على الرغم من أن المشاركين في اجتماع قمة “الجامعة العربية” سيصدرون على الأرجح بيانات قوية بشأن إيران، وإنتاج النفط، وقضايا رئيسية أخرى، إلّا أنه من غير المرجح أن تُسفر بياناتهم عن أي تحولات جوهرية في السياسات أو حل نزاعات داخلية.
بين الأول والثاني من تشرين الثاني/نوفمبر، سيجتمع المسؤولون في العاصمة الجزائرية لحضور القمة الأولى لـ “جامعة الدول العربية” منذ تفشي جائحة فيروس كورونا. ونادراً ما تسفر اجتماعات المنظمة عن صدور عناوين بارزة، أو حتى عن نتائج أقل أهمية بكثير، ومن غير المرجح أن يكون الاجتماع القادم مختلفاً. وبالفعل، نشرت صحيفة “الأهرام” المصرية الحكومية اليومية الرائدة في وقت سابق من هذا الشهر مقالاً بعنوان “توقعات قليلة للقمة العربية”. وفي ظل عدم تحقيق نتائج ملموسة، من المرجح أن تعكس القمة إنجازات شبيهة بسابقاتها من حيث تسليط الضوء على الانقسامات بين الحكومات العربية بشأن السياسة المعتمدة، ولا سيما في حال عدم حضور رؤساء كافة الدول. فعلى سبيل المثال، أفادت التقارير أن ولي العهد السعودي (ورئيس الوزراء الجديد) محمد بن سلمان لن يشارك في القمة، بناء على نصيحة طبيبه.
الاجتماع الوزاري في أيلول/سبتمبر
كان أحدث اجتماع لـ”جامعة الدول العربية” هو انعقاد مؤتمر وزاري في أيلول/سبتمبر في مقر الجامعة في القاهرة. وتطرق وزراء الخارجية الذين شاركوا في ذلك المؤتمر إلى العديد من المواضيع خلال الاجتماع الذي استمر ثلاثة أيام، ومن بينها القرارات الدائمة المعدلة المتعلقة بالقضايا الفلسطينية والصراعات المستمرة في ليبيا وسوريا واليمن؛ إلى جانب التصريحات الانتقادية بشأن تدخلات إيران وتركيا في الدول العربية؛ ومناقشات حول التطورات في جزر القمر، والصراع الحدودي بين جيبوتي وإريتريا، وموضوع الصومال.
واندلع أكبر جدال علني عندما انسحب وزير الخارجية المصري سامح شكري والوفد المرافق له من الجلسة التي ترأستها ممثلة ليبيا لأنها مرسلة من قبل “حكومة الوحدة الوطنية” ومقرها طرابلس، وهي فصيل لا تعترف به القاهرة. وقد تعود هذه المسألة مجدداً إلى الواجهة خلال القمة المقبلة.
دور الجزائر
يبدو أن الجزائر تستغل تعيينها كالدولة المضيفة لِقمة هذا العام من أجل تعزيز سياستها الخارجية الحازمة التي انتهجتها مؤخراً. وعندما عُقدت القمة السابقة في آذار/مارس 2019، كانت الحكومة منشغلة بحركة “الحراك” الاحتجاجية الشعبية ضد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، الذي بقي في الحكم لفترة طويلة، وبنظام السلطة الأوسع نطاقاً. واليوم، تشعر القيادة بأنها أقل عرضة للخطر بكثير. وكان “الحراك” قد فقد زخمه منذ الإطاحة ببوتفليقة والتطورات اللاحقة، في حين ارتفع الطلب على موارد البلاد الهيدروكربونية، ولا سيما في ظل الحرب الدائرة في أوكرانيا – وهو تحوُّل أصبح أكثر وضوحاً عندما زار قادة فرنسا وإيطاليا تلك البلاد هذا الصيف. ويبدو أن الجزائر تعتقد أن الوقت قد حان لإثبات أهميتها على الساحة الإقليمية والعالمية، كما تبين من خلال اقتراحها الانضمام إلى مجموعة دول “البريكس” إلى جانب البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.
ووفقاً لذلك، بذل المسؤولون الجزائريون جهوداً كبيرة خلال العام الماضي استعداداً لاستضافة هذه القمة العربية. وبشكل خاص، عقدوا عدة محادثات صلح بين معسكرات القيادة الفلسطينية المتناحرة من أجل إظهار جبهة موحدة على نحو أكبر ضد إسرائيل، وحتى أنهم توصلوا إلى اتفاق بين 14 فصيلاً في وقت سابق من هذا الشهر. وعلى الرغم من أنه قد تم رفض هذا الاتفاق على نطاق واسع باعتباره وعداً واهياً آخر لن يتمّ الوفاء به، إلّا أن الجزائر تعتبره وسيلة لترويج الفكرة بأنه يعزز الوحدة العربية.
قضايا خلافية
على الرغم من سعي الجزائر لتوحيد العرب، إلّا أنه من المرجح أن تعكس هذه القمة مدى تشرذم “جامعة الدول العربية” وعدم فعاليتها، ولا سيما في القضايا التالية:
احتضان الأسد. لطالما أعربت الجزائر عن تأييدها لإعادة ضم سوريا إلى “الجامعة العربية”، التي عُلقت عضوية دمشق فيها في تشرين الثاني/نوفمبر 2011 بسبب القمع الوحشي الذي مارسه بشار الأسد ضد الانتفاضة الشعبية. وبمساعدة إيران و «حزب الله» اللبناني، قتل نظام الأسد أكثر من نصف مليون سوري خلال العقد الماضي، وأرغم ما يقرب من 7 ملايين لاجئ على التوجه إلى دول الاغتراب. ومع ذلك، على الرغم من استمرار النزاع دون حل، فإن العديد من الدول الأعضاء – بما فيها الجزائر والبحرين ومصر والأردن وتونس والإمارات العربية المتحدة – كانت تنادي على نحو متزايد بإعادة سوريا إلى كنف نظام الحكم العربي منذ عام 2021، حيث أعادت بعض الدول العربية افتتاح سفاراتها في دمشق، والاجتماع مع كبار القادة السوريين، واستضافة الأسد بنفسه في زيارات رسمية، و/أو دراسة احتمال توقيع اتفاقات طاقة تعود بالفائدة على نظامه. ومع ذلك، لا يوجد إجماع داخل “الجامعة العربية” حول هذه القضية، كما شجعت الولايات المتحدة شركاءها العرب على عدم تجديد العلاقات الدبلوماسية مع الأسد. أما الجزائر، فقد أشارت في البداية إلى أنها ستسعى إلى إنهاء تعليق عضوية سوريا في “الجامعة العربية” خلال مؤتمر القمة، لكن استمرار الخلافات بين الدول العربية دفع بها إلى إرجاء الموضوع.
العلاقات الدبلوماسية مع أثيوبيا. شملت السياسة الخارجية الحازمة التي انتهجتها الجزائر مؤخراً أيضاً جهوداً لتعزيز العلاقات مع أثيوبيا، زميلتها في “الاتحاد الأفريقي”. ففي تموز/يوليو، دُعيت رئيسة البلاد سهلورق زودي إلى العاصمة الجزائرية في إطار زيارة رسمية لمدة ثلاثة أيام، تلتها زيارة قام بها رئيس الوزراء الاثيوبي آبي أحمد في آب/أغسطس. وتضمنت الزيارة الأخيرة اتفاقاً “لتعزيز التعاون في مجال التجارة والتعليم”. وأثارت هذه الاجتماعات استياء مصر التي تتخبط في نزاع شديد مع أديس أبابا بشأن معدل ملء خزان “سد النهضة الأثيوبي الكبير”. فمخاوف القاهرة إزاء مياه النيل ذات طبيعة وجودية، وبالتالي فإن تودد الجزائر لأثويبيا يهدد بتقويض علاقاتها الثنائية مع مصر بشكل أكبر.
الخلافات بشأن ليبيا. تختلف مصر والجزائر أيضاً حول طبيعة مشاركة ليبيا في “جامعة الدول العربية”. فقد دعت الجزائر “حكومة الوحدة الوطنية” إلى القمة في إطار محاولتها للعب دور الوسيط بين الحكومتين المتناحرتين في ليبيا. وعلى الأرجح، سيتسبب رفض القاهرة المذكور آنفاً التعاطي مع “حكومة الوحدة الوطنية” إلى جانب استيائها من العلاقات الناشئة بين الجزائر وأثيوبيا، في بروز ردود فعل محرجة نوعاً ما الأسبوع المقبل – حتى لو حضر الرئيس عبد الفتاح السيسي اجتماع القمة.
الصدع بين الجزائر والمغرب. من المرجح أن تتجلى الخصومة الطويلة العهد بين البلدين بأقوى حللها خلال القمة. فقد كانت الجزائر والرباط تتقربان بشكل كبير من دول أفريقية وعربية أخرى خلال العام الماضي بعد أن توترت العلاقات الثنائية بينهما. وتشكل الصحراء الغربية نقطة الخلاف الأكبر بينهما. ففي عام 2020، اعترفت إدارة ترامب بسيادة المغرب على هذه المنطقة المتنازع عليها، الأمر الذي أثار استياء الجزائر. وبعد أقل من عام، قطعت الجزائر علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط وأوقفت تصدير الغاز الطبيعي عبر المغرب إلى أوروبا. وخلال فصل الصيف من هذا العام، أشار الملك محمد السادس إلى أن المغرب تميل نحو إعادة “العلاقات الطبيعية”، لكن من غير الواضح ما إذا كان سيحضر القمة نظراً إلى علاقة بلاده السيئة عموماً مع الجزائر. وقد تكون مشاركته دليلاً على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.
مواضيع التوافق؟
في حين سيتميز اجتماع القمة بالاختلاف أكثر من التقارب، فقد تتمكن الدول الأعضاء من التوصل إلى توافق كامل بشأن عدد قليل من المسائل:
انتقاد تركيا. خلال المؤتمر الوزاري الذي عقدته “جامعة الدول العربية” في أيلول/سبتمبر، أصدرت بياناً انتقدت فيه أنقرة “بسبب تدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية”، وتحديداً وجودها العسكري في العراق وسوريا وليبيا. وكررت القرارات المنشورة من ذلك الاجتماع هذه النقاط – على الرغم من أن الجزائر وجيبوتي وليبيا وقطر والصومال أعربت جميعها عن تحفظاتها، كما جادلت الدوحة بأن الجامعة كانت مذنبة بـ “الازدواجية” من خلال تحديد تصرفات تركيا في ليبيا مع عدم ذكر التدخلات من قبل بعض الدول العربية. وبغض النظر عن الآمال المعقودة بأن أنقرة ستتصالح في نهاية المطاف مع مصر ومختلف دول الخليج العربي، إلّا أن بعض المشاركين في القمة سيستغلون بلا شك المنتدى كفرصة لانتقاد تدخل تركيا العسكري وتوقيعها مذكرة تفاهم في مجال الطاقة والاستثمار مع “حكومة الوحدة الوطنية” الليبية – ربما يتوّج ذلك ببيان شديد اللهجة يصدر عن “الجامعة العربية” نفسها.
معارضة إيران. قد يميل المشاركون في القمة أيضاً إلى توجيه انتقادات لاذعة إلى إيران، وهي دولة أخرى لديها سجل حافل من التدخل في الشؤون الداخلية لبلدانهم. وركز القرار المرتبط بإيران الذي صدر عقب الاجتماع الوزاري لـ “الجامعة العربية” في أيلول/سبتمبر جزئياً على إدانة سلوك الجمهورية الإسلامية المزعزع للاستقرار في الشرق الأوسط بشكل واسع النطاق، بما في ذلك ميليشياتها الإرهابية التي تعمل بالوكالة عنها في العراق ولبنان وسوريا واليمن. ومع ذلك، فمن المرجح أن يكون هذا الموقف المباشر نسبياً مثيراً للجدل خلال القمة. وتبقى علاقات الجزائر المضيفة مع طهران أكثر ودية ربما من أي دولة أخرى عضو في “الجامعة العربية”، في وقت يخضع فيه العراق ولبنان لهيمنة الميليشيات المدعومة من إيران ويرفضان عموماً انتقاد الأعمال العدائية التي ينفذها النظام في الخارج بأي شكل من الأشكال.
أما بالنسبة للحركة الاحتجاجية الشعبية المستمرة في إيران، فلا شك أن العديد من المسؤولين العرب يشعرون بالسعادة من ظهور معارضة داخلية كبيرة للنظام. ومع ذلك، ربما لا يزالون متحفظين إزاء الدعم العلني لهذه الحركة الاحتجاجية بسبب مخاوف من انتقام إيران و/أو احتمال اندلاع تظاهرات مماثلة في دولهم.
إنتاج النفط. قد يلتف المشاركون في القمة حول السعودية لدعم القرار الذي اتخذته منظمة “أوبك بلس” مؤخراً بخفض الإنتاج بواقع مليوني برميل في اليوم. وفي 14 تشرين الأول/أكتوبر، أصدر أحمد أبو الغيط، الأمين العام لـ “جامعة الدول العربية”، بياناً دعم فيه خفض الإنتاج واتهم واشنطن بشكل غير مباشر “بتسييس” قضية اقتصادية. وبعد مرور يومين، أصدرت كل من الجزائر والبحرين وعُمان بيانات مماثلة.
القضايا الفلسطينية. على الرغم من عدم تمكّن المشاركين من التوصل إلى توافق في الآراء بشأن هذه الأمور، إلا أن الاحتمالات كبيرة بأن تسفر القمة عن صدور عدة بيانات غير ملزمة وغير قابلة للتنفيذ من قبل “الجامعة العربية” دعماً للقضية الفلسطينية. حتى أن الدول التي وقعت “اتفاقيات ابراهيم” أو بذلت جهوداً أخرى للتطبيع مع إسرائيل من المفترض أن تدعم القضية الفلسطينية بالخطابات خلال أي اجتماع للجامعة.
الخاتمة
في النهاية، ستتمكن الجزائر من الادعاء بأنها تلعب دوراً مركزياً في تعزيز الوحدة العربية بمجرد استضافتها لمؤتمر القمة. ومع ذلك، سيَظهر النجاح الحقيقي للقمة من خلال عدد رؤساء الدول الذين سيحضرونها في الواقع. وبالنظر إلى الانقسامات الكبيرة بين أعضاء “جامعة الدول العربية” والتوقعات السيئة للتغلب على خلافات الدول المشاركة في المستقبل القريب، فمن المرجح ألا تستقطب القمة العربية لهذا العام الأنظار وألا تحقق الكثير من الإنجازات.
سابينا هينبرج هي “زميلة سوريف” في معهد واشنطن. ديفيد شينكر هو “زميل أقدم في برنامج توب” في المعهد ومساعد وزير سابق لشؤون الشرق الأدنى في وزارة الخارجية الأمريكية.
المصدر: معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى