أغلبنا مرت عليه حكاية السجين الذي اعتقل ظلماً لأنه اعترض على الفساد وانتقد جور الحاكم ، فتم اعتقاله ووضعه في زنزانة ضيقة.. فأمسى يصرخ بأعلى صوته يطالب بحريته و يردد جهراً فضائح القصر .. فخاف الحاكم من تأثيره على بقية السجناء أو أن يصل صوته لمن خلف الأسوار فيذيع صوته و يتبعه الناس.. فأمر بوضع سجينين لا يتوقفان عن الجدال والمران معه في ذات الزنزانة ثم أمر بوضع خنزير و حمار معهم ثم أمر بإضافة ديك و بعض الدجاجات ثم رمي قطة وكلب وفئران وبعض الحشرات.
فأصبحت معركة السجين الذي كان يدافع عن حقوق شعبه وحريته وحرية غيره، هي تقليص عدد الموجودين في الزنزانة و تنظيفها .. و أمر الحاكم بجلسة تفاوض مع السجين مقابل حذف كل وافد على زنزانته وعين فريقا من المتكلمين والمتسفسطين و السماسرة ليفاوضوا السجين.. وكانت جلسات المفاوضات طويلة مملة منهكة.. و قد تستمر أياما وأسابيع، ليتم إخراج حيوان.. وبعد سنة من المعاناة تم إخلاء الزنزانة الضيقة من الجميع ليبقى السجين فيها لوحده.. في تلك الليلة جلس المسكين وسط سجنه و قد نظفه من العفن فنظر إلى أركانه.. و… عجبا أحس أن زنزانته واسعة ونظيفة ومريحة بل أن نشوة الفوز في جلسات المفاوضة جعلته يحس بالنصر .. ونام لأول مرة منذ زمن بعمق .. لم يعد السجين أسير زنزانته بل أصبح أسير خوفه من فقد مكاسب وهمية فقبل بالسيء حتى لا يعود للأسوء.
انها سياسة ترويض العزائم، حرق الإرادة الحرة و تحويلها لرماد يذر في عيون المتمردين.. تمييع القضية الحقيقية بخلق قضايا جانبية.
نحن الأسير يا سادة وما يحدث الآن هو ترويض جماعي لكل الشعوب التي رفعت صوتها فوق صوت الإستبداد .. نحن الأسير الذي يراد جره إلى مفاوضات “زنزانة افضل” .. أو تحسين شروط الأسر أو العبودية سمها كما شئت.. لننام بعمق ونقبل بالسيء خوفا من الأسوء..
المصدر: أخبار الغد