مع قناعتي بأن الموضوع يحتاج لدراسة معمقة، لكن لفتح النقاش حول هذا الملف الفكري – التاريخي الهام فضلت البدء بهذه النبذة .
بدأ ظهور المعتزلة في نهاية العصر الأموي لكن تيارهم تبلور وانتشر مع العصر العباسي , وما يهمنا هنا هو ذلك الجانب العقلاني في مذهبهم الفكري , وهو وإن كان قد نشأ بعد انفتاح الفكر العربي – الاسلامي على الفلسفة اليونانية والثقافات الفارسية والهندية إلا أنه استطاع تأصيل فكره ضمن تيارات الفكر العربي الاسلامي , وعمل بإخلاص على الدفاع عن الاسلام ضد التيارات الفكرية التي حاولت النيل منه متأثرة بالثقافات والأديان الأخرى مثل المجسمة والمشبهه والزنادقة , مستخدما الأدوات الفكرية المعتمدة على العقل إذ لاسبيل للنقاش مع تلك التيارات الفكرية باستخدام النص القرآني أو الحديث الشريف وهم لايقرون بهما أصلا .
وربما كان عصرهم الذهبي هو عصر الخليفة المأمون الذي كان يجمع بين السياسة والثقافة والفكر وكان يميل لآرائهم .
ومما أضفى على تيارهم الطابع الفكري – العقلاني ابتعادهم منذ نشأتهم عن السياسة واشتغالهم بالفكر وأدواته الفلسفية , وظلوا كذلك حتى عصر المأمون الذي حاول فرض رأيهم في ” خلق القرآن ” بقوة السلطة السياسية , ولا شك أن الاضطهاد الذي لحق بكثير من العلماء وأشهرهم أحمد بن حنبل الذي سجن وعذب بسبب رأيه في ” خلق القرآن ” تسبب في شرخ نفسي وفكري بينهم وبين ” أهل الحديث ” ولاحقا ” تيار “السنة والجماعة ” لكن تخامد تيارهم جاء مع انتهاء ربيع الفكر العربي – الاسلامي عموما , فالمجتمع العربي – الاسلامي دخل في طور آخر مع نهاية العصر العباسي , ولذلك أسباب متعددة , فالفكر في النهاية انتاج للمجتمع , ولاشك أن تفكك الدولة العباسية المركزية إلى دويلات أصغر تحكمها أقليات عسكرية كالسلاجقة والأيوبيين ثم المماليك , فضلا عن التحدي الكبير الذي واجه تيار ” السنة والجماعة ” من الدولة الفاطمية الاسماعيلية التي ادعت الخلافة لنفسها ومدت سلطانها في فترة تاريخية على الشام والحجاز إضافة لمصر وشمال أفريقيا قد دفع تيار السنة والجماعة للمزيد من المحافظة والتشدد , وهكذا أصبحت المعتزلة في نظر أهل ” السنة والجماعة ” فرقة مهرطقة واستمرت تلك النظرة سائدة حتى العصر الحديث حين بدأ بعض المفكرين الاسلاميين بإعادة الاعتبار لها ومنهم الشيخ محمد أبو زهرة الذي كتب في كتابه ” تاريخ الجدل في الاسلام ” : ” فكان كل ذلك ..( يقصد اعتماد المعتزلة على العقل ) صدمة للفقهاء لم يألفوها , فجردوا عليهم سيوفهم , واشاعوا عنهم قالة السوء , وما كان المعتزلة في الحقيقة الا كما قال عنهم أحد العلماء الأوربيين : إنا لم نسمع من المعتزلة صوت مخالفة الدين , ولكن سمعنا صوت الضمير المتدين , الذي يناضل ضد كل ما لايليق بالله تعالى وعلاقته بعبده .”
المصدر: صفحة معقل زهور عدي