتمالات استهدافه بقدر تعلقها بالمخاوف من “إمكان نجاح حكومة السوداني في ظل الإجماع الدولي عليها ووجود فائض مالي كبير”، مضيفاً أن هذا السياق يجب النظر إليه من زاوية أخرى وهي أن نجاح السوداني “لن يحسب للإطار بل للسوداني نفسه”.
ويختم أن الاحتمالات تبقى مفتوحة بالنسبة إلى التيار الصدري، وربما يراهن الصدر على أن ظهور زعيم سياسي جديد مثل السوداني “سيمثل إلى حد ما وسيلة لإضعاف حظوظ الإطار خلال الانتخابات المقبلة”، مبيناً أن الصدر “قد يستثمر هذا الأمر لمصلحته ويصنع من السوداني حليفاً محتملاً لإضعاف الإطار التنسيقي مستقبلاً”.
المصدر: اندبندنت عربية